في الذكرى الـ48 للحرب… بوسطة الفراغ تدعس “البلدية”

لبنان الكبير

تطل الذكرى الـ 48 للحرب الأهلية اللبنانية، في ظل دولة يحكمها الفراغ، الذي أصبح سيد القصر الجمهوري، بل سيد البلد في كل المؤسسات. والذكرى صادفت أيضاً بعد أيام على إطلاق الصواريخ من الجنوب الذي تسبب بتداول مصطلح “حماس – لاند”، مذكراً اللبنانيين بـ “فتح لاند” وكيف كان للقوى الفلسطينية في السبعينيات دور بارز في الحرب.

يبدو أن الاستحقاقات الدستورية تسقط واحدة تلو الأخرى، كأن البلد في مرحلة التحلل التام. فكما كان متوقعاً، “دعست” بوسطة الفراغ على الانتخابات البلدية والاختيارية، وقد تولى نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب نعيها، عبر الاعلان عن تقديمه اقتراح قانون معجل مكرر يقضي بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى أيلول المقبل. بالتزامن، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري هيئة مكتب مجلس النواب الى إجتماع بعد ظهر اليوم من أجل تحديد موعد جلسة تشريعية تحسم الملف البلدي. ويحظى التمديد بتأييد واسع بين الأوساط السياسية، حتى ضمن من يرفعون الصوت ضده، فهم يزايدون شعبوياً لا أكثر، لأن الجميع يعلم أن الأمر دونه معوقات لوجيستية وأمنية، عدا عن المشكلة التي يثيرها البعض في بلدية بيروت.

وبينما الاستحقاقات المحلية مؤجلة أقله إلى ما بعد الأعياد، تتصدر تطورات الاقليم المشهد، فالاتفاق السعودي – الايراني يأخذ مجراه الطبيعي، على الرغم من أن عدة دول لم تكن تريد له أن يحصل، وتتمنى سقوطه في أقرب وقت، إلا أن الصين أثبتت قدرتها على رعاية الاتفاق التاريخي والحرص على تنفيذه، وبدأت ترجمته سريعاً، بحيث لم يكد يمر شهر عليه، حتى بدأت ترجمة بنوده، من الوفود إلى صنعاء والانفتاح على سوريا، الى إعادة افتتاح السفارة الايرانية في جدة أمس، ومن المتوقع أن تستمر الخطوات بين الدولتين في المرحلة المقبلة.

لم يحضر وزيرا الداخلية والمالية جلسة اللجان أمس، وأرسلا ممثلين عنهما، الأمر الذي تسبب بجدل اتهم على إثره العديد من النواب الحكومة بعدم الجدية في إجراء الانتخابات. وانقسمت أجواء النواب في حديثهم لـ”لبنان الكبير”، فالبعض صوّب على الحكومة واتهمها بإفشال الاستحقاق، والبعض الآخر رأى أنه لا يجوز توجيه الاتهام لأحد دون الآخر، السلطة السياسية جمعاء فشلت في تأمين الموجبات الموضوعية المطلوبة لاجراء الانتخابات، وجرى التشديد على أن وزير الداخلية قام بمهامه كاملة. وعلى الرغم من الاختلاف على من تقع الملامة عليه، إلا أن الجميع متفق على أنه لا يمكن أن يسود الفراغ في المجالس البلدية والاختيارية، ولا يصح أن تحال صلاحيتها على القائمقامين والمحافظين. ونفت أجواء النواب ما يقوله البعض بأن القوى السياسية تخاف نتائج الانتخابات، كون البلديات في غالبية المناطق طابعها الأساس عائلي وانمائي وليس سياسياً، وهي تقوم بدور كبير اليوم في ظل غياب الدولة وتحلل المؤسسات.

التحلل الذي يصيب الدولة في مؤسساتها، يذكر اللبنانيين بعشية الحرب الأهلية، ويبدو أن القوى السياسية لم تتعظ من مآسي الماضي، وغالبيتها لا تزال تتشدد في مواقفها، بل وتثير العصب الطائفي لدغدغة مشاعر جمهورها. وفي هذا السياق، أشار مصدر مقرب من مرجعية سياسية الى أن “البلد اليوم يعيش أسوأ مما عاشه في الحرب الأهلية، تحديداً من الناحية الاقتصادية، وبدل أن تتلاقى القوى السياسية للخروج بتسوية تؤدي إلى حلول، تتشدد في مواقفها، وترفض أي نوع من التلاقي، حتى أن البعض يرفض ملاقاة أخوته في الطائفة نفسها”. ولفت الى أن “الخطاب العنصري والطائفي يزيد يوماً بعد يوم، ويصوّب باتجاه النازحين السوريين متشبهاً بالخطاب الذي صوّب على اللاجئين الفلسطينيين قبل الحرب الأهلية، وإن وصل البلد إلى مرحلة الانهيار المؤسساتي الشامل، فمن المؤكد أن متاريس الحرب ستعود”.

القضاء هو أساس أي دولة، وعندما يكون عاجزاً أو فاسداً، لا يمكن للبلد أن يستمر. فبعد إخلاء سبيل الصرافين، وعدد كبير من الموظفين المتهمين بالفساد، أخلى قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد الدغيدي، سبيل رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم وجميع الموقوفين معها في ملف فساد النافعة، وأحال الملف على النيابة العامة الاستئنافية لابداء الرأي رفضاً أو موافقة، الأمر الذي تسبب بضجة في الرأي العام اللبناني، مع وصف البعض له بالفضيحة.

ليس كل القطاع العام فاسداً، ولكنه ينتظر أن تقر الدولة حقوقه، وقد وافقت اللجنة الوزارية المكلفة “معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام” خلال الاجتماع الذي ترأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على الزيادات المقترحة على رواتب القطاع العام، على أن يعقد مجلس الوزراء جلسة الأسبوع المقبل لدرسها وإقرارها.

شارك المقال