“حوار اليرزة” نموذجاً: الدستور أولاً… هل سقطت ورقة فرنجية؟

لبنان الكبير

لقاء اليرزة أمس كان نموذجاً مصغراً عن امكان جلوس الأطراف اللبنانية مع بعضها البعض، بحيث غاب البعض عن اللقاء، وآخر دعم الحوار، وثالث عارضه بشدة لأنه تجاوز للدستور، وخرج المجتمعون من دون اتفاق على أي خيار.

المشهد لمسه المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان بنفسه، ما يدعو الى التساؤل كيف سيكون المشهد على طاولة الحوار أو المشاورات كما يفضل أن يسميها لودريان، التي من المفترض أن تجمع المعارضة مع داعمي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية على طاولة واحدة؟

تعليق لودريان آماله على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الداعية الى الحوار، أوحت للكثير من المراقبين بأن سلته فارغة من أي مبادرة قادرة على خرق المشهد في الاستحقاق الرئاسي، فيما رأت أوساط سياسية بحديثها لموقع “لبنان الكبير” أن كل ما نتج عن المحاولة الفرنسية الفاشلة هو أن الديبلوماسية السعودية، استطاعت تثبيت وجهة النظر القائمة على أن الدستور هو الحل الوحيد لمعالجة الأزمة، وهذا ما ورد في البيان الخماسي الذي كان خاليا من كلمة “حوار”، وهذا أيضاً ما عبّر عنه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ضمنياً في خطابه، بما معناه أن الحوار مطلوب ولكن لننتخب رئيس جمهورية أولاً. فيما أكدت المعلومات أن السفير بخاري كان مستمعاً، ولم يعبّر عن أي رأي واستقبل زواره بكلمة ترحيبية بروتوكولية، ولم يبدي رأيه لا بالاستحقاق الرئاسي، ولا بالحوار، متخذاً من سياسة بلاده تجاه لبنان مرجعاً، على قاعدة السعودية لا تتدخل في الشأن اللبناني، ولا في الطروح، لكنها قادرة أن تجمع.

وحللت الأوساط السياسية هذا اللقاء وكأن السعودية تقول، إن اللبنانيين وحدهم من يقررون إذا كانوا مع الحوار أو ضده، فمثلما كانت المملكة تشدد على أنها لا تضع أي فيتو على أحد ولا تدخل في لعبة الأسماء، ها هي اليوم تؤكد أن اللبنانيين وحدهم من يقررون في الاستحقاق وشكله، سواء بحوار أو من دونه.

وشددت الأوساط على أن البيان الخماسي واضح بمضمونه ومخرجاته، التي لم تتطرق إلى كلمة حوار، بل كانت واضح أن الحل هو عبر الأطر الدستورية، ما يعني: جلسة واحدة مفتوحة بدورات متتالية.

وعلم موقع “لبنان الكبير” أن 4 نواب وبعد الترحيب السعودي الحار وبعد كلام لودريان والمفتي غادروا اللقاء مباشرة. وهم: كريم كبارة، أحمد الخير، عبد العزيز الصمد ووليد البعريني، فيما بقي النائب محمد سليمان في اللقاء حتى نهايته مؤكداً أن السعودية هي المرجعية العربية بالنسبة الى السنّة.

وعلم موقع “لبنان الكبير” أن الخير غادر ليكمل تقبل التعازي، فيما لم يفهم سبب انسحاب البعريني وكبارة معه، كما ان عبدالعزيز الصمد نفى ان يكون خروجه انسحاب.

وشهدت الجلسة طروحات عدة، منها صدرت عن لسان النائب نبيل بدر بأن الوسطيين غالبتيهم من السنة وانهم يمكنهم الخروج بمبادرة تسرع بانتخاب رئيس، فانتقدت اوساط سنية هذا الطرح معتبرة ان اي طرح جديد يعني تجاوز للدستور، وأي مبادرة لا تبدأ بجلسة مفتوحة بدورات متتالية هي ضرب لرأس الجمهورية والديموقراطية. كما دعت الاوساط الى عدم تبني طرح الحوار بعد انتخاب رئيس للجمهورية بل أن يكون حصرا بعد تشكيل الحكومة، حينها تنصرف الاخيرة بعد نيلها الثقة الى معالجة الازمة ويهتم رئيس الجمهورية بالدعوة الى حوار يناقش القضايا الشائكة ويكون حكما فيه باسم اللبنانيين، لأن اي حوار قبل تشكيل الحكومة يعني ضربا لرئاسة الحكومة ومجلس الوزراء.

أمام هذا الواقع الذي ترسخ في اليرزة، هل يدعو رئيس المجلس إلى حوار بمن حضر أم سيبقيه باباً أساسياً لجلسات الانتخاب ويحمّل المعارضة مسؤولية الفراغ بسبب عدم القبول بالحوار؟ فيما المعروف ان هكذا خطوة هي تجاوز كبير للدستور وللبيان الخماسي المتمسك بسيادة لبنان بتطبيق دستوره.

الأوساط السياسية رأت بحديثها لموقع “لبنان الكبير” أن لودريان لم يأتِ بأي جديد يحقق خرقاً في المشهد يمكن أن ينتج رئيساً، ولكنه ثبّت الانقسام العمودي حول الحوار، كما ثبّت أن حظوظ فرنجية باتت ضعيفة، تبعاً لكلام لودريان حول البحث عن اسم آخر ثالث.

إلى ذلك، استغربت الأوساط السياسية تصريح النائب عبد الرحمن البزري الذي نقل عنه بأن الخماسية الدولية تؤيد الحوار فيما بيانها تحدث حصراً عن الأطر الدستورية ولم يرد فيه كلمة حوار.

في المقابل، اعتبرت مصادر سياسية اخرى، أن لودريان استطاع أن يحدث خرقاً ولو ضعيفاً، في أن يكون حوار بري بمن حضر.

وسط هذه الأجواء، كانت لافتة في التوقيت المعلومات التي تحدثت عن زيارة رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد إلى بنشعي، حيث التقى مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية، فهل كان يعلمه بتغير في الرياح الممانعة؟ تحديداً أنه نقل عن عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم قوله في لقاء اليرزة: “اتجهوا إلى الحوار وليكن البحث في اسم أو اثنين أو ثلاثة”، نقلاً عن مرجعيته السياسية، ما يوحي بعدم تمسك الثنائي الشيعي بمرشحه.

وأكدت أوساط “القوات اللبنانية” في حديث عبر “لبنان الكبير” أن “لودريان سيعود في تشرين الأول الى لبنان من أجل عقد مؤتمر في حضور الأطراف كافة التي تواصل معها، وليعلن نتيجة اتصالاته وهذه الجملة رددها في بعض اللقاءات الأخيرة، والأجواء تؤكد سقوط ترشيح فرنجية”.

فيما تساءلت أوساط سياسية: “كيف يمكن للحوار في هذا الواقع الانقسامي أن ينتج رئيساً”، مذكرة بأن صلاحيات رئيس الحمهورية واضحة في الدستور، فيما أن من يحدد الخريطة للمرحلة هي الحكومة مجتمعة عبر بيانها الوزاري، التي تنال الثقة على اثره، وذلك بعد الاستشارات النيابية غير الملزمة، التي يسمع فيها الرئيس المكلف آراء النواب عن أهم الاستحقاقات التي يجب أن ينفذها لبنان في المرحلة المقبلة.

الأجواء اللبنانية السلبية أتت على وقع أجواء إيجابية سعودية – إيرانية، ضمن اتفاق بكين، تضمنت رسائل ودية بين الطرفين، مصحوبة بدعوات رسمية، انعكست تطوراً في الملف اليمني، اذ تصل من صنعاء الى المملكة بعثة من جماعة الحوثيين للقيام بزيارة إلى السعودية في خطوة تهدف الى دفع عجلة الحل السياسي قدماً في اليمن.

عين الحلوة كان أمس في عين التينة، حيث حط المسؤولون الفلسطينيون عند رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي استطاع انتزاع اتفاق مبدئي على وقف إطلاق النار بدءاً من الساعة السادسة مساء أمس، على أن يخلي المسلحون اليوم مدارس ويسلم قتلة أبو أشرف العرموشي. واللافت في هذا الاتفاق كان تبني حركة “حماس” علناً المجموعات المتشددة التي كانت تقاتل “فتح”، كون الاتفاق تم بين مسؤول من “فتح” وآخر من “حماس” بمعية بري، الأمر الذي يؤكد أن الاشتباكات لم تتسبب بها مجموعات متشددة متفلتة، بل “حماس” هي التي تشن الحرب على “فتح”، بأجندة تتخطى المخيم الذي يسمى عاصمة الشتات الفلسطيني.

وبهذا المشهد تكون اكتملت الصورة فعلياً، ويجب البحث عن أيادٍ ممانعة للاشتباكات المندلعة، بعدما أضحت “حماس” حليفة إيران وسوريا و”حزب الله” تفاوض باسم المجموعات المتشددة علناً.

وبعد الاعلان عن الاتفاق خفت وتيرة الاشتباكات، وخرق بعد بدء سريان تنفيذه، برشقات متقطعة بين الفينة والأخرى، على أن يقوّم بعد التنفيذ.

شارك المقال