الاقتصاد الاماراتي… نمو يفوق التحديات العالمية

سوليكا علاء الدين

منذ مطلع عام 2024، تَتوالى التوقعات الايجابية من كل حدب وصوب مُبشّرة بنمو وازدهار مستدامين للاقتصاد الاماراتي في مختلف قطاعاته ومؤسساته. إذ تُؤكد هذه التوقعات مكانة دولة الامارات العربية المتحدة كمركز اقتصادي رائد، وتُسلّط الضوء على دورها المحوري في الاقتصاد العالمي، لا سيما في ظل سياستها الاقتصادية الحكيمة ورؤيتها المستقبلية الثاقبة. وبالتزامن مع مختلف التقارير والبيانات الصادرة، توقعت وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” أن يشهد اقتصاد الامارات نمواً ملحوظاً بنسبة 5.3 في المئة في العام 2024، مقارنةً بتقديرات سابقة بلغت 3.4 في المئة في العام 2023. ويرتكز هذا التوقع على افتراض انتهاء تخفيضات إنتاج النفط التي يقوم بها تحالف “أوبك+” في شهر آذار المقبل.

الوكالة أشارت إلى أن الاقتصاد الاماراتي سيحظى بدعمٍ قويٍ في العام القادم من خلال زيادة إنتاج النفط وتحسن أداء القطاعات غير النفطية. وتوقعت أن يستمر نمو الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي في الامارات خلال العام 2024، ولكن بوتيرةٍ أبطأ من العام السابق عليه.

مستقبل مصرفي مشرق

أكدت وكالة “ستاندرد آند بورز” استقرار نظرتها المستقبلية للبنوك الاماراتية المُصنفة لديها، مُشيرةً إلى تحقيق القطاع لأرباحٍ سنويةٍ استثنائيةٍ في العام 2023. وعزت الوكالة هذا الأداء المميز إلى تراجع متطلبات مخصصات انخفاض القيمة، وارتفاع هوامش الفائدة، وتحسن السيولة، بحيث تجاوز نمو الودائع عمليات الإقراض الجديد.

وتوقع التقرير أن تُحافظ ربحية البنوك على قوتها خلال العام 2024، مع توقع انخفاض طفيف مقارنةً بالعام الماضي مع بدء هوامش الفائدة في التراجع قرب نهاية العام، بحيث تفترض الوكالة خفض الفائدة في الولايات المتحدة بواقع 100 نقطة أساس خلال النصف الثاني من العام، مع توقعات باتخاذ المصرف المركزي الاماراتي إجراءً مماثلًا نتيجة لربط الدرهم الاماراتي بالدولار الأميركي.

غير أنّ “ستاندرد آند بورز”، حذّرت من أن استمرار الفائدة المرتفعة لفترة ممتدة، وضغوط التدفقات النقدية، قد يؤثران سلباً في نهاية المطاف على الجودة الائتمانية للشركات، ويتسببان في مزيد من ضعف الطلب على الاقتراض. وتوقعت الوكالة أن يستمر نمو الائتمان لدى بنوك الدول الخليجية لكن مع تراجع طفيف عن 7 في المئة المسجلة في العام 2023، وأن يستمر اتجاه التباطؤ الذي شهده نمو الربع الأخير من 2023 خلال النصف الأول من العام 2024، وذلك بفعل ارتفاع تكلفة الاقتراض وتباطؤ نمو الاقتصاد غير النفطي. ومع ذلك شددت على أن بنوك الخليج ستواصل التمتع بجودة عالية في رأس المال والربحية والمخصصات، مع التأكيد على أهمية السيولة في العام 2024.

كما رجّحت استمرار الاقتراض القوي على مستوى الأفراد، مع استمرار توسع البنوك في هذه الشريحة المربحة، لافتة إلى أن حكومة دبي بدأت في تقليص ديونها خلال السنوات الماضية، مدعومةً بارتفاع الايرادات وتراجع احتياجاتها التمويلية.

تحديات وصمود

حددت الوكالة في تقريرها المخاطر الرئيسة التي تواجه القطاع المصرفي في الامارات، أبرزها تأخر المركزي الأميركي في خفض أسعار الفائدة، إذ من شأن ذلك أن يُؤدي إلى نمو أقل من المتوقع للقروض وإلى تراجع جودة الأصول المصرفية، بالاضافة إلى التوترات الجيوسياسية كعامل خطر آخر؛ فعلى الرغم من عدم تأثيرها بصورة كبيرة على القطاع المصرفي، إلا أن تطورها إلى صراع مباشر بين قوى رئيسة في المنطقة قد يُغيّر الوضع بشكلٍ كبير.

وأوضحت أن الانكشاف على مصر قد يُشكل مخاطر محتملة على البنوك الاماراتية، مع تأكيدها أن توقعاتها لا تشير إلى حدوث صدمات تفوق قدرة البنوك على تحملها. وأضافت أن المخاطر المرتفعة في تركيا لا تزال قائمة، لكنها آخذة في الانحسار.

كما أشارت إلى أنّ عدم اليقين حيال الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة قد يُؤثّر بصورة غير مباشرة على القطاع المصرفي من خلال عزوف المستثمرين عن المنطقة. ومع ذلك، أكّد التقرير الصادر عنها أن صافي مركز الأصول للبنوك الاماراتية قوي، ما يُشير إلى قدرتها على تحمل سيناريو يفترض نزوح رؤوس الأموال.

وعلى صعيد الأصول، توقعت “ستاندرد آند بورز” أن تظل جودة الأصول المصرفية في الامارات مستقرة عموماً، مع توقع ارتفاع طفيف في القروض غير العاملة (المتعثرة) وخسائر الائتمان. وقال التقرير إن نسبة القروض المتعثرة من المستوى الأعلى لدى أكبر عشرة بنوك في الامارات قد تحسنت لتصل إلى 4.5 في المئة من إجمالي محفظة القروض في نهاية العام 2023، مقارنة بـ 5.5 في المئة في نهاية العام 2022.

العقارات بين الانتعاش والتصحيح

من جهة ثانية، أكدت الوكالة انتعاش الطلب على العقارات السكنية في الامارات بصورة قوية منذ نهاية العام 2020، مدعوماً بعوامل متعددة، أبرزها: النظام الجديد لتأشيرات الدخول، تعديلات القوانين الاجتماعية ووضع قواعد جديدة لملكية الشركات والتي ساهمت جميعها في خلق اتجاهات ديموغرافية إيجابية. وقد لعبت أسعار النفط المواتية والانتعاش القوي في السياحة الدولية دوراً مهماً في تعزيز النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات، ما انعكس إيجاباً على معنويات المستهلكين، بحسب الوكالة.

ولكنها حذرت في المقابل من أن اقتراب أسعار العقارات في دبي من مستويات الذروة السابقة يُنذر بزيادة خطر حدوث انعكاس الدورة الاقتصادية للقطاع، مُتوقعة تباطؤاً تدريجياً للسوق العقارية في دبي خلال 12 إلى 18 شهراً. وتوقعت الوكالة أن تشهد هذه الفترة انحسار زيادات الأسعار، بل واحتمال تغير مسارها بنسبة طفيفة. وأوضحت أن المخاطر التي يشكلها القطاع العقاري على البنوك قد تم احتواؤها، إذ إنّ معظم المعاملات في القطاع تتم نقداً بنسبة تجاوزت 80 في المئة في العام 2023.

كما شدّدت على سعي شركات التطوير العقاري الى تعزيز هوامش الأمان المتعلقة بالسيولة لديها، استعداداً لتغيير اتجاه السوق في المستقبل، مع تسجيلها لمستوى جيد من الحجوزات، وهو ما يُقلل من المخاطر على البنوك. ومع ذلك، أشار تقرير الوكالة إلى أن حدوث حركة تصحيح مطولة وبنسب أكبر قد يُشكل ضغطاً على السوق العقارية والقطاع المصرفي، على الرغم من أنها لا تتوقع حدوث ذلك.

شارك المقال