هل نعود الى “حكي السرايا” في الاستحقاق الحكومي؟

لبنان الكبير

عندما حقق التغييريون خرقاً في المشهد السياسي بفوزهم بمقاعد نيابية في سابقة في تاريخ المجالس النيابية، استبشر اللبنانيون خيراً بالانطلاق في قطار التغيير. لكن عند المحطة الأولى صُدمت الأحلام بمداميك السلطة المحصّنة بكل أنواع الفذلكات والخزعبلات، التي تخضع لحسابات دقيقة لا يمكن أن يدوزنها الا مايسترو متمرس في اللعبة السياسية والدستورية. وبدا التغييريون تلاميذ لا يزالون يتعرفون على القواعد العامة وعلى جداول ضرب الصفقات وطرحها وجمعها من تحت الطاولة وفوقها.

وإذ طُويت صفحة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتبه على كثير من التحليلات والتفسيرات، مع تأكيد الجميع أن قوى 8 آذار “أكلت البيضة والتقشيرة”، فإن صفحة تشكيل الحكومة فتحت أمام كل اللاعبين السياسيين، وكل السيناريوهات واردة وفق أكثر من تحليل وجهة على الشكل التالي: لا إمكان لتشكيل حكومة في ظل هذا الخلاف بين التكتلات النيابية، وفي حال تم تكليف شخصية سنية فإن التأليف سيكون من سابع المستحيلات، لأن “التيار الوطني الحر” سيحاول فرض شروطه وحصته في الحكومة، وهذا ما لن تقبل به قوى المعارضة والنواب التغييريون. أما السيناريو الآخر الذي يعتبره المحللون الأقرب الى الواقع، فيقضي بأن يعاد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي مع بعض التغيير في الوزارات. وهذا الطرح لن يعارضه فريق 8 آذار باعتبار أن التشكيل حاجة وأن الحكومة الجديدة لن يتعدى عمرها الأشهر القليلة، ويقتصر دورها على بعض الاجراءات الملحة.

وفي هذا الاطار، أكد مصدر مقرب من الرئيس ميقاتي لموقع “لبنان الكبير” أنه “في حال تم تكليفه سيشكل حكومة كما يراها هو مناسبة وليس كما يريدها الآخرون، وسيأخذ في الاعتبار كل التغييرات، وعلى أساسها يكوّن رؤية واضحة لتشكيل حكومة. وبالتالي، سنشهد على تطور واضح في الواقع الحكومي. كما أنه لن يرضى بشروط لتكليفه اذ أنه في حال رأى أن الظروف مؤاتية للانجاز سيكون موجوداً، واذا وجد أن الظروف لا تساعد في عملية الانجاز، يتمنى الخير للجميع”.

وفي المقابل، هناك قراءة أخرى لمراقبين محايدين يشددون على ضرورة تشكيل حكومة جديدة وفق الدستور على أن تكون حكومة “قدها وقدود”، ويتسلم حقائبها وزراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والشفافية بعيداً من المحاصصات التي ترافق تشكيل الحكومات، لأن المسؤولية التي ستلقى على عاتقها ستكون كبيرة وربما تتسلم ادارة الحكم في المرحلة المقبلة المتوقع أن تشهد فراغاً على صعيد رئاسة الجمهورية.

وفيما يعمل رئيس المجلس النيابي نبيه بري على إتمام جلسة الثلاثاء المقبل للانتهاء من تشكيل اللجان النّيابية، يتم تسريب معلومات عن أنه يسعى الى التوافق مع الأطراف على سلة واحدة لأكثر من استحقاق منتظر، أي الحكومة ورئيسها وشكلها ومواصفاتها وتعيين قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان وغيرها من التعيينات الأساسية، إلا أن مصدراً مقرباً من “الثنائي الشيعي” نفى ما يتم تداوله باعتباره فرضيات من نسج خيال مطلقيها ولا أساس لها من الصّحّة، كما أنه من المبكر الخوض في تفاصيل الحكومة وشكلها ومضمونها والتّعيينات وغيرها من الملفّات.

وفي انتظار دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الى الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة، كل الأنظار متجهة نحو النواب التغييريين والقوى المعارضة وما اذا سيكون أداؤهم أفضل في الاستحقاق الحكومي لأنه على رأي المثل القائل: “حكي القرايا غير حكي السرايا”.

وقال أحد النواب التغييريين لـ”لبنان الكبير”: “اننا واضحون في خياراتنا، ونعتبر أنه لا يمكن إنقاذ البلد الا بحكومة تتمتع بكامل الاستقلالية بمعنى ليس مستقلين تختارهم الأحزاب. حكومة طوارئ لا يمكن أن تعطلها أي جهة ويكون مشروعها اقتصادياً وقضائياً، ولن نوافق الا على هكذا حكومة. وأي كتلة نيابية تلتقي معنا في هذا الطرح ليس لدينا اشكال في التحالف معها لا بل سنضع يدنا بيدها لخوض المسار سوياً”.

وفي الوقت الضائع والصعب، فإن اللبنانيين سيدفعون الفاتورة الباهظة من جيوبهم وصحتهم وأعصابهم وإحباطهم، طالما أن هناك طبقة سياسية لا تبالي إلا بتقاسم الحصص، وتعمل على قاعدة “من بعد حماري ما ينبت حشيش” بحيث أن الأزمات لا تزال مستفحلة وتطال كل القطاعات، والاضرابات والاعتصامات التي لا تلقى آذاناً صاغية تتواصل، اذ دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال للنزول الى الشارع واستنهاض انتفاضة 17 تشرين، في حين أعلن قطاع النقل البري عن إضراب في 23 الجاري.

وفي هذه الأثناء، يتوقع الخبراء أن تشهد البلاد المزيد من الاشكالات والفوضى الأمنية كما حصل أمس في الاشكال الذي وقع في محيط الجامعة اللبنانية كلية الحقوق والعلوم السياسية – الفرع الثاني في جل الديب بين الجيش وبعض طلاب “القوات اللبنانية”.

وفي السياق، أعلنت قيادة الجيش عبر حسابها على “تويتر” أنه اثناء قيام دورية من مديرية المخابرات بملاحقة سيارة يستقلها 3 أشخاص بينهم المطلوب الذي أقدم قبل أيام على قتل الرقيب علي قيس، ولدى وصول السيارة الى حاجز حربتا بادر من فيها الى اطلاق النار باتجاه العسكريين الذين اضطروا الى الرد بالمثل ما أدى الى اصابة مطلقي النار بجروح مختلفة.

وما يزيد في الضبابية ضبابية، تقرير مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي في شأن مراجعة الأداء والدروس المستفادة لإطار الشراكة الاستراتيجية للبنان، الذي أعلن أنه على الرغم من التحذيرات المبكرة، أضاع لبنان وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنِّي مسار لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي، معتبراً أن تكاليف التقاعس والتلكؤ هائلة، ليس على الحياة اليومية للمواطنين وحسب، وإنما أيضاً على مستقبل الشعب اللبناني. وأشار الى أنه بعد مرور عامين ونصف العام على الأزمة، لم يشرع لبنان حتى هذا التاريخ في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي، يحول دون انزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق.

شارك المقال