سوريا وتركيا تلملمان الجراح… وحكومتنا تتضامن مع الأسد لا مع الضحايا

لبنان الكبير

فيما هبت دول العالم لمساعدة تركيا وسوريا من خلال مد الجسور الجوية الطارئة، لا يزال البلدان يلملمان جراحهما، وينتشلان الضحايا التي يتسابق عددها مع فرق الانقاذ التي تعمل تحت ظروف مناخية قاسية، لكن نجاحها في انقاذ طفل أو امرأة أو رجل، ينسيها كل المصاعب والمتاعب والمخاطر خصوصاً أن الاصوات لا تزال تسمع من تحت الركام. أصوات بريئة تستغيث النجاة، وتستغيث ضمائر قادة دول العالم لايقاف هزاتهم السياسية، وليتعظوا بأن قدرتهم محدودة أمام قدرة الخالق وغضب الطبيعة التي تمكنت خلال دقيقة واحدة من ازاحة تركيا 3 أمتار نحو الغرب.

وفيما يجري السباق مع الوقت، بحيث أن الساعات الثماني والأربعين المقبلة حاسمة لجهة العثور على ناجين، تعمل السفارة اللبنانية في تركيا مع السلطات التركية والجهات المعنية للكشف عن مصير المفقودين اللبنانيين. وأكد السفير اللبناني في تركيا غسان المعلّم “أننا أبلغنا بوجود حوالي 10 إلى 15 لبنانياً معظمهم في حالة جيدة، ونجحنا في التواصل معهم، في حين هناك حوالى 4 إلى 5 أشخاص تحت الأنقاض”.

وبعدما أرسل لبنان فرقاً للاغاثة والمساعدة، زار وفد وزاري لبناني الرئيس السوري بشار الأسد كما عقد لقاءات مع المسؤولين السوريين، تناولت الشؤون الانسانية وتداعيات الزلزال المدمّر الذي تضرّرت بسببه مناطق عدة في سوريا، ومن ضمنها لقاء مع وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد. وأعلن الوفد “تضامنه مع الشعب السوري في هذه المحنة بالامكانات المتاحة للمساعدة في مجالات الاغاثة”.

وفي هذا السياق، اعتبر أحد الخبراء في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أنه “في وضع كارثي كالذي نراه اليوم، لا بد من نسيان الخلافات ووضعها جانباً بحيث أن هناك عشرات الدول سترسل المساعدات، فالخسائر فادحة. المساعدات الانسانية لها أسبابها الانسانية وأسباب تتعلق بالأمن، اذ أن المنكوبين سيتحولون الى لاجئين في الدول الصناعية، ويتسببون بمشكلات أمنية، لذلك، تسرع الدول الى المساعدة لابقائهم في بلدانهم. ولبنان بإمكاناته المتواضعة، من المستحسن أن يساعد خصوصاً أن هناك ضحايا وعالقين لبنانيين. اما الزيارة الوزارية، فلها وجه سياسي بامتياز، اذ أن الوزراء يرغبون في زيارة سوريا، وهم على تواصل مع النظام السوري بصورة دائمة. ولا يمكن قراءة الزيارة الا في اطار تبييض وجوههم، ويتصرفون كأنهم تحت الوصاية السورية. اليوم نحن في مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية، والافادة من الظرف لاعادة العلاقة الى طبيعتها مع سوريا”.

وذكر بأن “تدمير نصف لبنان على يد الجيش السوري بين 1975 و1990 لا يمكن نسيانه على الرغم من أنه لا يجوز أن تستمر العداوة بين البلدين كما أن التعويض عن الأضرار والأرواح والممتلكات، والابتزاز المالي للشركات والمصارف لا يجب أن ننساه أيضاً، اذ لا أحد في لبنان طالب السوريين بحد أدنى من التعويضات. من ناحية أخرى، لدينا مفقودون في السجون السورية، وما من مسؤول لبناني طالب النظام السوري بمعرفة مصيرهم. من ناحية ثالثة، فإن الفلتان على الحدود وامتصاص الأموال اللبنانية عن طريق التهريب لمساندة النظام، لن يكون لدى الوزراء الجرأة على المطالبة بمعالجته. الوزراء التقوا مركز القرار في سوريا. اذا كان الهدف من اللقاء التعزية فقط، فيمكن ان يُبلع، لكن اذا كان لا يستفاد من هذه الزيارة أقله لوقف التهريب على الحدود، فهناك علامات استفهام حولها. كان باستطاعة لبنان الاكتفاء ببرقية تعزية، أو الاتصال الهاتفي للتعزية، وارسال فرق الانقاذ الانسانية للمساعدة”.

وظهر واضحاً أن موقف لبنان الرسمي أقرب الى مساعدة نظام الأسد أكثر من التضامن ومساعدة ضحايا الزلزال.

وبما أن أكثر من يعرف طعم مرارة النكبة، هم اللبنانيون الذين عاشوا الزلازل الطبيعية والأخرى البشرية، يتبادر الى الأذهان، التساؤل: أي منهما أصعب وأشد وطأة؟ وفق أحد المراقبين، فإن الزلازل الطبيعية تنتج عن عوامل طبيعية خارجة عن قدرة الانسان الذي لا يتحمل مسؤولية في ذلك. أما الزلازل السياسية التي هي من صناعة البشر وانتاجهم، فتأتي نتيجة خبث وعهر وسوء نية. وبالتالي، من دون أدنى شك، الزلزال الطبيعي أخف وطأة، وأرحم حتى أنه يوحّدنا في الخوف، وفي المساعدة على الانقاذ في حين أن الزلازل السياسية، تجعل الناس يتمترسون خلف آرائهم وتناقضاتهم وخلافاتهم. إذاً، ليس ألعن وأقسى من الزلزال الطبيعي الذي يدمر المنازل سوى الزلزال البشري الذي يدمر الدولة. في الزلزال الطبيعي يمكن تأمين الخيم ومراكز الايواء للمشردين أما في الزلزال البشري، فتتشرد الدولة ولا أحد يتبرع لها ببناء الوطن، وهذا ما نعيشه اليوم. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل الشعب مجبر على أن يتحمل الهزات الناتجة عن سوء ادارة المسؤولين اللامسؤولين؟

وبما أن الهزات البشرية دائمة في لبنان، وتداعياتها كبيرة وثمنها باهظ على البشر والحجر، وانطلاقاً من كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن أن “اللبنانيين مدعوون الى أن يثبتوا للعالم وللشقيق والصديق ولكل من يتربص أو يتحين الفرص للإنقضاض على لبنان أننا قد بلغنا سن الرشد الوطني والسياسي”، طرح “لبنان الكبير” سؤالاً على عدد من المسؤولين: لماذا لم يعرف لبنان الاستقرار المستدام؟ وهل فعلاً لم يبلغ المسؤولون الرشد السياسي والوطني أم أن ارتباطاتهم الخارجية تجعلهم مقصرين بحق البلاد والعباد؟ ليأتي الجواب متشابهاً من مختلف الأطراف: لا ينقصنا الرشد السياسي أبداً ولا الوعي، ونحن شعب متعلم ومثقف، ولا يمكن القول اننا مراهقون، لكن الشعب اللبناني مسلوب ومشلول الارادة، والمصالح السياسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً في الخارج. بعض المسؤولين سرقوا البلد ونهبوه، وعطلوا ضمائرهم ووجدانهم وحسهم الوطني. هم يعرفون ويحرفون لا بل علموا منذ سنوات أننا سنصل الى هنا، وتركوا الوضع يتدحرج ويتفاقم الى هذا الحد لأنهم وضعوا مصالحهم فوق كل اعتبار. السلطة حققت مشروعاً واحداً: تدمير البلد الذي بات بلا كيان وبلا احترام وبلا معنى وبات في مصاف الدول الفاشلة.

أما على الصعيد السياسي، فقد برز أكثر من تطور أمس، اذ في حين لم يصدر أي بيان عن اجتماع باريس الخماسي بشأن لبنان، أشارت المعلومات الى أن المشاركين فيه حرصوا على مراجعة المسؤولين في دولهم أولاً، في ظل اتجاه الى عقد اجتماع ثانٍ على مستوى وزراء الخارجية، ومعلومات عن امكان توسيع مروحة المشاركة لتضم دولاً أخرى. فيما تناقلت معلومات صحافية أن موفداً للرئيس بري يجول على عدد من دول الخليج، مستطلعاً توجهاتها في شأن رئاسة لبنان، وذلك عشية التحضير لجولة حوارات ثنائية سيطلقها بري قريباً.

بالتوازي، وفيما يحتفل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بقداس عيد مار مارون اليوم في ظل الغياب الرسمي، تواصل بكركي نشاطها في اتجاه ارساء حل يكفل انهاء الشغور الرئاسي، وتحدثت المعلومات عن تكليف أحد المطارنة اجراء اتصالات مع الأقطاب الأربعة المسيحيين: سميرجعجع، جبران باسيل، سامي الجميل وسليمان فرنجية لسؤالهم عن مدى قابليتهم لعقد اجتماع رباعي في بكركي، وقد جاءه الجواب سلبياً. أما عن مدى استعدادهم لعقد الاجتماع النيابي المسيحي الموسع، فسمع قبولاً، لكن بشروط.

شارك المقال