إنتعاش القطاع الخاص يدفع مؤشر PMI إلى أعلى مستوى منذ تموز 2023

سوليكا علاء الدين

إرتفع مؤشر مدراء المشتريات الرئيسي “BLOM Lebanon PMI” الصادر عن مؤسسة “S&P Global” الى أعلى مستوى له منذ تموز 2023. ولفت المؤشر إلى أنّ تباطؤ انكماش النشاط الاقتصادي لشركات القطاع الخاص اللبناني خلال تشرين الثاني 2023، يعود إلى تراجع النشاط التجاري بأبطأ وتيرة في أربعة أشهر، ليسجل وفق البيانات التي تم جمعها خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 24 تشرين الثاني 49.5 نقطة في تشرين الثاني مقارنة بـ 48.9 في شهر تشرين الأول. كما أظهرت طلبيات التصدير الجديدة انتعاشاً ملحوظاً في تشرين الثاني 2023، وتحسّنت توقعات النشاط التجاري بدرجة طفيفة، مرتفعة أيضاً إلى أعلى مستوى في ثلاثة أشهر. في حين استمرَّت الضغوط على الأسعار خلال الشهر عينه، الأمر الذي دفع شركات القطاع الخاص اللبناني إلى إعادة رفع أسعار سلعها وخدماتها من جديد.

ويُعتبر مؤشر مدراء المشتريات الرئيسي من المؤشرات الاقتصادية الرائدة التي تقدم رؤية تفصيلية ودقيقة لظروف العمل والتشغيل في القطاع الخاص غير النفطي. ويتضمن المؤشر المركب خمسة مكونات فرعية فردية هي: الطلبيات الجديدة (30 في المئة)، الانتاج (25 في المئة)، التوظيف (20 في المئة)، توزيع المواد (15 في المئة) ومخزون المشتريات ( 10في المئة). عموماً يشير ارتفاع مؤشر مديري المشتريات (فوق 50) إلى تحسن في ظروف العمل مقارنة بالشهر السابق ونمو قوي في القطاع الخاص غير النفطي، بينما يشير انخفاضه (دون 50) إلى ركود أو تباطؤ في النمو. وعلى الرغم من تحسن القراءة لشهر تشرين الثاني 2023، إلا أنّ المؤشر لا يزال في منطقة الانكماش الاقتصادي دون مستوى الـ 50 نقطة.

وبالعودة إلى تفاصيل أبرز النتائج الرئيسة خلال شهر تشرين الثاني، فقد أبلغت الشركات التي شملها الاستطلاع عن انخفاض حجم النشاط التجاري خلال شهر تشرين الثاني 2023 نتيجة انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يشكّل عائقاً أمام الانتاج. وأظهرت الأدلة المتناقلة أن المخاوف الأمنية وعدم اليقين السياسي الداخلي فرضا قيوداً على الطلبيات الجديدة. ومع ذلك، كان الانخفاض في تدفقات الأعمال الجديدة هو الأبطأ في سلسلة الانخفاض الحالية الممتدة على مدار أربعة أشهر.

يُذكر أنّ الأعمال الجديدة الواردة من العملاء الدوليين أظهرت تعافياً ملحوظاً في منتصف الربع الأخير من العام 2023، مع ارتفاع طلبيات التصدير الجديدة للمرة الأولى منذ حزيران 2023 وبأسرع بوتيرة منذ أيار 2015. وارتفعت توقعات النشاط التجاري خلال تشرين الثاني 2023 في ظل بوادر التحسُّن التي شهدتها بعض قطاعات الاقتصاد، كما يتّضح من خلال ارتفاع مؤشر الانتاج المستقبلي إلى أعلى مستوى له خلال ثلاثة أشهر. وعلى الرغم من ذلك، توّقع أكثر من نصف الشركات المشاركة في الاستطلاع (51 في المئة) انخفاض النشاط التجاري خلال العام المقبل.

ونتيجة لذلك، أظهرت بيانات مسح لشهر تشرين الثاني 2023 تردداً أكبر بين الشركات اللبنانية في تخزين المواد. وتراجعت الأنشطة الشرائية للشهر الثاني على التوالي وارتفع معدَّل انخفاض الأنشطة الشرائية بصورة طفيفة إلى أعلى مستوى له منذ منذ ما يقرب من عام. وحافظ مستوى المخزون على حاله من دون أي تغيير لتنتهي بذلك سلسلة تراكم المخزون التي استمرَّت لثمانية أشهر. وفي الوقت نفسه، أدّى انخفاض الأعمال الجديدة الواردة إلى قيام الشركات اللبنانية بتخفيض الأعمال غير المنجزة خلال شهر تشرين الثاني 2023، ما جعلها تنخفض للشهر الثاني على التوالي ولكن بوتيرة طفيفة. وكثَّفت الشركات اللبنانية أنشطة التوظيف بدرجة طفيفة على الرغم من انخفاض أعباء الأعمال غير المنجزة.

أما بالنسبة الى الأسعار، فقد أشارت بيانات المسح لشهر تشرين الثاني 2023 إلى استمرار الضغوط التضخمية على الأسعار. وارتفعت النفقات التشغيلية نتيجة ارتفاع تكاليف الشراء، وهو ما ربطته الشركات اللبنانية بالظروف التجارية المتقلبة. وبالتالي، رفعت الشركات اللبنانية أسعار سلعها وخدماتها للشهر السادس والعشرين على التوالي كجزء من الجهود الرامية إلى تعويض تآكل الهوامش الربحية.

ومن جهتها، عرضت جمعية حماية المستهلك في بيان صادر عنها نتائج تطور أسعار السلع والمواد الغذائية بحيث وصلت نسبة الارتفاع في الفصل الثالث من العام 2023 إلى 22 في المئة بالنسبة الى الفصل الثاني. كما أشارت إلى ارتفاع أسعار نحو 140 سلعة وخدمة من الأساسيات التي تشكل أساس حياة الاكثرية الساحقة من سكان لبنان، وما زالت ترتفع منذ ستة أشهر على الرغم من استقرار سعر صرف الدولار، وذلك في ظل غياب كامل للسلطة ومؤسساتها.

وتعليقاً على نتائج المؤشر، قال علي بلبل كبير الاقتصاديين مدير الأبحاث الاقتصادية في “BLOM Bank” أنّ ارتفاع قراءة المؤشر يشير إلى التخفيف من حدة المخاوف الأمنية نتيجة تجنّب مشاركة لبنان بصورة مباشرة في الحرب في قطاع غزة. وعلى الرغم من تراجع الطلبيات الجديدة محلياً بدرجة طفيفة، غير أنَّ ارتفاع مؤشر طلبيات التصدير الجديدة إلى 50.8 نقطة كان الأبرز والأعلى في ثماني سنوات، ولعل هذا دليل على أنَّ سعر الصرف المنخفض لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي بدأ بزيادة تنافسية شركات القطاع الخاص اللبناني. وما هو مثير للاهتمام أيضاً هو ارتفاع مؤشري التوظيف وتكاليف الموظفين في إشارة إلى تعافي سوق العمل، وإن بمعدلات منخفضة، لافتاً إلى أن ارتفاع البقية الأخرى بمعدلات مرتفعة يبقى فقط رهن تصميم إصلاحات اقتصادية ومالية حقيقية وتنفيذها.

لطالما شكّل القطاع الخاص دعامة الاقتصاد اللبناني نظراً إلى دوره الأساس ومساهمته الحيوية في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتوفير السلع والخدمات كافة. واليوم، يواجه هذا القطاع سلسلة من التحديات المعرقلة لأدائه ونموه أبرزها الوضع السياسي والأمني المترنح، إنهيار العملة الوطنية والتقلبات الحادة في سعر الصرف، بالاضافة إلى ارتفاع التضخم وتكاليف الانتاج وغيرها الكثير. وهذه التحديات تجعل من دعم القطاع الخاص ومساندته استراتيجية ضرورية، وتشكل فرصة حقيقية من أجل النهوض والتعافي الاقتصادي.

شارك المقال