أطفال لبنان مهددون صحياً… وتحذير من تراجع تطعيمهم

تالا الحريري

على وقع الأزمة الاقتصادية المتمادية التي يشهدها لبنان منذ أكثر من سنتين وصنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، لم يبق قطاع بمنأى عن تداعيات الانهيار وبينها القطاع الصحي والاستشفاء والأدوية المستوردة بمعظمها من الخارج. ولم تسلم أي فئة من المواطنين من الأزمة الصحية، وسط التخبط في تأمين طبابتهم وأدويتهم في ظل إنقطاعها وغياب المستلزمات الطبية والغلاء الفاحش وهجرة الأطباء، ما انعكس خاصة على الأطفال الذين هم عرضة لأمراض خطيرة ويحتاجون إلى رعاية صحية كي ينشأوا بشكل سليم لاكتساب مناعة تجعلهم يقاومون هذه الأزمات.

وفي تقرير أصدرته “اليونيسف” بالتزامن مع أسبوع التمنيع العالمي، أشارت الى أن “تأزّم الوضع الاقتصادي العالمي وما نتج عنه من ارتفاع في الأسعار وزيادة في التضخم، يؤدي إلى تفاقم الأزمة الكارثية في لبنان وبالتالي ازدياد التداعيات الخطيرة على صحة الأطفال. وسيؤدي ذلك إلى المزيد من الاضطرابات في القطاع الصحي، الذي يعاني بالفعل هجرة جماعية هائلة للعاملين الصحيين، مع جمود عملية التوظيف من المؤسسات الصحية في البلاد، والقيود المفروضة على إستيراد الأدوية والمعدات الطبّية التي أثرت بشكل خطير على جودة الرعاية الصحية للنساء والأطفال”.

فاخوري: آن أوان الافراج عن اللقاحات

طبيب الأطفال حسان فاخوري أطلق صرخة عبر “لبنان الكبير”، قائلاً: “مررت بشتى الظروف وعملت جاهداً وباخلاص لأرعى الأجيال الطالعة بكل حب وإحترام وأحرص على مصلحة الطفل اللبناني الذي هو الأمل لمستقبل صحيح، لكن من يخيفني ويزعجني هو من أعطي حق الاعتناء بالصحة العامة في بلدنا، وترك الطفل يعاني عدم تأمين اللقاحات الأولية المناسبة”.

أضاف: “هذه صرخة طبيب واكب مشوار اللقاحات في جميع الحالات، وآن الأوان أن تطلب وزارة الصحة من مستوردي اللقاحات الافراج عنها حتى يتسنى للأطباء القيام بمسؤولياتهم الوقائية أو الطلب من منظمة الصحة العالمية أن تبادر الى التبرع بلقاحات للأطفال كما بادرت الى تأمين ملايين الجرعات من لقاحات كورونا”.

ولفت تقرير “اليونسيف” الذي يحمل عنوان “تفاقم الأزمة الصحّية للأطفال في لبنان”، إلى أن “الانخفاض الحاد في معدلات التطعيم الروتينية ترك الأطفال عرضة للأمراض المميتة المحتملة مثل الحصبة وعدوى الدفتيريا، أي الخناق، والالتهاب الرئوي. وانخفض التطعيم الروتيني للأطفال بنسبة 31 في المئة، مع العلم أن معدلات التحصين كانت، في وقت سابق، منخفضة بالفعل وبشكل مثير للقلق، وقد نتج عن ذلك وجود عدد كبير من الأطفال غير المحصّنين والمعرضين للأمراض وآثارها الخطيرة”.

أمّا الصيدلاني ربيع شاهين فأوضح أنّ “هناك أزمة تطعيم في لبنان، والصيدليات تسلمت اللقاحات من الشركات، لكن العدد ليس كافياً”. وقال: “أعتقد أن الاعتماد العام والمركّز كان على المستوصفات، فنحن ممنوع علينا كصيدليات أن نلقّح الطفل مباشرة. نحن نبيع الأطباء وهم يقومون بالتلقيح، ولكن حسب معلوماتي نسبة التطعيم متدنية جداً من خلال الأطباء”.

وبالنسبة الى سوء التغذية، أكد شاهين أنه “عندما يكون سعر علبة حليب الأطفال ١٢٠ ألف ليرة لبنانية والدخل متدنياً فبالطبع سيكون هناك سوء تغذية”.

اللقاحات بالقطّارة

وأوضحت أم لطفل بلغ السنة من عمره أنّ اللقاحات كانت مؤمنة منذ سنة أي عند ولادة طفلها وكان يحصل عليها بإنتظام، لكنها اليوم غير مؤمنة بتاتاً وحتى طبيبه الخاص يعجز عن تأمينها. وقالت: “أصبحت أتوجه إلى مراكز العناية الصحية لعلّي أجد لقاحاً له. وكطفل، لديه الكثير من اللقاحات من الضروري أن يأخذها، لكنّني توقفت منذ فترة عن إعطائه أي لقاح جديد بسبب إنقطاعها”.

وأكدت أمّ أخرى لديها طفلة رضيعة تبلغ من العمر سبعة أشهر، أن “أسعار اللقاحات أصبحت مرتفعة جدّاً، وفي الأساس كانت مرتفعة لكنّها اليوم لم تعد محتملة. إلى جانب ذلك، فهي مؤمنة بالقطارة”.

أضافت: “الأطفال بحاجة إلى الحصول على لقاحاتهم الأولية اللازمة في الوقت المناسب ويجب عدم التأخر فيها، فإبنتي تمرض كل بضعة أسابيع وليس هناك شيء مؤمن لها، حتى الدواء غائب، إضافةً إلى غياب الحليب الذي تتناوله، ولم تعد صحتها كالسابق وباتت تعاني نقصاً في الغذاء”.

في السياق نفسه، قالت ممثلة “اليونيسف” بالإنابة إيتي هيغينز: “في ظلِّ معاناة نحو 80 في المئة من السكان في لبنان من الفقر، لم يعد بإمكان كثير من العائلات الإنتقال حتى الى المرافق الصحية للحصول على الرعاية الصحّية الأولية لأطفالها، ولم يعد كثر قادرين على توفير الطعام والتغذية اللذين يحتاجهما أطفالهم للبقاء على قيد الحياة والازدهار”.

وكررت دعوة “اليونيسف” للحكومة اللبنانية وجميع أصحاب الشأن في لبنان الى “تركيز كل الجهود من أجل تطعيم الأطفال ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها من خلال التحصين باللقاحات، وتحسين الرفاه الغذائي للأطفال والنساء”.

وأوردت المنظمة في تقريرها أنه بين شهري نيسان وتشرين الأول 2021، ارتفع عدد الأطفال الذين لم يتمكنوا من الحصول على رعاية صحية على الرغم من حاجتهم “الماسة” إليها من 28 إلى 34 في المئة.

شارك المقال