وفي الوقت الذي اشتدت فيه حماوة الانتخابات الرئاسية مع إعلان الحزب “الاشتراكي” وقوفه مع جهاد أزعور ضد مرشح الثنائي الشيعي، ضج البلد بواقعة منع دخول اعلامية كويتية معروفة بمواقفها ضد “حزب الله” لكنها في الوقت نفسه تجاهر بزيارة اسرائيل، لنكون أمام أزمة جديدة مع بلد خليجي هو الكويت التي بادرت قبلاً الى رأب الصدع بيننا وبين الغرب.
وبدا أن كتلة “اللقاء الديموقراطي” حسمت أمرها بتأييد ترشيح أزعور على وقع تغيير المقاربة الفرنسية للاستحقاق الرئاسي اللبناني، بعد تغيير الفريق الفرنسي الذي كان يتولى الشأن اللبناني، وتعيين وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان موفداً خاصاً ليتولى المهمة، إذ كان لافتاً أمس تأكيد وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا من الرياض أن “ليس لفرنسا مرشح رئاسي، بل ما يهمها أن يصبح للبنان رئيس للجمهورية، خصوصاً في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة”.
وفيما أكدت كتلة “الوفاء للمقاومة” أنها ستصوّت لسليمان فرنجية في الجلسة المرتقبة الأربعاء المقبل، يسود الترقب لكيفية تعامل الثنائي الشيعي مع هذا الواقع الجديد، وهل ستكون هناك دورتان أم دورة واحدة ويطير النصاب؟ وفي انتظار تبلور مشهد الجلسة، أعلنت مديرة الاعلام في صندوق النقد الدولي جولي كوزاك أن “مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، جهاد أزعور، علق عمله مؤقتاً في صندوق النقد الدولي”، مشيرةً إلى أنه “في إجازة حالياً”. وقالت: “من أجل تجنب أي تصور بشأن تضارب المصالح، تخلى جهاد أزعور موقتاً عن مهامه في صندوق النقد الدولي وهو في اجازة من الصندوق”.
وقد ضج الوسط الاعلامي أمس بخبر منع الاعلامية الكويتية فجر السعيد من دخول لبنان، وتفاعلت القضية بين مرحب ومنتقد لهذه الخطوة. وصدر عن مكتب شؤون الاعلام في المديرية العامة للأمن العام بيان أوضح فيه أن “اجراءات دخول العرب والأجانب الى لبنان والاقامة فيه، منوطة وفقاً للقوانين المرعية الاجراء حصراً بالمديرية. كما يحق لأصحاب العلاقة مراجعة هذه المديرية، بالأصالة أو بالوكالة، لاعادة النظر بأي اجراء يصدر عنها في حال تقدّموا بمعطيات ومستندات تسمح بإعادة النظر بأي اجراء متخذ”. وعلم “لبنان الكبير” أن جواز سفر السعيد لا يتضمن ختماً اسرائيلياً ولكن لها اطلالات تعلن فيها زيارتها الى اسرائيل.
وأشارت مصادر خاصة لموقع “لبنان الكبير” أن “منع دخول السعيد كان بسبب اعلانها الصريح عبر وسائل الاعلام أنها دخلت اسرائيل أكثر من مرة وزارت القدس، وقد التزم الأمن العام الاطار القانوني لمنع دخول العرب الذين زاروا اسرائيل سواء بتبنيهم الزيارة بطريقة علنية، أو لوجود ختم اسرائيلي على جواز سفرهم”. ووفق المعلومات فان السعيد سبق ودخلت نهاية العام الفائت الى لبنان على الرغم من تصريحاتها الموجهة ضد “حزب الله”.
وأوضحت المصادر أن “الاعلامية ذكرت للمعنيين اللبنانيين الذين واكبوا قضيتها في المطار من وزراء وشخصيات أنها دخلت اسرائيل، ولهذا السبب لم يستطع أي معني معالجة الموضوع، مع الاشارة الى أن القرار متخذ في عهد المدير العام السابق للأمن العام اللواء المتقاعد عباس ابراهيم، ولم يتم النظر في حيثياته بعد التطورات التي حصلت في المنطقة”.
وسألت أوساط سياسية “كيف يتم السكوت عن دخول مسؤولين لبنانيين ومنهم بعض البطاركة وعلى رأسهم البطريرك (بشارة) الراعي وعودته الى لبنان، والوقوف عند اعلامية صرحت أنها زارت القدس؟”، لافتة الى “غياب اجراءات بحق مسؤولين واعلاميين أجانب يدخلون اسرائيل ويحللون ويطلقون المواقف وفي الوقت نفسه يدخلون الى لبنان”. ووفق هذه الأوساط فان “كل ما يجب القيام به هو وضع معيار واضح يسري على الجميع”، وقالت: “لا يختلف اثنان على أن اسرائيل دولة عدوة قامت بما قامت به من جرائم وارتكابات وحروب، ولكن يجب أن يكون المعيار موحداً”.
وكان واضحاً أن وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري قام بكل ما يجب القيام به لناحية متابعة ملف الاعلامية الكويتية، ولكن في نهاية المطاف يبقى الأمر رهناً بمتابعة مباشرة من الأمن العام ووزير الداخلية ووفق القوانين المرعية الاجراء.
وعلى الرغم من معرفة السبب، توالت البيانات المستنكرة لمنع دخولها، ما يطرح أسئلة حول آلية التعاطي مع مواطنين عرب وخليجيين من دول طبعت مع اسرائيل ويزورونها بصورة طبيعية، لا سيما في ظل محاولة لبنان كسر عزلته العربية وتمتين علاقاته بالدول العربية وخصوصاً الخليجية.
وأصدرت مفوضية الاعلام في الحزب “التقدمي الاشتراكي” بياناً أشارت فيه الى أن “من المستغرب جداً أن يتم منع الاعلامية الكويتية فجر السعيد من الدخول إلى لبنان وتوقيفها والتحقيق معها وذلك فقط على خلفية مواقفها وآرائها السياسية”، معتبرة أن “هذا النسق المُدان من التضييق إنما يشكل ضرباً لفكرة وجود لبنان القائمة على الحريات والتنوع وعلى احترام الصحافة والصحافيين لبنانيين كانوا أم وافدين، وعلى السلطات المعنية والأجهزة المختصة توضيح ما حصل ومعالجة الأمر ومنع تكراره”.
كما علقت هيئة شؤون الاعلام في تيار “المستقبل” على القضية، وقالت في بيان: “لم يعد مقبولاً أن يبقى لبنان أسير ممارسات مستنكرة لا تقيم أي اعتبار لعلاقاته مع أشقائه العرب، وتتخذ من أجهزة الدولة منصة للإساءة إلى دور لبنان الحضاري والثقافي، بعد منع الاعلامية الكويتية فجر السعيد من دخول لبنان، من دون توضيح الأسباب الفعلية للاجراء المتخذ بحق مواطنة وإعلامية تنتمي إلى الكويت الشقيق الذي لم يقدم في تاريخه، إلا الخير ويد العون للبنان واللبنانيين”.
وأكدت أن “ما حصل مرفوض ويستدعي من حكومة تصريف الأعمال ووزير الداخلية والبلديات فيها التحقيق في طبيعة الاجراء، وإعلام الرأي العام بأسبابه، واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بمنع تكرار ما حصل في زمن يسعى لبنان إلى إعادة ترميم علاقاته مع الأشقاء العرب، الذين ينتظرون بدورهم أفعالاً مسؤولة تعزز الثقة به، وترد لهم جميل الوقوف بجانبه في كل الأزمان”.
بالعودة إلى التطورات الرئاسية، يزور اليوم وفد من بكركي مقر الرئاسة الثانية في عين التينة في إطار المبادرة الحوارية التي أطلقها البطريرك الراعي اثر عودته من فرنسا. وقال عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ميشال موسى في حديث إذاعي: “مع عدم الوصول الى تقاطعات مشتركة بين القوى السياسية اللبنانية هناك محاولات جدية للتواصل مع الفرقاء أكان عبر مبادرة البطريرك الراعي أم الموفد الفرنسي وقد تكون هناك مبادرات عربية أخرى”.
في المقابل، رأى عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم أنّ “الأمور تسير بصورة مريحة بالنسبة الى المرشح الرئاسي جهاد أزعور، من دون أن تكون المعركة قد حُسِمَت”، مشيراً الى أنّ “الاتصالات ستستمرّ حتى موعد انعقاد الجلسة”. وأوضح أنه “بناءً على التواصل الحاصل بين مختلف القوى السياسية والكتل النيابية فإنّ أرقام أزعور جيّدة وهو عليه أيضاً أن يقوم بسلسلة اتصالات”، معتبراً أن “التصاريح المتوترة الصادرة عن فريق الممانعة بمثابة تأكيد على صحّة هذا الكلام”.
وعن تعيين لودريان، رأت مصادر متابعة أن “هذا التعيين الأخير ليس سوى اعلان فشل المبادرة التي سوّق لها ماكرون طيلة الفترة الماضية والمتعلقة بتبني ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية بالاتفاق مع حزب الله، وهذا التقويم أتى بعد اللقاء الأخير الذي حصل بين ماكرون والراعي، والذي أبلغه فيه أن شبه الاجماع المسيحي رافض اصطفاف فرنسا التي كان ينظر اليها على أساس أنها الام الحنون والمهتمة بالشأن اللبناني، بحيث لا تمثل بطرحها غالبية اللبنانيين وأن الخيار بفرنجية لا يخدم مصلحة انقاذ لبنان اليوم ويخالف كل التوجه والطرح الذي سبق وطرحه ماكرون عندما زار بيروت بعد إنفجار المرفأ عام 2020 واللقاء الذي حصل في قصر الصنوبر يومها”.