رتابة لبنانية وتمنيات فرنسية برئيس وإصلاحات

لبنان الكبير

خلت الساحة السياسية أمس من تحركات أو خطوات مهمة على صعيد الاستحقاقات الدستورية، بحيث أن فرص تشكيل الحكومة تضيق أكثر وأكثر، وباتت ولادتها بحاجة الى معجزة، وانتخاب رئيس الجمهورية في مهب التعطيل الداخلي والتدخل الخارجي على قاعدة أنه كلما اقتربنا من انتهاء المهل الدستورية أو تخطيناها كلما ازدادت مخاطر التسويات الدولية.

وفي هذا السياق، أتت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى بيروت أمس لساعات محدودة، ولكن برسائل مدججة بالمواقف الحازمة والصارمة أبلغتها الى الرؤساء الثلاثة الذين جالت عليهم، رافعة شعاراً فرنسياً بتفويض دولي: انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء الشهر الحالي، والترسيم لن يحل مكان الاصلاحات .

فعلى ايقاع التعطيل الحكومي، والجلسات المتتالية لمجلس النواب التي يعتبرها الجميع فولكلورية ولن تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية أقله في المرحلة الراهنة ما يعني أن الشغور شبه حتمي، جاءت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية وهي الأولى من نوعها للبنان ولمنطقة الشرق الأوسط، حاملة رسائل عدة بينها وجوب تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات ضمن الوقت المناسب، ضرورة تنفيذ الاصلاحات، التأكيد على دور فرنسا في انجاز ملف الترسيم، لتبقى الرسالة الأهم: انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية والا سيف العقوبات الأوروبية والأميركية حاضر لمعاقبة المعرقلين.

وعلى الرغم من إجهاض المبادرة الانقاذية التي حاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اقناع المسؤولين بها عقب انفجار المرفأ لكنهم تعاطوا معها بخفة وكيدية، إلا أن باريس تبقى معنية بالملف اللبناني وفكفكة عقده خصوصاً في ظل الاهتراء الذي يعانيه البلد على المستويات كافة. وأكد أحد المتابعين لموقع “لبنان الكبير” أن الزيارة تأتي في اطار اهتمام فرنسا بلبنان وتفويضها من واشنطن بالتنسيق مع السعودية خصوصاً أنها ترى خطر الفوضى محدقاً في البلد، وتستعجل اجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده، محذرة من مغبة عدم انتخاب رئيس الجمهورية في الموعد الدستوري كما فعلت في الانتخابات النيابية السابقة والا هناك عقوبات على المعطلين. كما أن لبنان لن يحصل على أي دعم لا من الدول المانحة ولا من فرنسا ولا من دول الخليج ولن يتم الافراج عن أموال “سيدر” اذا لم يتم انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية وتشكيل حكومة اصلاحية. فرنسا التي لعبت دوراً مهماً في الترسيم، وساهمت في الوصول الى اتفاق، تريد رئيساً للجمهورية وفق المواصفات التي تضمنها البيان الثلاثي المشترك الأميركي – الفرنسي – السعودي مع التأكيد أنها لن تدخل في لعبة الأسماء.

وشددت الوزيرة الفرنسية خلال مؤتمر صحافي من مطار رفيق الحريري الدولي في ختام جولتها على وجوب “انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء هذا الشهر”، وأن هذا “يعود إلى اللبنانيين وحدهم، وعليهم اختيار رئيس يستطيع أن يرأس الشعب ويعمل مع اللاعبين الإقليميين والدوليين لتخطّي الأزمة الحالية لضمان استقرار لبنان وأمنه وسلامته”.

وأكدت أن “الاتفاق التاريخي الذي عقده لبنان مع إسرائيل في موضوع ترسيم الحدود البحرية لن يحل مكان الاصلاحات التي تبقى أولوية”، داعية الى وجوب “تطبيق الاتفاق مع البنك الدولي وهذا الخيار الوحيد لإرسال رسالة ثقة إلى المستثمرين والإتيان بالتمويل الذي يحتاج إليه لبنان”. ورأت أن “من غير المقبول أن يستمر الشعب اللبناني بتحمّل عواقب أزمة هو غير مسؤول عنها ونحن ندعم هذا الشعب ونساعده طالما يُساعد نفسه. الرئيس ماكرون يسعى لدى كل الدول الصديقة لمساعدة لبنان”.

وفي هذا الاطار، تحدث عدد من النواب عن الدور الايجابي الذي تلعبه فرنسا تجاه لبنان، وهي كانت ولا تزال في موقع الحريص والداعم للبلد، ولا يمكن الا النظر نظرة ايجابية الى هذا الاهتمام، والتعويل على هذا الدور الايجابي. لكنهم اعتبروا أن هذا لا يكفي لأن المهم أن نتحمل المسؤولية نحن، ونقوم بما يمليه علينا واجبنا الوطني تجاه البلد والشعب. ولا يجوز الرهان دائماً على تدخل الآخرين. زيارة الوزيرة كولونا لها تأثيرات ايجابية لكن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتقنا. اذ لا يجوز أن نظهر دائماً في موقع العاجز عن انتاج الحلول، وننتظر الآخرين لايجادها. لماذا لا يمكن أن نلتقي على مشروع وفاقي خصوصاً أن تركيبة المجلس النيابي تحتم علينا التوافق على مشروع، ويكون لدينا حل وفاقي وليس تسووياً؟ المطلوب منا أن نبادر الى انتاج الحلول.

وفي قراءة لزيارة الوزيرة الفرنسية، لفت أحد المحللين الى أن فرنسا كما المجتمع الدولي، تتمسك بإجراء كل استحقاق في موعده كما حصل في الانتخابات النيابية. وهذا ما بدأ الفرنسيون العمل عليه من خلال زيارة الوزيرة كولونا للتأكيد على ضرورة اجراء الاستحقاق في موعده، ولا بد أن فرنسا أرادت مباركة الترسيم مع العدو خصوصاً أنها لعبت دوراً واضحاً في عملية التفاوض خاصة مع شركة “توتال” الفرنسية. وهنا السؤال: هل هذا يعني أن الطبقة السياسية في لبنان ستستجيب؟ ليس بالضرورة لأن الرئيس ماكرون كان قد زار لبنان بعد انفجار المرفأ، وطالب بتشكيل حكومة خلال شهر ولم تتشكل الا بعد 9 أشهر. اليوم ستستمر الضغوط العربية والدولية من أجل اجراء الاستحقاق الرئاسي، لكن ليس أكيداً أنه سيحصل في موعده لا بل هناك شك كبير في ذلك. ما حصل من ترسيم حدود بحرية يشكل نقطة تحول من دون أدنى شك في مسار الأداء السياسي الغربي واللبناني ما يعني أن باب التسويات قد فُتح. التسوية البحرية تعني الاستقرار، والاستقرار يحتاج الى تحصين داخلي على المستوى السياسي من خلال اتمام الاستحقاقات، وعلى المستوى الاقتصادي من خلال الولوج الى عملية الاصلاحات لعقد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. إذاً، هناك طبخ لتسويات، لكن توقيت الوصول الى هذه التسويات لا يمكن لأحد تحديده بحيث أنه يصعب التكهن بمسار المفاوضات الداخلية والاقليمية والدولية للوصول الى مرشح تسووي رئاسي ترضى عنه غالبية الأطراف. مع التأكيد أن لبنان بالنسبة الى فرنسا، موقع استراتيجي لأنه الدولة الفرنكوفونية الوحيدة في المنطقة، والفرنسيون يعتبرون لبنان موطئ قدم لهم الى المشرق العربي وحتى الى ايران. هم يتمسكون بدور لهم في لبنان، وأيضاً بضمان استقرار لبنان، ولم يتوقفوا يوماً عن رفده بكل ما أمكن من أجل الحفاظ على استقراره والوصول الى تسويات سياسية. كما لا بد من الاشارة الى أن لهم مصالح في لبنان سواء في مرفأ طرابلس أو في مرفأ بيروت أو في الكهرباء أو من خلال مشاريع مستقبلية. أما الحديث عن عقوبات أوروبية، فلا بد من التوضيح أن مثل هذه العقوبات معقدة وتحتاج الى توقيع 27 دولة، وما تستطيع فرنسا القيام به هو اتخاذ بعض الاجراءات المتعلقة بالسفر اليها الا اذا كان هناك توحيد للموقف الأوروبي والأميركي حينها تصبح العقوبات قاسية ومؤلمة. ونستبعد أن تكون الوزيرة الفرنسية أتت لتهدد بعقوبات، انما لتحذر من مغبة عدم انتخاب رئيس وعدم الولوج الى الاصلاحات، لكن هذا بحاجة الى ضغط أكبر على المعرقلين، ولا ندري مدى قدرة فرنسا على ممارسة ضغوط كهذه على معرقلي الاصلاحات والانتخابات الرئاسية. في الخلاصة، يمكن القول ان الترسيم البحري نقطة تحول وسيؤدي عاجلاً أم آجلاً الى استقرار داخلي في لبنان تعمل الدول الصديقة والقريبة على تثبيته وعلى تطويل مدته قدر المستطاع.

على صعيد آخر، يستعد عدد من الناشطين أو “ثوار 17 تشرين” الى احياء ذكرى الثورة بعد غد الاثنين بتحرك في ساحة الشهداء، وأكد أحد المنظمين لـ “لبنان الكبير” أن “التحرك سيكون رمزياً أكثر منه شعبياً، ولم توجه دعوات خاصة انما نرحب بكل من يريد المشاركة. في ذكرى 17 تشرين، نريد أن نرفع الصوت ضد صفقة الترسيم. هناك احباط لدى الناس لأن الثورة لم تتمكن من تحقيق أهدافها بسبب الأنانية والخرق من أحزاب السلطة والقمع المسلح والمعنوي الذي تعرض له الثوار. المهم اليوم عدم الخضوع والاستسلام لليأس والاحباط. الثورة اليوم فكر وليست تجمعات، وهناك رأي عام جاهز للمحاسبة دائماً”.

في حين رأى أحد المراقبين أن الموجة الثورية انتهت في 15 أيار، والناس اليوم تعيش خيبة أمل من النواب التغييريين الذين لم يثبتوا أنهم على قدر المسؤولية في الاستحقاقات الدستورية خصوصاً في الاستحقاق الرئاسي. لا يمكن تحميل الذكرى أكثر مما تحمل، والثورة لم تحقق النتائج المرجوة لأسباب منها تدهور الوضع المالي والاقتصادي، ودعم المجتمع الدولي للطبقة السياسية بدل دعمه للثورة. الوقائع والمؤشرات تؤكد أننا سنشهد انفجاراً اجتماعياً أو ما يمكن تسميته السقوط الحر، لكن هذا لم يحصل حتى الآن لأن هناك أبر مورفين تأتي من الخارج، وليس مستبعداً أن يحصل في العهد المقبل الذي سيتحمل تداعيات أخطاء العهد الحالي وتصرفاته. العهد المقبل سينطلق بإحتياطي في مصرف لبنان بما يقارب 8 مليارات دولار، وحين ينتهي هذا الاحتياط، ماذا سيحصل؟ نحن ذاهبون الى تسارع وتيرة الغلاء بصورة كبيرة، وهنا سيحصل الانفجار الاجتماعي. الطبقة الفاسدة لن تسمح بقيامة البلد.

من جهة ثانية، دعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى وقف تنفيذ خطة لاعادة اللاجئين السوريين بصورة غير طوعية إلى بلادهم، بعد تصريحات مسؤولين عن استئناف ترحيلهم على دفعات بدءاً من الأسبوع المقبل.

وقالت نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة ديانا سمعان: “إن السلطات اللبنانية توسّع نطاق ما يُسمّى بعملية العودة الطوعية بينما ثبت جيداً أن اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقع يسمح لهم باتخاذ قرار حرّ حول عودتهم، بسبب إجراءات تتخذها الحكومة السورية تقيّد تنقلهم ومكان إقامتهم، فضلاً عن تعرضهم للتمييز وعدم تمكنهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية. من خلال تسهيلها بحماسة عمليات العودة هذه، تعرّض السلطات اللبنانية، عن قصد، اللاجئين السوريين لخطر المعاناة من انتهاكات شنيعة والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا”.

شارك المقال