البلد بانتظار كلمة السرّ الخارجية

لبنان الكبير

فيما تنشط التحركات الخارجية وتجتمع الدول الكبرى مع بعضها البعض، لا يزال الواقع اللبناني يتخبط داخلياً في ظل تفاقم أزمة الشغور الرئاسي، بحيث بات فريق الممانعة يغتنم كل فرصة سانحة بعد جلسة الأربعاء الماضي للتذكير بأهمية الدعوة الى الحوار مع الفريق الآخر للتوافق على الرئيس المقبل، وسط رفض قاطع لفريق المعارضة لهذه الدعوة، معتبراً أن الممانعة تريد التوافق على مرشحها رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية أو لا أحد، في مؤشر على انتظار القوى السياسية كلمة السرّ التي ستأتي على حصان أبيض خارجي عله يرشدها الى الطريق الصحيح والخلاص ويوصلها الى انتخاب رئيس للجمهورية.

وفي هذا السياق، شدد عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق على أن “حزب الله وحركة أمل يجددان الموقف الوطني الداعي إلى حوار غير مشروط على مستوى المرشحين والمشاركين”، لافتاً إلى أن “حزب الله وحركة أمل لم يفرضا الشروط على أحد ولم يطالبا بتخلي الآخرين عن مرشحهم من أجل الحوار، وإنما جماعة التحدي والمواجهة هم من يضعون شرطاً مسبقاً للحوار بأن يتخلى حزب الله وحركة أمل عن مرشحهما، وهذا هو الفرض بحد ذاته”. واعتبر أن “من يرفض الحوار، يتحمل مسؤولية إطالة أمد الفراغ الرئاسي، ويعمّق الأزمة، ولا يتحمل المسؤولية الوطنية في هذه اللحظة التاريخية”.

ورأى عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض أن “لا خروج من المأزق إلا بالعودة إلى الحوار كطريق إلى التوافق من أجل الوصول إلى الرئاسة، علماً أن التوافق يعني الإنصات إلى الهواجس، وتبادل الضمانات، واحترام التوازنات الداخلية، والاتفاق على الخطوط العريضة لمعالجة المشكلات اللبنانية”.

في المقابل، اعتبرت مصادر المعارضة عبر “لبنان الكبير” أن “الحوار الذي يقصده فريق الممانعة متعلق بمرشحه فرنجية، وهذه الدعوة ليست للحوار والتفاهم على الاسم المقبل انما لفرض فرنجية علينا”، مؤكدةً ثباتها على الوزير السابق جهاد أزعور كمرشح جدي للرئاسة.

وبينما ينتظر اللبنانيون كلمة السرّ الخارجية المرتقبة، يصل المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي الى لبنان وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان الأربعاء الى بيروت لاجراء محادثات مع المسؤولين السياسيين، من دون تحديد المدة التي سيبقى فيها ولا المسؤولين الذين قد يلتقيهم.

وسبق أن أجرى لودريان محادثات مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا شاركته خلالها معطيات حول المناقشات التي أجرتها في الأشهر الأخيرة مع المسؤولين اللبنانيين.

وبعدما تقاطعت المعارضة مع “التيار الوطني الحر” على مرشحها الوزير السابق جهاد أزعور، يبدو أن هذا التلاقي لن يكون سوى لمرحلة معينة وعلى ملف واحد، خصوصاً بعدما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة عامة تشريعية، بحيث رفض كل من “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وكتلة “تجدد” وغالبية التغييريين بإستثناء النائب ابراهيم منيمنة المشاركة في هذه الجلسة لعدم ربط الرواتب بمآرب سياسية، معتبرين أن هناك حلولاً أخرى لتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين والعسكريين من دون اللجوء الى جلسة تشريعية. على المقلب الآخر، يدرس “التيار” مشاركته فيها ويبدو أنه سينقذ نصاب الجلسة ويشارك فيها الى جانب “اللقاء الديموقراطي” وتكتل “الاعتدال الوطني” و”الطاشناق” بالاضافة الى الثنائي الشيعي.

وسط هذه الأجواء، أكد عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم، ان الجلسة التشريعية قائمة في موعدها، “لانها اكثر من ضرورية لتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين والعسكريين، والمبدأ ان التشريع ضروري ومطلوب دائما، ومن سيعمل على تعطيل الجلسة يتحمل المسؤولية لان مصلحة الناس فوق بعض الاجتهادات لان الدستور والقوانين تقر لتسيير امور البلاد ومصلحة العباد، وهذا الاساس الذي يجب البناء عليه”.

وبالعودة الى جلسة الأربعاء الماضي، وبعدما جرى التداول أن هناك نواباً من داخل تكتل “لبنان القوي” لم يلتزموا بقرار التصويت لأزعور، أكد النائب سيمون أبي رميا “التزام نواب التيار الوطني الحر بالتقاطع الذي حصل مع القوى الأخرى حول الاستحقاق الرئاسي”، داحضاً “كل الافتراءات والأكاذيب التي طالت نواباً من التيار في الانتخابات الرئاسية في ١٤ حزيران”.

وفي عظة الأحد، تساءل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي “كيف نستطيع مع شعبنا، الذي تكويه في الصميم هذه الأزمات، أن نقبل بمهزلة ما جرى في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الأربعاء الماضي، بعد ثمانية أشهر من الفراغ والانتظار، بحيث انتهك الدستور والنظام الديموقراطي بدم بارد، وتوسع جرح الإنقسام والإنشطار، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى شد أواصر الوحدة الداخلية؟ أهكذا نحتفل بمئوية لبنان المميز بميثاق العيش معاً مسيحيين ومسلمين، وبالحريات العامة، والديموقراطية، والتعددية الثقافية والدينية في الوحدة؟ أهكذا ننتزع من لبنان ميزة نموذجيته، ونجرّده من رسالته في بيئته العربية؟”.

واعتبر الراعي أن “لا بد من عودة كل مسؤول إلى الصلاة والوقوف في حضرة الله بروح التواضع والتوبة والإقرار بخطئه الشخصي، لكي يصحح خطأه، ويتطلع إلى حاجة الدولة والمواطنين من منظار آخر”.

أما متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده فرأى أن “بلدنا يعاني بسبب يد الشر التي تتلاعب به وتتقاذفه غير آبهة إلا بمصالح من استعبدوا أنفسهم لخدمتها. إثنتا عشرة جلسة لانتخاب رئيس لم تكن سوى عمليات إجهاض تمنع إنقاذ بلد، يكون وطناً لجميع أبنائه”، متسائلاً: “لماذا هذا الأسر الذي يقبع فيه بعض النواب الذين يفترض بهم أن يكونوا أحراراً، وأصواتاً صارخة بصراخ الشعب اليائس؟ النيابة ليست هروباً من المسؤولية بل هي تمثيل الشعب أحسن تمثيل، هل يؤيد الشعب حقاً تصرف نوابه وتقاعسهم عن القيام بواجبهم الأول وهو انتخاب رئيس للجمهورية، لا بالطريقة التي يريدونها بل كما يمليه الدستور؟”.

وعزّز عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب بيار بو عاصي هذا الكلام عبر حسابه الخاص على “تويتر”، قائلاً: “يا بلا ضمير! صُمّت آذانكم عن صرخات القلق من البطريرك الراعي والمطران عودة كما صُمّت قلوبكم أمام صراخ شعبنا المنكوب. لا تنتشوا بفائض القوّة لأن في ايماننا الصوت الصارخ في البرية يهيِّء لفجر الخلاص”.

شارك المقال