شبح الموت يتربص بأطفال غزة… ولا انفراجة في محادثات الهدنة

لبنان الكبير

مع مرور نحو خمسة أشهر على بدء الحرب في قطاع غزة، بات شبح الموت يطارد أطفاله الصغار الذين يعانون سوء تغذية حاداً إثر تفاقم أزمة الجوع ومنع إسرائيل دخول المساعدات إلى القطاع. العاملون في المجال الطبي يروون الكثير من القصص المروعة عن وفيات الأطفال الذين “يتوافدون بأعداد لم يسبق لها مثيل” على المستشفيات.

وذكرت وزارة الصحة في غزة أن 15 طفلاً لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية أو الجفاف في بيت لاهيا، بينما توقع المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير “أن تكون الأرقام غير الرسمية أعلى”.

وأشارت الممرضة ضيا الشاعر في مركز العودة الصحي في رفح، بجنوب غزة، صباح اليوم الاثنين، الى أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ومجموعة أخرى من الأمراض يتوافدون بأعداد لم يسبق لها مثيل.

وقالت أنوار عبد النبي وهي تنتحب بجانب جثة ابنتها ميلا الطفلة الصغيرة التي كانت قد ماتت في سريرها: “الحمد لله رب العالمين. انتقلت ابنتي جميلتي، ابنتي الناعمة، إلى رحمة الله. نقص كالسيوم وبوتاسيوم.. نقص الأوكسجين كذا مرة”.

وأوضح الممرض أحمد سالم الذي يعمل في وحدة العناية المركزة بالمستشفى أن أحد عوامل ارتفاع عدد وفيات الأطفال هناك هو أن الأمهات الجدد يعانين من سوء التغذية، ولا يستطعن إرضاع أطفالهن بينما ليس في المستشفى حليب صناعي، ما أدى إلى وفاة أطفال في وحدة العناية المركزة وآخرين في الحضانات أيضاً.

بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على شن إسرائيل هجومها الجوي والبري على قطاع غزة وما نتج عنه من نزوح جماعي، أدى النقص الحاد في الغذاء إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأزمة تغذية، وهي جزء من كارثة إنسانية أوسع نطاقاً.

معدلات سوء التغذية “متفاقمة”

وذكرت منظمات تابعة للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال في شمال قطاع غزة “متفاقمة للغاية” وهي أعلى بنحو ثلاثة أمثال منها في جنوب القطاع الفلسطيني حيث تتوافر المزيد من المساعدات.

وأعلن ريتشارد بيبركورن ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية أن طفلاً واحداً من بين كل ستة أطفال دون الثانية في شمال القطاع يعاني من سوء تغذية حاد، قائلاً: “كان هذا في يناير (كانون الثاني). لذا من المرجح أن يكون الوضع أسوأ اليوم”.

وأوضح جيمس إلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال دون الخامسة في شمال غزة أعلى بثلاثة أمثال من تلك الموجودة في رفح في الجنوب، معتبراً أن هذا الوضع يكشف أن “وصول حتى القدر اليسير من المساعدات يحدث فرقاً في إنقاذ الأرواح”.

وبالاضافة إلى الجوع، أشار إلدر الى أن هناك خطراً متزايداً من الأمراض المعدية إذ أصيب تسعة من كل عشرة أطفال دون سن الخامسة، أو حوالي 220 ألفاً، بالمرض خلال الأسابيع الماضية.

أضاف للصحافيين في جنيف: “هذه هي الدوامة التي نخشى منها بشدة: الأمراض المعدية، ونقص الغذاء، والنقص الشديد في المياه النظيفة، والقصف المتواصل، والقلق المستمر من شن هجوم على رفح وهي مدينة يحتمي بها الأطفال”. ولفت الى أن حوالي ثلاثة أرباع مليون طفل يعيشون في رفح.

وكثفت إسرائيل الشهر الماضي قصفها لمدينة رفح حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 1.5 مليون شخص مكدسون هناك، بعد فرار معظمهم من منازلهم في الشمال هرباً من الهجوم العسكري الاسرائيلي.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية أن ربع عدد سكان القطاع، أي 576 ألف شخص، على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وذلك بعد حوالي خمسة أشهر من بدء الهجوم الإسرائيلي.

وأدت أزمة الجوع المتفاقمة إلى تصاعد الانتقادات من دول العالم لاسرائيل، بما في ذلك من نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس التي قالت الاثنين إن الناس في غزة يتضورون جوعاً، ودعت إسرائيل إلى بذل المزيد من الجهود لزيادة تدفق المساعدات بصورة كبيرة.

“العجز واليأس”
ويصل إلى قطاع غزة مساعدات غذائية أقل كثيراً من الاحتياجات. وتزداد المشكلة سوءاً في شمال القطاع لأن المعابر الوحيدة التي تسمح إسرائيل للشاحنات بالمرور منها تقع في الجنوب. وسبق أن استولت حشود يائسة على بعض شاحنات المساعدات قبل وصولها إلى الشمال.

وقالت أديل خضر المديرة الاقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف): “قطعاً هو شعور لا يطاق. الشعور بالعجز واليأس بين الآباء والأطباء الذين يدركون أن المساعدات المنقذة للحياة، والموجودة على بعد بضعة كيلومترات فقط منهم، بعيدة المنال”.

وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في أحدث تقاريرها عن الوضع بتاريخ الأول من آذار أن نحو 97 شاحنة يومياً دخلت غزة في شباط، بانخفاض عن نحو 150 في كانون الثاني، وأقل كثيراً من الهدف البالغ 500 يوميا.ً

وتحمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الاغاثية الاجراءات التي اتخذتها إسرائيل مسؤولية هذا النقص لأسباب منها إغلاق المعابر البرية إلى شمال غزة والعمليات العسكرية المستمرة والنظام المعقد لتفتيش المواد المتجهة إلى غزة. وتقول إسرائيل إنها لا تقيد وصول المساعدات الانسانية أو الطبية لكن ضعف القدرات التشغيلية لمنظمات الاغاثة هو السبب في نقص المساعدات.

محادثات القاهرة

وانهارت اليوم الثلاثاء المحادثات التي استضافتها القاهرة بين حركة “حماس” ووسطاء بهدف التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، بينما تبقت أيام فقط لوقف القتال قبل أن يحل شهر رمضان.

وقال باسم نعيم القيادي الكبير في “حماس”: “إن الحركة قدمت مقترحها بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار إلى الوسطاء خلال يومين من المحادثات وتنتظر الآن رداً من الاسرائيليين الذين غابوا عن هذه الجولة”.

وأشار نعيم الى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين “نتنياهو لا يريد اتفاقاً، والكرة في ملعب الأميركان”. للضغط عليه من أجل التوصل إلى اتفاق.

وتمتنع إسرائيل عن التعليق علناً على محادثات القاهرة. وقال مصدر في وقت سابق إن إسرائيل قاطعت المحادثات لأن “حماس” رفضت طلبها بتقديم قائمة بأسماء جميع الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة. وأوضح نعيم أن هذا يستحيل بدون وقف إطلاق النار أولاً بالنظر إلى أن الرهائن موزعون في أنحاء منطقة الحرب ومحتجزون لدى فصائل مختلفة.

وعُلقت آمال على أن تكون محادثات القاهرة المحطة الأخيرة قبل التوصل إلى أول وقف طويل الأجل لإطلاق النار في الحرب، وهو هدنة مدتها 40 يوماً يتم خلالها إطلاق سراح عشرات الرهائن وضخ المساعدات إلى غزة للحيلولة دون وقوع مجاعة، وذلك قبل شهر رمضان.

وقالت مصادر أمنية مصرية يوم الاثنين إنها كانت لا تزال على اتصال مع الاسرائيليين بما يسمح بمضي المفاوضات من دون مشاركة وفد إسرائيلي.

وتقول واشنطن، الحليف الأقرب لإسرائيل وأحد رعاة محادثات وقف إطلاق النار، إن اتفاقاً قبلت به إسرائيل مطروح بالفعل على الطاولة وإن الأمر متروك لـ “حماس” لقبوله، لكن الأخيرة ترفض هذه التصريحات وتراها محاولة لإبعاد اللائمة عن إسرائيل إذا انهارت المحادثات من دون التوصل الى اتفاق.

كما تطالب الولايات المتحدة إسرائيل ببذل المزيد من الجهود للتخفيف من حدة الكارثة الانسانية في غزة، حيث قتل أكثر من 30 ألف شخص.

شارك المقال