الرؤوس الحامية تستغل الكحالة… التدقيق الجنائي يكشف دكانة سلامة

لبنان الكبير

مرّ قطوع “كوع” الكحالة بعد 24 ساعة من حصوله، ودفن القتيلان، كأي حدث يحصل في لبنان، من الطيونة إلى خلدة إلى القرنة السوداء، وعين ابل والكثير من الأحداث التي حصلت، والتي تنتهي فيها فورة الدم ليحل مكانها الاستغلال السياسي، بخطابات عالية النبرة لا تمت الى الواقعية بصلة.

وبينما يستمر “حزب الله” في فوقيته بالتعاطي مع اللبنانيين ويهدد كعادته من يمس بسلاحه، كان الخطاب المناهض له يتحدث بلهجة تثير غرائز الجمهور الذي لم يترك محرمات إلا ومسّها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تدور الحرب الافتراضية بين الطرفين، كأن البلد عاد أكثر من 30 سنة إلى الوراء، وعادت المتاريس ويجب علينا الخوف من “القناص”.

هو استغلال سياسي رخيص هدفه شد العصب من الطرفين، بدل أن يعلو صوت العقل والتهدئة والوطنية. وفي هذه الحالة لا ينفع إلا الدعاء بأن لا تتحقق أهواء الرؤوس الحامية الذين لم يعيشوا فترة الدم في الماضي.

وقد طغت الأحداث الأمنية على تقرير التدقيق الجنائي الذي نُشر أخيراً، ومن خلال نشره يسجل وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل هدفاً في كل من وجه إليه اتهامات بأنه يحاول طمس الحقيقة، بحيث اعتمد على نص العقد مع “ألفاريز أند مارسال”، ونشر التقرير وفق أصول العقد تماماً. التقرير يكشف الدكانة التي كان يديرها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وهو من 332 صفحة موزعة على 14 باباً، يتضمن الهندسات المالية بين العامين 2015 و2020 وكلفت الدولة 115 تريليون ليرة، فيما بلغت قيمة القروض التي منحها “المركزي” 15 تريليون ليرة. بالاضافة إلى ذلك أشار التقرير إلى كيفية استخدام احتياط العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، والتي توزعت: 24.5 مليار دولار لوزارة الطاقة، من دون الدخول في كلفة السدود والبواخر، 8.3 مليارات دولار متطلبات القطاع العام، تمويل استيراد المنتجات المدعومة من الحكومة 7.6 مليارات دولار.

وكذلك، كشف التقرير عن الأموال التي دفعت لشركة “فوري” لسلامة وشقيقه رجا، وبلغت 333 مليون دولار بين 2002 و2015، واعتبر أن هناك 111 مليون دولار من هذه الأموال غير شرعية.

ومن الأمور اللافتة في التدقيق أنه كشف عن لائحة بأسماء شخصيات سياسية وإعلامية ومؤسسات وجمعيات استفادت من دعم مالي يفوق الـ 100 ألف دولار، بالاضافة إلى صرف أموال على مشتريات قام بها المصرف على أعمال فنية وتجهيزات وعفش، وسيارات جاغوار، كلها بمبالغ طائلة، من دون حسيب أو رقيب.

وأهم ما أورده التقرير هو عدم الشفافية في المصرف المركزي وإخفاء الخسائر في التقارير الدورية للمصرف، وسط تحول المجلس المركزي لمصرف لبنان إلى أصنام يتلقون التقارير من سلامة من دون القيام بأي عمل للتدقيق بها.

وفي تداعيات ما حصل في الكحالة، توزعت المواقف بين تصعيد واجتماعات وردود من “حزب الله”، في ظل غياب لصوت العقل في زمن الجنون. وقد إجتمعت الأحزاب والمجموعات التالية: “الكتلة الوطنيّة”، “تقدّم”، “خط أحمر”، “لقاء الشمال 3″، “تيّار التغيير في الجنوب”، “إئتلاف انتفض للسيادة للعدالة” (طرابلس) و”عكار تنتفض”، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه أن “حادثة الكحالة تشكل مع ما سبقها من أحداث أمنيّة متفرّقة تطوّراً سياسياً وأمنياً خطيراً يجعل من كل منطقة وقرية في لبنان، هدفاً للاستباحة ودرعاً بشرياً يتلطّى خلفه سلاح حزب الله وكل سلاح خارج سلطة الدولة والمتنقّل بين البيوت والمدن والمرافئ”، مؤكدة “أننا وعلى الرغم من تقاعس القضاء ومعه الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة عن القيام بواجباتهم، لا نزال نتمسّك بخيار الدولة ومؤسّساتها في وجه نقيضها المتمثّل بدويلة حزب لله وسلاحها”. وطالبت “القضاء وكلّ الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة بتحمّل مسؤولياتها عبر فتح تحقيق جدّي في ملابسات الجريمة لكشف مصدر هذا السلاح ووُجهته وأهداف استعماله وصولاً إلى توقيف المعتدين والمتورّطين كافة وسوقهم إلى العدالة”.

وأكد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب زياد الحواط، أن “المواجهة مع حزب الله أصبحت علنية، وسنقوم بكل ما يلزم لمنع وصول رئيس للجمهورية من محور الممانعة”. واعتبر في حديث تلفزيوني أن “حزب الله عليه أن يفهم أن سلاحه أصبح بلا بيئة حاضنة له، كما أنه لا يمكنه أن يفرض السيطرة والهيمنة بقوة السلاح”.

ورأى نائب رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سليم الصايغ أن “حزب الله بات ضعيفاً ولا قضية له بعد فضيحة ترسيم الحدود البحرية وتهريبه لاتفاقية الغاز والنفط، واعترافه بدولة إسرائيل، ولشدّ العصب يقومون بعراضات وتجميع أوراق”، لافتاً الى أن “على قوى المعارضة أن تدرك جيداً أنها تواجه حزب الله بكل أبعاده الثقافية؛ وبالتالي لا مكان للتذاكي عليه والبحث عن تسويات”. وأكد “أننا نواجه حزب الله بقوة وعلى الجميع أن يدرك أنها مواجهة يقوم بها الأبطال، وعلى الجميع الارتقاء الى هذا المستوى”.

في المقابل، دعا نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم القوى الأمنية والقضائية الى “أن تتابع وتحقق بدقة من أجل معاقبة المفتنين الذين حاولوا أخذ البلد إلى الهاوية”، واصفاً ما حصل في الكحالة بأنه “محاولة إحداث فتنة واصطناع قضية ليست موجودة”.

إلى ذلك، أدان “تكتل بعلبك الهرمل” النيابي، بعد اجتماعه الدوري، في بيان تلاه النائب حسين الحاج حسن “الاعتداء الميليشياوي الذي طاول شاحنة عند أحد منعطفات بلدة الكحالة وتعرض أفرادها لهجوم مسلح من ميليشيات لطالما دأبت على تهديد الإستقرار والسلم الاهلي”، معتبراً أنه “جريمة موصوفة كان الهدف منها العبث بأمن البلاد”. ورأى أن “هذا الفعل الميليشياوي عمل مدان ومرفوض من كل الشرفاء في هذا الوطن، لأنه يشكل تهديداً وسلوكاً عدوانياً يخدم مشاريع الفتنة، ويحتم على الأجهزة الأمنية والقضائية القيام بمسؤولياتها لكشف المتورطين والمحرضين وسوقهم إلى العدالة”.

شارك المقال