سنتان حضور للحريري… الايراني في الخيمة السعودية

لبنان الكبير / مانشيت

صاروا يحلفون بغيبته. هم أنفسهم كان يحلفون بمنع حضوره على الساحة، وعرقلة طموحه بأن يرسّي إصلاحات إقتصادية، لمصلحة كل اللبنانيين، ويرسم إعتدالاً كهوامش مرنة وطنياً لـ”الجماعات” بل “الشعوب” اللبنانية، مواصلاً “حلم الربيع” لوالده الشهيد الرئيس رفيق الحريري، الذي دفع حياته لأنه آمن بأن لا أحد أكبر من بلده.

سنتان على “غيبة” الرئيس سعد الحريري عن السياسة في 24 كانون الثاني، فطغى حضوره على المستوى الشعبي، وخسفت “وجوه” حاولت إدعاء التمثيل بدلاً عنه، فبقي الرقم الأصعب والأقوى سنياً ووطنياً هو الذي أصر، حفاظاً على إرث والده، على أن يبقى “المستقبل” تياراً عابراً للطوائف والمذاهب في وقت أراد الانتهازيون أن يفرضوا جدراناً بين اللبنانيين بقانون انتخابي فصل على قياس مصالحهم ليمنعوا أن يكون صندوق الاقتراع مكان تلاقٍ للبنانيين.

إختار تعليق العمل السياسي، ليحفظ له مسافة عن كل الاهتراء والفساد الذي تسبب فيه “تيار جهنم” وشركاؤه، مبقياً في المقابل أواصر العمل الشعبي والاجتماعي بين الناس لكل الناس الذين كان في خدمتهم دائماً، كشاب مدني، من خارج طبقة أمراء الحرب، دفع الكثير من الأثمان السياسية والمالية من رصيده، من دون أن ييأس من المستقبل.

وعلى الرغم من كثرة الأحداث، إلا أن الأنظار أمس كانت متجهة نحو اليرزة في دارة السفير السعودي وليد بخاري، الذي استقبل السفير الايراني مجتبى أماني، في اللقاء الثاني على الأراضي اللبنانية بعد عشاء “الديبلوماسية المستدامة” السنة الماضية، والأول من حيث أنها الزيارة الرسمية الأولى للسفير الايراني إلى دارة السفير السعودي، وهي زيارة تحمل الكثير من الرسائل. وقد علم “لبنان الكبير” أن اللقاء لم يأخذ شكل اللقاء البروتوكولي الرسمي، بل الشكل الودي بين الطرفين، خصوصاً أن الجلسة تمت في خيمة السدو في دارة السفير، وكانت الرسالة ترتبط بنقل مضامين الاتفاق الإيراني – السعودي وإعطاء رسالة للحاجة إلى الابتعاد عن خطاب الكراهية بين كل الأطياف والمكونات، فالسعودية تمتلك علاقات جيدة وممتازة وتاريخية مع كل المكونات اللبنانية والاقليمية، خصوصاً الطائفة الشيعية والنشاطات والمبادرات التكريمية وغيرها التي أقامها السفير السعودي تجاه العلامة موسى الصدر أبرز دليل على ذلك، وتم تكرار مضامين الاتفاق القائم على أن يحرص الطرفان على المصالح والعلاقات وتمتين الاتفاق بينهما انطلاقاً من العلاقة الانسانية التي يبرزها دوماً الأمير محمد بن سلمان، ضمن علاقة الانسان بالإنسان والابتعاد عن خطابات الكراهية ومخططات إيذاء الشعوب.

وبالتأكيد تمت مناقشة أوضاع لبنان بين الطرفين وفق ما أشارت أوساط مطلعة لموقع “لبنان الكبير، وهناك توافق بينهما على أمن لبنان واستقراره خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد فيها المنطقة أحداث غزة والتهديدات التي تطال لبنان، وحكماً ستكون هناك لقاءات أخرى مستقبلية بين الطرفين من شأنها أن ترخي نجاح الاتفاق على مصلحة البلدين، وأيضاً الدول الاقليمية ومنها لبنان.

وأكدت الأوساط أنه لم يكن هناك أي حديث عن انضمام ايران الى اللجنة الخماسية (التي تصبح سداسية في حال انضمت اليها ايران)، كما شدد الطرفان على الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية.

اما بالنسبة الى اللجنة الخماسية، فأكدت أوساط سياسية لموقع “لبنان الكبير” أنه كان من المفترض أن تحصل مجموعة لقاءات بين سفراء الدول الخمس والقوى السياسية في لبنان هذا الأسبوع ولم تكن المواعيد محددة وثابتة، فتم تأجيلها بضعة أيام الى حين ينتهي السفراء الجدد، لا سيما السفيرة الأميركية، من الترتيبات البروتوكولية التي يقومون بها بعد تقديم أوراق اعتمادهم في لبنان وانطلاق مهامهم الديبلوماسية، وبعدها سيتفق السفراء على مواعيد جديدة. وأشارت المعلومات الى أن السفراء كانوا سيعقدون هذه اللقاءات، وحكماً سيعقدونها لنقل أجواء اللجنة الخماسية وسيكون المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان حاضراً لترتيب المعايير التي وضعها اللبنانيون، وبعد انتهاء الاجتماع الذي سيحصل خارج لبنان، سيزور بيروت لوضع القوى السياسية في أجواء هذه المعايير ويحثهم على انتخاب رئيس وتحديد جلسة واحدة مفتوحة بدورات متتالية، على أن تسبقها مشاورات سياسية بين القوى سيدرس شكلها في المرحلة المقبلة، تسهل إمكان التوافق على رئيس، وحكماً لودريان لا يزال ينطلق من معادلة المرشح الثالث بعيداً عن مرشحي الأطراف، لأن الجلسة الأخيرة للانتخاب وما جرى بعدها، أثبتا صعوبة وصول المرشحين الأخيرين وأن يكونا مرشحي توافق بين كل اللبنانيين.

وتمت مواكبة هذه الحركة للجنة الخماسية والسفير السعودي بمواقف إيجابية من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي حث على استقبال الموفدين الدوليين، وعلى فصل الاستحقاق الرئاسي واسم الرئيس عن أحداث غزة، فمن واجب اللبنانيين التعاطي بإيجابية مع الفرصة الجديدة.

وعلم “لبنان الكبير” أن السفير بخاري، سيرد الزيارة للسفير الايراني، خصوصاً أن العيد الوطني لبلاده قريب، ويحلّ في الأسابيع المقبلة، وليس غريباً أن يكون السفير السعودي ضيفاً في النشاطات التي تدعو اليها السفارة الايرانية، ولا أن يحضر السفير الايراني النشاطات التي تدعو اليها السفارة السعودية.

وفيما استمرت السخونة في الحدود الجنوبية على حالها، بين قصف إسرائيلي بعشرات القذائف والصواريخ على القرى الحدودية وعمليات “حزب الله” تجاه المواقع وتجمعات الجنود الاسرائيليين في الأراضي المحتلة، أعلن عضو مجلس الحرب الاسرائيلي بيني غانتس أن إسرائيل تقترب من مرحلة يتعين عليها فيها التحرك في عمق الأراضي اللبنانية.

وأشار غانتس في بيان، إلى أنه أبلغ وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو هذا الموقف خلال لقائه به، موضحاً أنه ناقش معه التطورات على الحدود الشمالية والهجمات المتكررة لـ “حزب الله”.

وقال غانتس: “أخبرت لوكورنو أننا نقترب من مرحلة سيُطلب منا فيها التحرك على نطاق واسع في عمق الأراضي اللبنانية من أجل وقف التهديد لمواطنينا وإبعاد حزب الله عن المستوطنات على الحدود”.

وفي غزة، اشتد القصف الاسرائيلي على خان يونس بصورة كثيفة واندلعت اشتباكات عنيفة بين جنود إسرائيليين ومقاتلين من حركة “حماس” قرب “جامعة الأقصى” و”مستشفى ناصر” في خان يونس.

وأفادت حركة “حماس” التي اتهمت الجيش الاسرائيلي باستهداف خمس منشآت تضم ثلاثين ألف نازح، بأن “120 شخصاً” قتلوا في المناطق المذكورة “في الساعات الـ 24 الأخيرة”. في حين قال الجيش الاسرائيلي انه سيطر على مراكز قيادة لـ “حماس” في خان يونس.

وقد أعادت الحرب الدائرة احياء الحديث عن “حل الدولتين” الذي أمضى وسطاء من أجل السلام، عقوداً من الزمن متشبثين بفكرة أن الفلسطينيين والاسرائيليين يمكنهم العيش جنباً إلى جنب في دولتين منفصلتين ذات سيادة. إلا أن الانقسامات الفلسطينية – الفلسطينية وجنوح إسرائيل نحو اليمين المتطرف ورفض قادتها أي وجود لدولة فلسطينية وملل العديد من دول العالم من صراع متواصل منذ 75 عاماً، حوّل الفكرة على مدى العقود الماضية الى وهم.

وقد اصطدم الأوروبيون بالرفض الاسرائيلي للنظر في حل الدولتين الذي يعتبرونه ضرورياً لتحقيق السلام الدائم. وأكد مسؤول الشؤون الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل خلال اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين مع الوزير الاسرائيلي يسرائيل كاتس أن “ما نريده هو بناء حل الدولتين. دعونا نتحدث عن ذلك”.

وقال الوزير الاسرائيلي إنه جاء إلى بروكسل لضمان الحصول على الدعم الأوروبي في الحرب التي تخوضها بلاده من أجل “تفكيك” حركة “حماس” والإفراج عن الرهائن الذين ما زالت تحتجزهم في قطاع غزة الغارق في حرب مدمرة. وعرض مقطعي فيديو على الوزراء أحدهما عن مشروع إنشاء جزيرة صناعية لتكون بمثابة ميناء لغزة، والآخر يتعلق بخط للسكك الحديد لربط إسرائيل بالهند.

وعقب بوريل بقوله للصحافيين من دون أن يخفي انزعاجه: “كان بإمكان الوزير أن يستغل وقته على نحو أفضل وأن ينشغل بأمن بلاده وارتفاع عدد القتلى في غزة”. وقال: “الوضع الإنساني لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه” في غزة. واعتبر أن إسرائيل لا يمكنها بناء السلام والاستقرار “بالحرب وحدها”، متسائلاً: “ما هي الحلول الأخرى التي يفكّرون فيها؟ دفع جميع الفلسطينيين الى الرحيل؟ قتلهم؟ الاسرائيليون يزرعون بذور الكراهية لأجيال قادمة”.

وتضع الحرب في غزة حل الدولتين على المحك. الأسبوع الماضي، كرّر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه أي سيادة فلسطينية، حتى مع إصرار حليف إسرائيل القوي الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي على التأكيد أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي، إلا أن نتنياهو يصر على السيطرة الأمنية الاسرائيلية على كل المناطق التي يمكن أن تشكل الدولة الفلسطينية وهو أمر سيجعل من حل الدولتين أمراً صعباً. ويختلف المحللون حول إمكان التوصل إلى هذا الحل، البعض يرى الحرب فرصة لفرضه، فيما البعض يستبعد حصوله بسبب هواجس إسرائيلية.

شارك المقال