فواتير الدولار لوزارة الطاقة تُكهرب المواطنين

سوليكا علاء الدين

لا يختلف اثنان في لبنان على أنّ قطاع الكهرباء هو كارثة الاقتصاد وأحد القطاعات الرئيسة الخاسرة وغير المُجدية التي لا تزال تستنزف الخزينة العامة وتُكلّفها خسائر بمليارات الدولارات. فالقطاع الذي يشهد منذ سنوات عديدة انقطاعاً مُزمناً في ساعات التغذية، يتآكله النهب والهدر والفساد وسوء الادارة وتحكمه الصفقات والسمسرات المشبوهة وجني الأموال غير المشروعة ليحتل بذلك المرتبة الثانية في المساهمة في حجم الدين العام بنسبة تتجاوز الـ 170 في المئة من الناتج المحلي اللبناني.

ومنذ صيف العام 2021، تحوّلت مشكلات هذا القطاع إلى أزمات مُستعصية بحيث عمّق من حدّة تفاقمها الانهيار الاقتصادي المُريع بدءاً من شح الدولارات والمحروقات، مروراً بصعوبة توفير مواد الطاقة وتمادي عمليات التخزين والتهريب ورفع الدعم أثناء ولاية رياض سلامة، وصولاً إلى رفض حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، تمويل الحكومة وتفضيله تأمين رواتب موظفي القطاع العام والمستلزمات الأساسية للقوى العسكرية والأمنية على تحويل ليرات مؤسسة “كهرباء لبنان” إلى دولارات من أجل سداد تكاليف الطاقة وخدماتها.

ومع سيطرة الدولرة الشاملة على الاقتصاد في لبنان وتماشياً مع العديد من القطاعات الأخرى، يدخل قطاع الكهرباء اليوم نادي “دولرة الفواتير” من بابه العريض، وذلك عقب إعلان وزارة الطاقة والمياه حصولها على موافقة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، والتي تسمح بموجبها للمواطنين بتسديد فواتير الكهرباء بالدولار الأميركي النقدي أو بالليرة اللبنانيّة النقدية، وذلك حسب رغبة كل مواطن بعد أن جاء رأي الهيئة بناءً على طلب مُقدّم من مؤسسة “كهرباء لبنان” منذ 20 أيلول 2023. وأشارت الوزارة في بيانها إلى أنّ هذا الإجراء سوف يسهم في معالجة مُشكلة تأمين السيولة بالعملة الصعبة للمؤسسة بهدف دفع مُستحقاتها بالدولار أو الليرة. كما أنّه سيُعطي الحريّة والمرونة للمواطنين من أجل اختيار العملة المناسبة لهم لتسديد فواتيرهم، لا سيّما وأنّ سعر الدولار المُعتمد لاستصدار الفواتير بالليرة اللبنانية قد تم تحديده على سعر 103 آلاف ليرة لكل دولار (سعر منصّة “صيرفة” + 20 في المئة)، الأمر الذي سوف يُحفّز المواطنين – حسب الوزارة – على الدفع بالدولار بغية التوفير وإمداد المؤسسة بالدولارات التي تحتاجها في سبيل استكمال التنفيذ الناجح لخطّة الكهرباء ولزيادة التغذية. فسعر الصرف المُعتمد في الفواتير يفوق ما يُقارب الـ14 في المئة سعر الصرف في السوق الموازية والذي لا يتعدّى الـ90 ألف ليرة. وبالتالي، تسعى المؤسسة من خلال هذا الفرق إلى رفع حظوظها في الحصول على دولار المواطنين عبر جباية الفواتير بالعملة الخضراء، وكأنّ مؤسسة الكهرباء تُحاول دفع المشتركين إلى عدم تسديد فواتيرهم بالليرة على سعر الـ 103، والتوجّه نحو شراء الدولار من السوق بسعر أقل والقيام بدفعها بالدولار عوضاً عن الليرة، وبهذا تكون المؤسسة قد استطاعت تأمين العملة الصعبة من جهة، وقامت بسحب الليرة اللبنانية من السّوق للحفاظ على استقرار سعر الصرف من جهة أخرى.

منذ سنوات وقطاع الكهرباء المُتداعي موعود بإصلاحات لم تُبصر النور حتى اليوم، ولا يزال يتّسم بمعامل إنتاج قديمة ومحطات توليد محدودة وغير فاعلة وبنية تحتية مهترئة، ولطالما تميّز بارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء وبانخفاض استرداد التكلفة. كما أنّ عدم قدرة التعرفة المعتمدة على تغطية تكاليف الانتاج واستمرار التعديات على شبكاته وانعدام جباية الفواتير كافة جعلته عاجزاً عن تأمين الحد الأدنى من التغذية الكهربائية. فبحسب الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، سجّل متوسط إنتاج الكهرباء في العام 2019 نحو 1233 مليون كيلوواط ساعة، ثم انخفض إلى 1027 مليون كيلوواط ساعة في العام 2020، و655 مليون كيلوواط ساعة في العام 2021، و235 مليون كيلوواط ساعة في العام 2022. أما في كانون الثاني 2023 فقد سجّل إنتاج 98 مليون كيلوواط ساعة. وبالتالي، تهدف الوزارة من خلال اعتماد هذا الاجراء إلى تحصيل المزيد من الايرادات لتغطية قيمة تفقاتها، ودائماً على حساب جيوب المواطنين الذين يشكون من الارتفاع المُكهرب في قيمة هذه الفواتير على الرغم من ساعات التغذية القليلة، بحيث لجأ الكثير منهم إلى تقديم طلبات تجميد الاشتراكات أو إلغائها بصورة نهائية.

وفق خطة الطوارئ الوطنية لانقاذ قطاع الكهرباء، ارتبط رفع التعرفة بشرط تأمين تغذية كهربائية تصل إلى 24/24 ساعة وحتى اليوم لبنان غارق في شبه عتمة شاملة، ومع ذلك رفعت التعرفة بذريعة تحقيق التوازن المالي لمؤسسة “كهرباء لبنان” التي تقف أمام تحد كبير يتمثّل في مدى قدرتها على زيادة ساعات التغذية وإزالة جميع أنواع التعديات وخفض الهدر وعدم تحميل المشتركين عبء تهرّب المتنصلين من سداد فواتيرهم سواء في القطاع الخاص أو العام، وتأمين جباية الفواتير في مختلف أرجاء الأراضي اللبنانية لا سيما في ظل المحظورات الأمنية لبعض المناطق والواقع الاقتصادي المرير الذي تشهده البلاد.

قد يُساعد التسعير بالدولار في التخفيف من كمية مبالغ الجباية المُستوفاة بالليرة اللبنانية وفي تأمين الاستقلالية عن مصرف لبنان عبر إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان الحق في جباية فواتيرها بالعملة الصعبة. غير أنّ “الدولرة” لن تحلّ أزمة الكهرباء بصورة نهائية بل تبقى جزءاً من الاجراءات الترقيعية المؤقتة التي لا تجدي نفعاً في ظل الفشل في إدارة الأزمة ومعالجتها والحد من الهدر والفساد والمحسوبية. ويبقى الأهم من ذلك، عدم وجود نية سياسية حقيقية قادرة على إيجاد الحلول الجذرية وتنفيذ القوانين الاصلاحية المُلحّة لوقف انهيار قطاع الكهرباء واستنزافه ولضمان إمداد المواطنين بشريان الحياة الأساس.

شارك المقال