موجات الحر الشديدة… دعوة لصحوة عالمية

حسناء بو حرفوش

حذرت كلوديا ويبي، عضوة البرلمان البريطاني، في مقال نشره موقع “مورنينغ ستار” الإلكتروني من أن “الارتفاع الهائل في درجات الحرارة والتي سجلت الأسبوع الماضي حول العالم، يدق ناقوس الخطر ويستدعي التحرك والاعتراف بالتداعيات الخطيرة للاحتباس الحراري!”

وخلال الأسبوع الماضي، حطمت بريطانيا من ضمن أمثلة عالمية كثيرة، درجات الحرارة القياسية السابقة، إذ وصلت الحرارة إلى 40.3 درجة مئوية في لينكولنشاير، بينما تجاوزت 38.7 درجة مئوية في 33 موقعًا آخر في بريطانيا، مسجلة ارتفاعا كبيرا مقارنة بالعام 2019. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو نسب تحطيم الأرقام القياسية، إذ أعرب خبراء الأرصاد الجوية عن دهشتهم من أن الأرقام القياسية قد تعرضت للنسف بشكل واضح وفي العديد من المناطق.

وتسببت موجة الحر بنسبة كبيرة من الاضطرابات، واختبر رجال الإطفاء في لندن أكثر أيامهم ازدحامًا منذ الحرب العالمية الثانية. وتأثرت خدمات السكك الحديدية بشدة بالحرارة الشديدة، مع إغلاق الخط الرئيسي للساحل الشرقي بسبب درجات الحرارة القياسية، في مؤشر لمستقبل قاتم. وبالتوازي، تم الإبلاغ عن ما لا يقل عن 748 حالة وفاة مرتبطة بالحرارة في موجة الحر في إسبانيا والبرتغال وفي المملكة المتحدة. وأُجبر أكثر من 31 ألف شخص على ترك منازلهم وأماكن العطلات الصيفية في منطقة جيروند بفرنسا منذ اندلاع حرائق الغابات في 12 تموز.

وارتفعت درجات الحرارة في العالم بالفعل بنحو 1.1 درجة مئوية منذ بداية العصر الصناعي، وستستمر في الارتفاع ما لم تقم الحكومات في جميع أنحاء العالم بالعمل للتخفيض من الانبعاثات. كما شهدت أجزاء كبيرة من أوروبا وشمال افريقيا درجات حرارة شديدة، مع اندلاع حرائق الغابات في فرنسا وإسبانيا والبرتغال واليونان والمغرب.

ويعتبر رئيس قسم العلوم والتكنولوجيا في مكتب الأرصاد الجوية البروفيسور ستيفن بيلشر تجاوز درجة الحرارة 40 درجة “مستحيل عمليًا” في مناخ غير مضطرب، لكن نظرًا لتغير المناخ “مدفوعًا بغازات الاحتباس الحراري”، فقد أصبحت درجات الحرارة القصوى هذه حقيقة واقعة. كما توقع أنه في حالة استمرار وجود انبعاثات عالية، “قد نرى درجات حرارة كهذه كل ثلاث سنوات”.

انخفاض محاصيل الحبوب العالمية

وسُجّلت حرائق غابات وعمليات نزوح جماعي في جميع أنحاء أوروبا هذا الأسبوع، وانخفضت محاصيل الحبوب العالمية بنسبة 10 في المئة بسبب موجات الحر والفيضانات المرتبطة بتغير المناخ، مما أدى إلى الجوع الجماعي والنزوح. واضطر أكثر من مليون من المقيمين بالقرب من السواحل إلى ترك منازلهم بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار والعواصف القوية، ومن المتوقع أن يفر ملايين آخرين في السنوات المقبلة.

وتدل الحرارة المسجلة الأسبوع الماضي أو نحو ذلك على الخطر الحقيقي والقائم الذي تواجهه المجتمعات في جميع أنحاء العالم. لذلك، لا ينبغي التأخر في اتخاذ إجراءات لإنقاذ كوكبنا والأجيال القادمة.

ووجدت دراسة أجريت عام 2017 ونشرت على منصة World Development المتخصصة بالعلوم أن دعم الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم بلغ 4.9 تريليونات دولار في عام واحد. وقدّرت الدراسة أن إلغاء هذه الإعانات من شأنه أن يخفض انبعاثات الكربون العالمية بنسبة 21 في المئة والوفيات الناتجة عن تلوث الهواء بأكثر من النصف. ويفرض الوضع الجديد ضرورة بناء مستوطنة اجتماعية جديدة وعقد صفقة خضراء جديدة لإعادة بناء البلاد باقتصاد أكثر عدلاً واستدامة، حيث لا تشكل الثروة المالية مقياس التقدم وإنما رفاهية المناخ. ولا بد من الكفاح من أجل مجتمع تسبق فيه الصحة العامة السعي للربح الخاص، من خلال تقديم برامج للاستثمار في الطاقة المتجددة والدفاعات ضد الفيضانات وخدمة صحية والرعاية المرنة، الممولة من الضرائب المفروضة على الشركات الكبيرة وعلى الأثرياء.

وفي حين أن موجات الحر في بريطانيا وعبر أوروبا تركت مصدر قلق كبير، إلا أنها كانت مجرد لمحة موقتة عن الواقع المدمر الذي يواجه المجتمعات في جنوب الكرة الأرضية حيث أصبحت موجات الحر الشديدة والأطول أمدا والجفاف وفشل المحاصيل هي الوضع الطبيعي الجديد، مما يؤدي إلى زيادة الجوع والفقر ويؤثر بشكل خاص في الفئات الأكثر ضعفا.

ويواجه شمال كينيا على سبيل المثال موجة جفاف مطولة تعرّض المجتمعات الريفية لخطر المجاعة بشكل أكبر، وفي العام الماضي، أغرقت الأمطار الغزيرة ربع بنغلادش ودمرت منازل الملايين. وبالنظر إلى السياق التاريخي للاستعمار والتخلف واستخراج الثروة، من المقيت أخلاقياً أن 3.6 مليارات شخص في البلدان النامية يتحملون بالفعل وطأة أزمة المناخ. ومن دون التدخل الفوري من الدول الغنية، لن تتخذ الإجراءات العاجلة للحفاظ على الكوكب كمكان صالح للسكن. وسيؤدي ذلك إلى اضطرابات لا يمكن تصورها كما قد يكلف الملايين من الأرواح، بشكل فوري وحاد في البلدان التي ساهمت بأقل قدر في تغير المناخ. لقد حان الوقت للبلدان الغنية في أميركا الشمالية وأوروبا للتصعيد ومواجهة الواقع ببرنامج عالمي لإنقاذ الأرواح وضمان مستقبل مستدام!

الحقيقة هي أن مستقبلنا العالمي لا يتوافق مع نظامنا الاقتصادي الحالي. ومن أجل التصدي لتغير المناخ، يجب وضع حدّ للتفاوت العالمي الشديد وإعادة بناء عالم قائم على الإنصاف والاستدامة. وعلى المدى القصير، من الضروري أيضًا أن تقوم الدول الغنية بشطب ديون بلدان في جنوب الكرة الأرضية والسماح لها بإعطاء الأولوية لاستجابتها للانهيار المناخي، خصوصا أن جائحة كورونا دفعت البلدان الفقيرة إلى مستويات قياسية من الديون.

ألا يجب إنهاء هذا الظلم التاريخي؟ يجب أن نضمن استبدال الاقتراحات المراوغة وغير الملائمة والخطاب الفارغ للبلدان الملوثة بإجراءات فورية. ما يحصل اليوم دعوة لصحوة عالمية قوامها السياسات الممولة بالشكل الصحيح بهدف التخفيف من الكلفة البشرية الهائلة لتغير المناخ في جميع أنحاء العالم”.

شارك المقال