الحرب في الشرق الأوسط تهدد إمدادات الغاز الطبيعي

هدى علاء الدين

تلعب إسرائيل دوراً مهماً في استخراج الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط، مع اكتشاف حقول غاز كبيرة مثل حقل ليفياثان وحقل تمار، وهما من أهم مواردها الطبيعية نظراً الى أهميتهما الاستراتيجية الكبيرة. فمن الناحية الاقتصادية، يساهم استخراج الغاز من هذين الحقلين وتصديره في تعزيز التنمية والنمو الاقتصادي. أما بالنسبة الى إنتاج الطاقة، فإن هذين الحقلين يوفران لاسرائيل إمدادات مستدامة من الوقود اللازم لتوليد الكهرباء وتلبية احتياجاتها من الطاقة. كما أنهما يعززان قدرتها على تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على مصدر داخلي من الغاز الطبيعي بدلاً من الاعتماد على واردات الوقود الأخرى، فضلاً عن توطيد العلاقات مع دول الجوار عبر التعاون في قطاع الطاقة من خلال تصديرها.

ويعد حقل تمار في البحر الأبيض المتوسط ​​ثاني أكبر حقل بحري في إسرائيل، حيث قام بتزويد السوق الاسرائيلية بـ 8.7 مليارات متر مكعب من الغاز العام الماضي، مع تصدير 1.57 مليار متر مكعب آخر إلى مصر والأردن، في حين أن أكبر حقل لها، ليفياثان، هو في الغالب مخصص للتصدير. وعلى الرغم من هذه الامكانات الكبيرة لتعزيز الاقتصاد الاسرائيلي والاستقرار الاقليمي، إلا أن أي انقطاع في إمدادات الغاز ستكون له تداعيات سلبية خطيرة على المدى الطويل. فقد تراجعت صادرات إسرائيل من الغاز الطبيعي بنسبة 70 في المئة منذ إغلاق حقل تمار الشهر الماضي، وانخفض إنتاج الغاز الأسبوعي بنسبة 35 في المئة، بحيث تمت إعادة توجيه الامدادات عبر خط أنابيب في الأردن، بدلاً من خط أنابيب مباشر تحت سطح البحر إلى مصر. ولتعويض خسارة الحقل، لجأت إسرائيل إلى مصادر وقود أكثر تكلفة وحولت الغاز الذي يصدر عادة من حقل ليفياثان إلى السوق المحلية. وقدرت شركة BDO Israel للمحاسبة والاستشارات في تقرير نشرته في وقت سابق من الشهر الجاري الخسائر الاقتصادية لإغلاق حقل تمار بنحو 800 مليون شيكل (201 مليون دولار) شهرياً.

وفي هذا الاطار، حذرت وكالة Standard & Poor’s للتصنيفات الائتمانية من أن عمليات إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره في الشرق الأوسط أكثر عرضة للحرب في غزة من النفط. وأشارت الوكالة إلى أن إنتاج إسرائيل من الغاز انخفض بالفعل بنحو 50 في المئة بسبب الحرب، الأمر الذي يعوق أيضاً صادرات الغاز الاسرائيلي إلى كل من الأردن ومصر. وأوضحت أن العمليات في حقل تمار الذي أنتج نحو 10 مليارات قدم مكعب من الغاز، وهو ما يقارب نصف إنتاج إسرائيل عام 2022، توقفت تماماً لمدة شهر بسبب قربه من قطاع غزة.

ولفتت Standard & Poor’s الى أن إسرائيل صدرت نحو 9 مليارات قدم مكعب من الغاز إجمالاً إلى الأردن ومصر عام 2022، وأن الغاز الاسرائيلي يلبي احتياجات الأردن بالكامل بينما يمثل نحو 5 إلى 10 في المئة من احتياجات مصر. وتوقعت الوكالة أن تواجه مصر، التي تعمل بالفعل على تقنين استهلاك الغاز، نقصاً طويل الأمد في الغاز إذا توقفت إسرائيل عن تصدير الغاز تماماً، خصوصاً أنها لا تتوقع أن يتمكن منتجو الغاز في دول مجلس التعاون الخليجي من تعويض ذلك نظراً الى التزامهم بعقود توريد معظم الكميات المنتجة. ولذلك فهم غير قادرين على سد فجوة توقف إمدادات الغاز الاسرائيلي إلى المنطقة. كما سيضر نقص الامدادات بصادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في حال تأثرت قنوات تسليم مهمة للغاز الاسرائيلي بتصاعد الحرب، بحيث تعتمد على تسييل الغاز الاسرائيلي وإعادة تصديره إلى القارة.

ورجحت وكالة التصنيف الائتماني أن يواجه منتجو الغاز في إسرائيل أكبر ضغوط على جودة الائتمان بسبب زيادة المخاطر الأمنية وإغلاق الإنتاج. ومن شأن احتمال فرض عقوبات أميركية متزايدة على صادرات النفط من إيران، رابع أكبر منتج للنفط في المنطقة، أن يزيد من التعقيد. ووفقاً للوكالة، إذا كانت المملكة العربية السعودية مستعدة لتعويض النقص في إمدادات النفط، فإن ذلك من شأنه أن يقلل من التأثير. كما توقعت أن يقتصر الصراع إلى حد كبير على إسرائيل وغزة، وأن يستمر لمدة لا تزيد عن ثلاثة إلى ستة أشهر. ومع ذلك، فإن المزيد من التصعيد خارج حدود إسرائيل قد يؤدي إلى إتلاف خطوط الأنابيب أو عرقلة الشحن في مضيق هرمز. وأشار التقرير إلى اعتقاد الوكالة أنه إذا حدث ذلك، فإن صادرات الغاز الاسرائيلية يمكن أن تتوقف تماماً.

مع تسلل المخاوف الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى أسواق الغاز والنفط، ارتفعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال بأكثر من 40 في المئة لتصل إلى 18.345 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية منذ بداية الحرب، حينها أوقف بعض مشتري الغاز الطبيعي المسال في شمال آسيا مؤقتاً خططهم للحصول على وقود إضافي لفصل الشتاء، ما يعرض الامدادات للخطر ويعزز الأسعار العالمية. وفي ما يتعلق بالنفط، وفي الوقت الذي كانت فيه أسواق الطاقة تتكيف مع تخفيضات الامدادات من أوبك + وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، أبقت هذه المخاوف المتصاعدة في حالة من التوتر منذ 7 تشرين الأول الماضي. وعلى الرغم من أن العواقب المباشرة للحرب الاسرائيلية على إمدادات النفط العالمية لم تتضح بعد، إلا أن العواقب الطويلة الأجل لن تتحدد إلا بمدة استمرارية الحرب، وهو ما حذر منه البنك المركزي البريطاني، مشيراً إلى أن تداعياتها على أسعار الطاقة العالمية سوف تعتمد على مدتها.

وفي نهاية الشهر الماضي، حذر البنك الدولي من أن أسعار النفط قد تصل إلى 150 دولاراً عام 2024 بسبب عواقب الحرب التي أدت إلى مزيد من انقطاع إمدادات النفط. وقال البنك إنه بناءً على خط الأساس للسعر الحالي، من المتوقع أن يبلغ متوسط أسعار النفط 84 دولاراً للبرميل عام 2023، ومن الممكن أن يؤدي تصعيد الصراع الحالي إلى تقويض إمدادات النفط العالمية بنحو ثمانية ملايين برميل يومياً.

تجدر الاشارة إلى أن الصراع الأخير في الشرق الأوسط يأتي في أعقاب أكبر صدمة لأسواق السلع الأساسية منذ السبعينيات وحرب روسيا مع أوكرانيا. وقال المدير التنفيذي للبنك الدولي، إنديرميت جيل: “إذا تصاعدت الحرب، فإن الاقتصاد العالمي سيواجه صدمة طاقة مزدوجة للمرة الأولى منذ عقود، ليس من الحرب في أوكرانيا وحسب، ولكن أيضاً من الشرق الأوسط”.

وبحسب مصدر رفيع المستوى في البنك الدولي، فإن ارتفاع أسعار النفط، إذا استمر، سيعني حتماً ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية. وإذا حدثت صدمة شديدة في أسعار النفط، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في أسعار الغذاء (والذي ارتفع بالفعل في العديد من البلدان النامية)، وإلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، ليس داخل المنطقة وحسب، بل في جميع أنحاء العالم.

شارك المقال