أصبح البلد حاملاً في الشهر التاسع للفراغ، ولا يبدو أن ولادة رئيس الجمهورية قريبة، بل إن الفراغ يتمدد إلى ما تبقى من مؤسسات، ومن المرجح أن يستمر طويلاً وقد يسجل رقماً قياسياً، أو قد يصبح مضرب مثل وقصة تحذيرية لطلاب العلوم السياسية مستقبلاً. غير أنه في ظل هذا الفراغ تتطاير المواقف السياسية من كل حدب وصوب، وبرز أمس موقفان، الأول للبطريرك الماروني بشارة الراعي بدا فيه وكأنه يدعو إلى تغيير الصيغة المعمول بها في لبنان والالتفاف على اتفاق الطائف ما تسبب ببروز اختلاف حول قراءة مضامينه، في حين تمايز مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان عن الراعي بالدعوة إلى الحوار ضمن الأطر الدستورية والتشديد على التمسك بالطائف وتطبيق بنوده كافة، في وقت علم فيه موقع “لبنان الكبير” أن رئيس مجلس النواب نبيه بري وافق أخيراً على تولي نائب الحاكم الأول لمصرف لبنان وسيم منصوري منصب الحاكمية بعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة.
وكان الراعي ترأس لقاء اطلاق وثيقة “لقاء الهوية والسيادة” بعنوان “رؤية جديدة للبنان الغد، دولة مدنية لامركزية حيادية” وبينما تبنى مضمون الوثيقة، قال: “في هذه الظروف الصعبة الجميع ينادي بالحوار، وأنا شخصياً أقول طالما أن المسؤولين في لبنان، سواء في المجلس النيابي أو الحكومي، لم يتمكنوا من الجلوس معاً والتحاور وهم يقولون مسبقاً ان القضايا الخلافية لا نتحدث عنها، اذاً على ماذا نتحاور؟ انهم لا يجلسون الى الطاولة لطرح الأسئلة عما أصابنا وماذا حل بنا منذ 30 عاماً وذلك بسبب مصالحهم الخاصة. انطلاقاً من هذا، أنا دعوت الى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان يطرح القضايا الأساسية وذلك بسبب عجز المسؤولين اللبنانيين عن التحاور لإيجاد حل لبلد يتفتت وشعب يهاجر. لا يحق للمسؤولين تدمير دولة وشعب من خلال تدمير النظام والدستور، وفي قراءتي لهذه الوثيقة رأيتها كافية للتحدث عن قصتنا أمام المجتمع الدولي”.
أما المفتي دريان فرأى أن “انتظار تسوية ما لانتخاب رئيس للجمهورية هو مزيد من الاهتراء والتفكك في مفاصل الدولة”. وقال عقب عودته من المملكة العربية السعودية حيث أدى مناسك الحج: “فليكن الحوار ضمن الأطر الدستورية هو البداية لبلورة الأفكار للتوصل الى حل يفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية، فلا يجوز التأخير والتصلب في المواقف، ما يفيدنا هو التشاور والتلاقي والتواصل والتنازل لبعضنا البعض، لقد أصبحت مؤسسات الدولة في وضع حرج، وإذا لم نتدارك الأمر فربما نصل الى الإفلاس، والفوضى على كل المستويات وعندئذ لا ينفع الندم”.
وفي حين يمكن قراءة كلام الراعي أنه يدعو إلى مؤتمر جديد للبنان قد يتناول تغيير الصيغة المعمول بها حالياً من ضمن اتفاق الطائف، استدرك في ختام كلامه أن “نظامنا ممتاز بشرط تطبيقه. شعبنا ممتاز والجميع يحبه. أرضنا حلوة، ولكن العمل السياسي فيها هو للخراب ونحن لا نقبل بذلك”.
وعلق مصدر مقرب من مرجعية سياسية على كلام الراعي في حديث لموقع “لبنان الكبير” بالقول: “منذ فترة نلاحظ أن سيادة البطريرك متقلب في مواقفه، فهو يطلق موقفاً حسب الضيف لديه، وعادة ما تكون مواقف متناقضة، ما يتسبب بضبابية حول موقفه الحقيقي”.
ويبدو التمايز واضحاً بين البطريرك الذي يقف حائراً بين الدعوة إلى مؤتمر دولي لتحييد لبنان وتعديل نظامه، ثم استدراكه بالقول ان النظام ممتاز، والموقف المتشدّد للمفتي الذي يعلن من خلاله التمسك باتفاق الطائف وصيغة النظام الحالي ويشدد على تطبيق الدستور.
وبين موقفي الراعي ودريان، شدد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد على أن الحزب ملتزم باتفاق الطائف، ولا يريد أن يعدل فيه حرفاً ولن يدعو الى تعديل شيء فيه، بل هو يريد تطبيق ما ورد في نصه. وقال: “نحن لا ندعو إلى صيغة سياسية جديدة، كفى تشويشاً وكذباً على أنفسكم والعالم وتحريضها علينا. باعتقادنا أنه إذا طبق الطائف كما ورد في نصه، لأمكننا تجاوز العديد من المشكلات والأزمات. نحن أهل الإلتزام وليس بمقدور أحد أن يعلم علينا في هذا الأمر”.
ولكن تطبيق الطائف لا يكون بالكلام، فالثنائي الشيعي عموماً و”حزب الله” خصوصاً، ينقضان اتفاق الطائف بالممارسة، تارة عبر تثبيت وزارة المالية، وتارة أخرى عبر المطالبة بثلث معطل، والأهم عدم تنفيذ أهم بند في الطائف وهو نزع سلاح الميليشيات، وبالتالي كلام رعد لا يمكن الأخذ به، لأن الطائف أفعال وليس أقوالاً.
وحول استحقاق حاكمية مصرف لبنان، علم “لبنان الكبير” أن الرئيس بري وافق أخيراً على تولي النائب الأول وسيم منصوري مهام الحاكم بعد انتهاء ولاية سلامة، علماً أنه كان في الفترة السابقة يتوجس من هذا الأمر، لتخوفه من أن تقع المسؤولية على منصوري في حال حصل أي تدهور اقتصادي جديد، بل الهاجس عنده كان أن ينسى الناس سلامة، ويلام منصوري وحده، بالاضافة إلى أن وزارة المالية والمدعي العام المالي، محسوبان على الثنائي الشيعي أيضاً.
على صعيد آخر، تعرض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لهجوم بسبب إعلانه قرار تشكيل لجنة لحل النزاعات العقارية، فاعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن ميقاتي “تجاوز بقراره البارحة تشكيل لجنة لدرس مسألة النزاعات بين الحدود العقارية، حد السلطة بصورة غير مفهومة، إذ إنّ مسألة النزاعات بين الحدود العقارية هي من صلاحيات السلطات القضائية وليس السياسية”.
وأوضح جعجع في بيان أنّ “ملف تحديد الحدود العقارية في منطقة القرنة السوداء، هو بعهدة السلطة القضائية منذ ثلاث سنوات، وأعمال المسح والتحديد تجري على قدم وساق، ولو ببطءٍ. فحبذا لو نفهم هذا القرار الذي أصدره الرئيس ميقاتي متجاوزاً فيه كل حدود السلطة”.
بعد الهجوم والجدل، سحب الرئيس ميقاتي فتيل الخلاف، وصدر عن مكتبه الاعلامي بيان أشار فيه إلى أن “دولة الرئيس اتصل برئيس اللجنة معالي وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وطلب منه التريث في دعوة اللجنة الى الانعقاد، وبالتالي تجميد عملها، كما اتصل بمعالي وزير العدل هنري خوري وطلب منه متابعة الملف مع مجلس القضاء الأعلى لتسريع البت بالملفات القضائية ذات الصلة”.