لبنان: عامان من التلكؤ في الاصلاحات… ونداء أوروبي حازم

هدى علاء الدين

يُحذر الاتحاد الأوروبي من مغبة استمرار لبنان في التلكؤ في تنفيذ الاصلاحات المالية والاقتصادية الملحة، مشدداً على أنّ ذلك يُهدد بدفع البلاد نحو المزيد من الانهيار والتدهور. وعلى الرغم من تأكيد الاتحاد استعداده لدعم لبنان، لكنّه يُشدّد على أن ذلك رهن بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، معتبراً أن التأخير في ذلك قد يفقد البلاد فرصة الخروج من أزمته ويعوق حصوله على المساعدة المالية اللازمة التي يحتاج إليها.

ويأتي موقف الاتحاد الأوروبي مع مرور عامين على توصل لبنان إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، لكن من دون التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن. ويعود ذلك جزئياً إلى الوضع السياسي المضطرب الذي يعوق تنفيذ الاصلاحات الهيكلية المطلوبة.

من جانبه، أكّد صندوق النقد الدولي أن على لبنان تنفيذ إصلاحات إضافية للحصول على أمواله المقدرة بـ 3 مليارات دولار. وتشمل هذه الاصلاحات ضوابط رأس المال (ضوابط على حركة الأموال الداخلة والخارجة من لبنان بهدف الحد من تدفقات العملات الأجنبية غير المستقرة، ودعم استقرار سعر الصرف، والحفاظ على احتياطيات العملات الأجنبية)، وإصلاح شامل للنظام المصرفي (معالجة الاختلالات المالية في القطاع المصرفي اللبناني، بما في ذلك إعادة هيكلة الديون وتعزيز الشفافية والمساءلة) – وهي مجالات شهدت تقدماً بطيئاً للغاية.

رسالة حازمة تدعو إلى الإصلاح

حذرت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان من أن البلاد لم تُحرز سوى “تقدم محدود” في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة بموجب اتفاقها مع صندوق النقد الدولي المبرم في العام 2022. وأشارت في بيان مشترك مع سفارات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى أن الاتفاق كان من شأنه “توفير مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار، ودعم إضافي من الدول المانحة، وإعادة لبنان إلى مسار التعافي، واستعادة مصداقيته الدولية.”

وأعربت عن تفهمها “للظروف الصعبة للغاية التي يمر بها لبنان حالياً”، لكنها شددت على أن “هذا الوضع يجب أن يكون حافزاً للتغيير، ويجب أن يُنظر إليه على هذا النحو.”

وحددت البعثة الأوروبية انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة كخطوتين أساسيتين، مع التأكيد أن “التأخير لا ينبغي أن يعوق تنفيذ الاصلاحات الرئيسية المتفق عليها لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والمواطنين اللبنانيين بالنظام المالي.”

كما أشارت إلى أن الاصلاحات الهيكلية ضرورية لكسر حلقة الأزمات المتكررة التي يعاني منها لبنان، وهناك حاجة إلى قيادة حاسمة لتنفيذها. وختمت البعثة بيانها بالتأكيد أن “الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب لبنان وشعبه بحزم في سعيهما الى مستقبل أكثر إشراقا”.

وعليه، يُرسل الموقف الأوروبي رسالة قوية وواضحة إلى لبنان مفادها أنّ لا مفر من اتخاذ خطوات حاسمة نحو الاصلاح الجديّ. فلبنان لن يستطيع الخروج من أزمته الراهنة من دون معالجة شاملة تشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإيجاد حلول عادلة لقضية الودائع وحقوق المودعين، مع التشديد على ضرورة الاسراع في الاعتراف بالخسائر وتوزيعها بصورة عادلة، إلى جانب الحاجة الملحة الى إعادة رسملة الجهاز المصرفي، وإقرار تشريع طارئ يُسوي الأوضاع المصرفية المتردية، وإصلاح القطاع العام.

تأخر الاصلاحات يهدد مسار الإنقاذ

يُواجه لبنان أزمة متراكمة ومتشابكة تلقي بظلالها على مختلف القطاعات، ومع استمرار التعاطي الرسمي بالنهج والعقلية نفسهما، كما يُشير الخبراء والمعنيون، تظل قضية إنقاذ البلاد محاطة بالضبابية.

ففي حين تواصل الحكومة محادثاتها مع صندوق النقد الدولي بصورة مستمرة، يبرز غياب خطة إصلاحية شاملة كعقبة أساسية أمام بدء مسار الإنقاذ الفعلي. ويعزز هذا الجمود قلق البعض من احتمال انسحاب صندوق النقد الدولي من الاتفاق مع لبنان، بينما يحذر آخرون من مخاطر التأخير في تنفيذ الاصلاحات على استمرار التعاون الدولي.

وعلى الرغم من أن بعض القرارات حكومية، مثل زيادة رواتب موظفي القطاع العام وإقرار الموازنة العامة، نوقش بشكل غير مباشر مع صندوق النقد الدولي، إلا أن خريطة الطريق السليمة التي تتجلى في وضع خطة إنقاذية شاملة والبدء بتنفيذها لا تزال غائبة. وهنا، يطرح السؤال الجوهري: هل سيتمكن لبنان الرسمي من كسر حلقة الجمود واتخاذ الخطوات اللازمة لإنقاذ البلاد من أزمتها؟

يبقى الجواب معلقاً حتى الآن، ومصير لبنان رهن بقدرة حكومته على اتخاذ قرارات جريئة والانخراط بجدية في مسار الاصلاحات، وبانتظار ما إذا كانت اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في منتصف شهر نيسان الجاري ستحمل أي فرصة جدية لإعادة إحياء الجهود الرامية إلى إخراج لبنان من أزماته.

شارك المقال