ضريبة مُقترحة على أرباح القروض… هل يُسمح لمنصوري بإنصاف المودعين؟

سوليكا علاء الدين

منذ تسلّم حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري سدّة الحاكميّة، يسعى إلى الحكم بيد من حديد من خلال فرض سلطته وحزمه وإصراره على القيام بواجباته مُتسلّحاً بشروطه ومُطالباً المجلس النيابي بإقرار رزمة من القوانين والتشريعات الاصلاحية، وإن كان البعض يأخذ عليه سكوته عن قرارات الحاكم السابق رياض سلامة ويُحمّله مسؤوليّة التغاضي على ما قام به خلال فترة ولايته. وتمثّلت أبرز مواقفه الجريئة في رفض المس بأموال المودعين ووقف تمويل الحكومة من خلال عدم إقراضها من الالزامي الاحتياطي لـ”المركزي”، وعبر السعي أيضاً إلى تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية مع استبداله منصّة “صيرفة” بمنصّة “بلومبرغ” العالمية؛ لينشر بذلك أصداء إيجابيّة في محاولة منه لتعزيز الاستقرار النقدي واستعادة الثقة المفقودة بمصرف لبنان.

لا شك في أنّ استراتيجيّة منصوري المُتّبعة لاقت استحساناً داخليّاً خصوصاً على الصعيد الشعبي، كذلك عربياً ودولياً وأهمّها الاطراء الذي حمله البيان الختامي لصندوق النقد الدولي والذي أشاد بالقرارات الأخيرة التي اتخذتها القيادة الجديدة لـ “المركزي”. فالخطوات الاصلاحية التي قام بها أسهمت في الحفاظ على هدوء سعر صرف الدولار الذي استطاع حتى اليوم تجاوز جميع الهزات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد. كما تمكّن الحاكم أيضاً من تأمين دفع رواتب موظفي القطاع العام وتوفير احتياجات القوى الأمنية والعسكرية الأساسية بالدولار، الأمر الذي ساعد في الإبقاء على الانضباط النقدي وخفّف من الضغط على الليرة اللبنانية.

واستكمالاً لسياسته الاصلاحية، ومن أجل إعادة بناء الثقة بين المواطن والقطاع المصرفي، يُصرّ منصوري على أهميّة إعادة إطلاق هذا القطاع عبر إعادة ثقة المودع، مؤكداً أنّ إعادة أموال المودعين ليست بالأمر المستحيل وأنّ إعادة الثقة بالقطاع غير ممكنة في حال لم تتمّ إعادة هذه الأموال. كما يعتبر أنّ الدولة لن تستطيع إعادة أموال المودعين قبل البدء بإعادة هيكلة المصارف. وعقب لقائه المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوم أمس، صرّح منصوري بأنّه لا يجوز لحاكم “المركزي” ألاّ تكون لديه إجابة عن سؤال أي مودع حول وديعته، ولا يجوز ألاّ يحصل المودع على وديعته بالدولار، فالمسؤولية مُشتركة وإذا كانت الأموال موجودة، فيجب إبلاغ المواطنين بذلك واذا كانت ستعود فلنضع آلية لهذا الأمر. ودعا إلى ورشة عمل حول هذا الموضوع بمشاركة المعنيين، مُشيراً إلى تحمّل الجميع مسؤولية التأخير هذا. فالرجل القانوني بامتياز، يُدرك أنّ استحالة استرداد الودائع تعني فقدان الثقة بلبنان وليس بالنظام المصرفي فقط.

وكان منصوري شدّد بعد وصول لبنان إلى نقطة اللااتفاق مع صندوق النقد ورفض الحكومة خيار شطب الودائع وعدم تقديمها في المقابل أية اقتراحات بديلة، على ضرورة إعطاء الأموال للمودعين كخطوة تمهيدية لتصحيح مسار عملية الاسترداد، طارحاً فرض ضريبة لمرّة واحدة فقط على أرباح القروض الكبيرة بالدولار، على أن تتحدّد نسبة الضريبة بموجب قانون يتمّ إقراره في مجلس النواب وذلك للمستثمرين الذين حصلوا على القروض من المصارف قبل بدء الأزمة، ثم قاموا بإعادتها بالليرة اللبنانية على أساس السعر الرسمي المُعتمد آنذاك 1500 ليرة لبنانية، والذي أدّى إلى تحقيقهم أرباحاً طائلة. وتُشير المعلومات إلى أنّ الاقتراح لا يشمل أرباح القروض الشخصية أو الخاصة أو السكنية، بل تلك الناجمة عن قروض الدولار الكبيرة فقط، على أن توضع الضرائب المُستوفاة في صندوق خاص في المصارف من أجل دفعها بصورة مباشرة وبالـ”فريش” دولار للمودعين، كجزء من حقوقهم المالية.

يحاول منصوري إيجاد مخرج لأزمة الودائع في ظل غياب الدولة وتنصّلها من مسؤوليّة إعادة أموال المودعين، فإهمالها المُتعمّد وتقاعسها المستمر عن إيجاد الحلول الناجعة في الوقت المناسب أسهم في تذويب معظم قيمة الودائع بالليرة اللبنانية وتبخره نتيجة انهيار العملة الوطنية والتلاعب المُستمر بسعر الصرف. كما أنّ إصرارها على إبقاء سعر صرف الدولار الرسمي على 1507 ليرات في حين كان السعر في السوق الموازية يحطّم أرقاماً قياسيّة مُتتاليةً، أدّى إلى حدوث فجوة كبيرة بين قيمة القرض عند الحصول عليه وقيمته وقت السداد. فبعد السقوط المُدوّي لليرة، عمد الكثير من المُقترضين – لا سيما أصحاب القروض التجارية والاستثمارية الكبرى – إلى سداد قروضهم التي تفوق قيمتها ملايين الدولارات، عبر دفعهم بضعة آلاف دولارات فقط مُستفيدين من الفوارق في سعر الصرف ومُحقّقين بذلك عوائد وأرباحاً شهرية خيالية.

لا شك في أنّ طرح منصوري يأتي ضمن السلّة الاصلاحية التي يحملها منذ تعيينه حاكماً على رأس السلطة النقدية الأعلى في البلاد، مُنطلقاً من مبدأ عدم المس بما تبقّى من أموال المودعين. إلّا أنّ هذا الطرح كغيره من الاصلاحات يحتاج الى تشريع نيابي وعليه أن يمرّ بالبرلمان عبر تقديم اقتراح قانون والموافقة عليه. ولم يعُد خافياً على أحد أنّ طريق الاصلاحات في لبنان تخضع لهيمنة الطبقة الحاكمة وقرارها، فهل ستتجاوب القوى السياسية مع طرح الحاكم بالانابة أم أنّ مصير اقتراح الضريبة سيكون كمصير قانون الاقتراض وسيُرحّل الملف إلى درج النسيان والإهمال؟ وبالتالي، هل سينجح منصوري في فرض معادلته والبدء برحلة إنصاف أصحاب الودائع من خلال ضريبته المُقترحة لا سيّما وأنّ أصحاب السلطة والنفوذ والمال الذين استفادوا من فوارق التسديد سوف يُمارسون شتّى أنواع الاعتراض والضغط من أجل عرقلة الاقتراح ونسفه برمّته؟

شارك المقال