موازنة 2024: خطوة تراجعية تعكس فشل الدولة

هدى علاء الدين

لا تُشكل الموازنة التي قدمتها الحكومة للعام 2024 خطوة إيجابية في معالجة الأزمة الاقتصادية اللبنانية، بل خطوة تراجعية ستؤدي إلى تفاقم الأزمة في المستقبل القريب، بعدما غابت عنها بالدرجة الأولى الاصلاحات الضرورية وحضرت الضرائب بمختلف أنواعها لتزيد الأعباء المالية على المواطنين، ما قد يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك وانكماش الاقتصاد الوطني.

لجنة المال و​الموازنة​ أنهت الاثنين، درس مواد مشروع قانون الموازنة، ويوم أمس الأربعاء درست الاعتمادات الخاصة برئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء، وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، المجلس الدستوري، ديوان المحاسبة، التفتيش المركزي، مجلس الخدمة المدنية، والهيئة العليا للتأديب وهيئة الشراء العام.

وبعد الجلسة، أشار النائب ابراهيم كنعان، إلى أن رواتب القطاع العام صفر ولا تزال بسعر 1500، وهو أمر غير مقبول، إذ لا يمكن مطالبة الادارة بالقيام بواجبها والموظف ليست له حقوق. واعتبر أن وجود ٣٨ ألف مليار في احتياطي الموازنة أمر غير جائز، طالباً من وزارة المال توضيح الأسباب. وتساءل: “لماذا الحكومات التي تنفق المليارات لا تهتم بالأجهزة الرقابية وتنشط القطاع العام؟ هل لأنهم يريدون العمل والانفاق من دون رقابة؟”. كما كشف عن اتخاذ اللجنة قراراً بمعالجة مسألة كلفة الكهرباء في إدارات الدولة بما يتناسب مع حاجاتها، ومن خلال العمل على الطاقة البديلة.

جلسات هذا الأسبوع لمناقشة الموازنة لم تختلف عن الجلسات السابقة، فأي جديد ستحمله هذه المناقشات ما دام أساس الموازنة مبنياً على الباطل؟ اذ ان موازنة العام 2024 التي قُدرت إيراداتها بـ 3.3 مليارات دولار على سعر صرف 89000 ليرة لبنانية، لم تتضمن قطع حساب العام 2022 الذي يوفر معلومات حول الايرادات والنفقات الفعلية للحكومة اللبنانية خلال العام الماضي، وهي معلومات ضرورية يمكن استخدامها لتقويم دقة التوقعات السابقة، فإذا كانت توقعات الايرادات والنفقات الفعلية للعام 2022 مختلفة بصورة كبيرة عن التوقعات الواردة في موازنة 2022، فهذا يعني أن التوقعات الواردة في موازنة 2024 قد تكون غير دقيقة أيضاً. كما يمكن استخدامها لتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين في إدارة المالية العامة وتقويم أداء الحكومة في تحقيق أهدافها المالية، مثل خفض العجز أو تحقيق نمو اقتصادي. لذلك، فإن تجاهل قطع حساب العام 2022 في قانون موازنة 2024 يقلل من مصداقية هذه الموازنة، ويفتح الباب أمام التلاعب في الأرقام المالية وتقديم توقعات غير واقعية.

كما جاءت الموازنة من دون أي توقعات في ما يتعلق بالدين العام الذي يعد من أهم المؤشرات الاقتصادية التي تعكس الوضع المالي، ما يلقي بظلال من الشك على قدرة الحكومة على إدارة شؤونها المالية بصورة سليمة. ولذلك، فإن غياب التوقعات بشأنه يعني أن الحكومة ليست لديها خطة واضحة لكيفية إدارته وإعادة هيكلته، الذي يمثل الآن 282 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2022.

في المقابل، تضمنت مواد الموازنة مادة لافتة بعنوان “الخدمات العاجلة مدفوعة الأجر”، ما يفتح الباب أمام الفساد والمحسوبية، إذ قد يستغل بعض الموظفين مناصبهم للحصول على مبالغ إضافية من المواطنين مقابل تسريع معاملاتهم، أو إنهاء قضاياهم العاجلة. وهذا يشكل خطراً كبيراً على العدالة والمساواة، بحيث يعطي الأفضلية للمواطنين الأثرياء أو ذوي النفوذ، على حساب المواطنين العاديين. إلا أن الاعتراضات التي طالتها بسبب عيوبها وتشريع الرشوة بصورة علنية دفع لجنة المال والموازنة النيابية إلى إلغائها، لتكون هذه المادة مثالاً لعدة مواد تعكس عشوائية هذه الموازنة.

لم تقترح موازنة العام 2024 أي إصلاحات لمعالجة القضايا الرئيسة التي يعاني منها لبنان منذ العام 2019، أبرزها إعادة هيكلة المصارف والديون، وإعادة هيكلة القطاع العام، وإصلاح القطاع العام، بل لجات في المقابل إلى حلول مؤقتة لن تكون مجدية على المدى الطويل من خلال فرض ضرائب موسعة على المواطن والقطاع الخاص ستساهم بنحو نصف إيرادات الموازنة، لكنها ستعمل على زيادة الأعباء على هذه الفئات. وتشمل الضرائب على الدخل والأرباح بنسبة 12 في المئة، الضرائب على الملكية بنسبة 13 في المئة، الضرائب على السلع والخدمات المحلية بنسبة 43 في المئة، الضرائب على التجارة الخارجية 5 في المئة، ضرائب أخرى بنسبة 4 في المئة والايرادات غير الضريبية بنسبة 23 في المئة.

يفتقر مشروع قانون موازنة 2024 إلى الشفافية، بحيث لم يتضمن مشروع القانون معلومات كافية حول الايرادات والنفقات المتوقعة، ما يثير الشكوك حول مصداقيته. ومن المرجح أن تؤدي الانتقادات الموجهة ضدها إلى تأخير إقرارها، أو إلى تعديلها بصورة كبيرة تحت وطأة الضغط الشعبي والهيئات الاقتصادية التي تعتبرها رصاصة الرحمة على مستقبلها.

وفي ظل الانقسامات الحادة، تسعى كل من القوى السياسية إلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب القوى الأخرى. وهذا الأمر يجعل من الصعب على الحكومة التوصل إلى توافق حول الموازنة. كما أن استمرار الفساد والبيروقراطية في كيان الدولة، يُصعب من مهمة إدارة الايرادات والنفقات الحكومية بصورة عادلة، فضلاً عن غياب التوافق بين هذه القوى على الاصلاحات الهيكلية لمعالجة الأزمة الاقتصادية الذي جعلها خارج بنود الموازنة، ليعكس عدم إقرارها حتى اليوم فشل لبنان رسمياً في إدارة أزمته.

شارك المقال