موجات الحر… أعمق أشكال عدم المساواة العالمية

حسناء بو حرفوش

يقف العالم في مواجهة المزيد من الارتفاع في درجات الحرارة، تقابله تأثيرات غير متكافئة بالفعل، ترزح تحتها العديد من الدول، وفقاً لمقال في موقع “نيويورك تايمز” الالكتروني. ويبرز عدم التكافؤ هذا من خلال أمثلة عدة على غرار “الهند التي لم تسهم كثيراً في تغير المناخ، فعلى الرغم من أنها موطن 18% من سكان العالم، لم تتسبب سوى بإطلاق 3% من غازات الاحتباس الحراري.

ومع ذلك، بدأت الهند تعاني من تغير المناخ. وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، اجتاحت موجة الحر شمال الهند وباكستان المجاورة، وتجاوزت درجات الحرارة 110 فهرنهايت. وسيطرت الأجواء الحارة للغاية لدرجة أن الطيور سقطت من السماء في مدينة جورجاون الهندية، كما انهار جسر تاريخي في شمال باكستان بعد ذوبان الجليد في بحيرة جليدية وأطلق سيلاً من المياه.

ويقول العلماء إن ظاهرة الاحتباس الحراري لعبت بالتأكيد دوراً في موجة الحر. ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى جعل الطقس أكثر سخونة بصورة غير عادية ليس في الهند وباكستان وحسب، وانما في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة.

واستجاب السكان الذين شعروا بتهديد الحر للبقاء في الداخل قدر الإمكان. وشجعت الحكومة هذا الأمر من خلال دفع المدارس إلى الاغلاق مبكراً والشركات إلى تغيير جداول العمل. وأدت الاجراءات إلى خفض عدد الوفيات، بحيث تم تسجيل أقل من 100 حالة وفاة حتى الآن، وهو تحسن في سياق موجات الحر التي أودت قبل سنوات بحياة الآلاف.

وتترافق هذه الاجراءات مع تكاليف، بحيث يتم اختصار وقت الدراسة، لذلك يتعلم الطلاب أقل، كما لا يتنقل الناس إلى وظائفهم، لذا فإن العمل أقل إنتاجية. أضف إلى ذلك، أن الحرارة أبقت بعض المزارعين في الداخل وأوقفت المحاصيل، وبالتالي انخفضت الغلة وزادت أسعار الغذاء العالمية كما تعطلت الحياة الاجتماعية.

وتذكر هذه التبعات بالآثار المختلطة لما حصل خلال الاغلاق بسبب جائحة كورونا. ومن شأن تدابير التكيف مع تغير المناخ أن تساعد في منع أسوأ النتائج الصحية، لكنها تترافق مع تكاليف حقيقية. يقول عالم المناخ روكسي كول: “إننا ننقذ الأرواح في الهند، ولكن بعد ذلك تُفقد سبل العيش”. ولا يزال يتعين على الكثير من الناس الخروج في الحر ولكن ظهور علامات الإصابة بضربة شمس بعد عودة الأطفال من المدرسة إلى المنزل جعلت على سبيل المثال الأهل ينهون الدراسة في وقت مبكر. وفي دلهي، أفيد عن تسبب حرارة الظهيرة بالصداع والجفاف.

أعمق مظاهر عدم المساواة

وليست جغرافية البلدان الفقيرة، والتي يقع الكثير منها بالقرب من خط الاستواء، السبب الوحيد الذي يجعل تغير المناخ عبئاً عليها، اذ أن الفقر يشكل عاملاً آخر، يتركهم بموارد أقل للتكيف. يصف مراسل المناخ في صحيفة “تايمز” سوميني سينغوبتا تغير المناخ بـ “أحد أعمق مظاهر عدم المساواة في العصر الحديث، بحيث أن أولئك الذين لم يتسببوا بمعظم المشكلة يشعرون بثقل التأثير بالفعل.”

وهناك مفارقة في أزمة المناخ، فنظراً الى أن الهند لم تتحول أبداً إلى التصنيع الكامل، فهي ليست مسؤولة عن العديد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول الغنية الأخرى. ولكن لأنها لم تتحول إلى التصنيع، فإن لديها أيضاً موارد أقل للتكيف من الدول الغنية والملوثة. ويمتلك أقل من 10% من سكان الهند مكيفات في المنزل. كما يفتقر الكثيرون إلى الكهرباء الموثوقة، مما يحد من قدرتهم على استخدام المراوح. وتفاقمت المشكلة بشكل خاص في الآونة الأخيرة، بحيث تسبب نقص الفحم بانقطاع التيار الكهربائي.

ويخلق هذا الموضوع معضلة جديدة، فمن أجل التكيف، يجب على الدول أن تتبنى التقنيات الحديثة. ولكن نظراً الى أن هذه التقنيات تتطلب غالباً زيتاً وفحماً يعملان على زيادة درجة حرارة الأرض، يؤدي استخدامهما إلى تفاقم تغير المناخ، ويزيد بالتالي من حدته وهكذا دواليك في دوامة لا تنتهي.

ويشكل الاندفاع نحو تقنيات الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، محاولة لحل هذه المعضلة ولاعطاء البلدان وسيلة للتصنيع من دون التلوث الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض. ولكن في ظل الكوارث المناخية التي تضرب بالفعل معظم أنحاء العالم، تواجه هذه الجهود سباقاً مع الزمن لمنع المزيد من الأزمات المماثلة للأزمة الهندية”.

شارك المقال