توازن ردع جديد في المنطقة… هل الـ 1701 “جائزة ترضية” لنتنياهو؟

لبنان الكبير / مانشيت

عاش الشرق الأوسط، ومعه العالم، ليلة صعبة، ليل السبت – الأحد، بانتظار سقوط الصواريخ والمسيّرات الايرانية على إسرائيل، في الرد المنتظر “المشروع” على ضربة القنصلية بدمشق قبل أسبوعين، لمعرفة طبيعة الهجوم وحجمه وأهدافه والخسائر التي سيوقعها، لتقدير الرد الاسرائيلي وما اذا كانت المنطقة سقطت في هاوية “حرب عالمية مصغرة” يلوح شبحها منذ “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول 2023.

وبعيداً عن المواقف المسبقة، الناشئة من الاصطفاف اياه بين الممانعة وأعدائها، التي رأت فيها إما نصراً مبيناً أو خيبة مضحكة تامة، فإن قراءة هادئة توصل الى أن طهران نجحت في فرض معادلة ردع معقولة مع اسرائيل “المتفوقة تكنولوجياً” والتي انخرط معها الغرب بكل قواه لإحباط الهجوم.

وحاذرت طهران تجاوز “خطوط حمر” لئلا تعطي حجة للرد عليها. ونرى التحركات حالياً تركز على الاحتواء الديبلوماسي للمضاعفات، بأمل ألا يتهور بنيامين نتنياهو بعمل عسكري يشعل المنطقة، أو يلهب حربه على لبنان لينفذ مآربه بخصوص الـ1701، في لحظة يشعر فيها بدعم غربي كامل.

وعلى الرغم من الدعوات التي يطلقها مسؤولون ووزراء إسرائيليون للرد بقوة على الهجوم الايراني، إلا أن التوقعات في إسرائيل لا تشير إلى احتمال تنفيذ ذلك وستظل خيارات الرد محدودة بما لا يؤدي الى إشعال المنطقة وتوجيهها إلى حرب إقليمية وفق ما يتحدث به صنّاع القرار في إسرائيل خلف الكواليس.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” إنها علمت من مصادر رفيعة ومطلعة أن من غير المتوقع أن يتضمن الرد الاسرائيلي على الهجوم الايراني غير المسبوق خطوة حربية في إيران نفسها، بل تحركات مشابهة لتلك التي سبق أن نسبت إلى إسرائيل في الماضي، وهي مرتبطة بالصراع غير المعلن في البرنامج النووي وتكثيفه في دول المنطقة، مثل عمليات الاغتيال المحدودة.

وأشارت الصحيفة الى أن الضغوط الأميركية واضحة على إسرائيل لمنع جر المنطقة إلى حرب إقليمية، مضيفة: “يقدر المسؤولون الاسرائيليون أن الرد الاسرائيلي لن يأتي على الفور”.

وكان مسؤولون إسرائيليون دعوا إلى هجوم قوي على إيران، وقال وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ان المطلوب هو تنفيذ هجوم ساحق على إيران.

ويرسم محللون عدة سيناريوهات للرد بعد الهجوم الايراني الذي وقع بأكثر من 300 طائرة مسيرة وصواريخ كروز، تم إسقاط 99% منها في الأجواء. لكن تبقى الولايات المتحدة هي العامل الحاسم في تحديد السيناريوهات القادمة وهي غير معنية بإشعال المنطقة وبالتالي ستكون بمثابة الفرامل التي تتحكم برد الفعل الاسرائيلي، خصوصاً أن حرباً إقليمية لن تكون لمصلحة جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني، بحسب غالبية المراقبين.

وبين السيناريوهات أن ترد إسرائيل بالطريقة الايرانية نفسها، بحيث تنفذ هجمات صاروخية يمكن لطهران تحملها ولا تؤدي إلى خسائر كبيرة. أما السيناريو الآخر فهو أن يكون الرد غير عسكري مثل الهجمات السيبرانية، فيما يقفز سيناريو ثالث يتمثل في تنفيذ عمليات اغتيال محدودة.

والسيناريو الأخطر هو أن يدير نتنياهو ظهره للعالم وينفذ هجوماً واسعاً وقوياً ضد إيران يؤدي إلى إشعال المنطقة، لكنه يظل السيناريو الأضعف لأن الأمر ليس بيده وحده فالولايات المتحدة تعمل بثقل كبير لمنع أي تصعيد كبير، والادارة الأميركية تمتلك بالفعل القدرة على التأثير على الموقف الاسرائيلي.

ولا بد من التأكيد هنا أن كل العمليات الدفاعية ضد الهجوم الايراني كانت منسقة بالكامل بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن المحلل السياسي الاسرائيلي بن درور يميني يذهب في مقال له نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى توقع خيارات أكبر بحيث تستغل إسرائيل الفرصة للقضاء على التهديد الايراني المعلن دوماً بالقضاء على إسرائيل.

وقال يميني: “إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعلن مراراً وتكراراً أن هدفها هو القضاء على دولة أخرى، إنها لا تتحدث فقط، هي تفعل ذلك أيضاً، ولعقود من الزمن ظلت إيران رأس الحربة في محور الشر”.

وبحسب يميني فإن إسرائيل فشلت في محاولتها منع إيران من حيازة الأسلحة النووية، وهو ما يعني أن التهديد سوف يتفاقم في الأعوام المقبلة، وستشعر إيران بأنها أقوى بكثير، معتبراً أن “ليس هناك ضرورة لانتظار إيران النووية حتى ندرك أن الضرر قد وقع بالفعل”.

وحذر من السيناريو الأسوأ وهو أن تلجأ إيران إلى استخدام كل قوتها العسكرية ضد إسرائيل، مشيراً الى أنه “على الرغم من الدفاع الجوي الممتاز، سيكون من الصعب بعض الشيء التعامل مع 150 ألف صاروخ وقذيفة يتم إطلاقها، والضرر الذي سيلحق بإسرائيل سيكون من الصعب استيعابه”. ودعا إلى وضع سيناريو آخر يتمثل في توجيه ضربة قاتلة الى الاقتصاد الايراني، من خلال شل حقول النفط.

وسط كم السيناريوهات يمكن ببساطة تسجيل حقيقة عودة اسرائيل الى وضع “المحظية الأكثر دلالاً” للمعسكر الغربي، بعد الالتباسات التي سببتها المجازر البشعة في قطاع غزة، لتتراجع الحرب فيه الى أدنى سلم الأولويات الدولية الغربية، مع مراعاة نتنياهو عدم الحركشة بـ”وكر الدبابير” في رفح فلا يضع العالم مجدداً أمام استحقاقي الإبادة أو الترحيل ليقلب الكيان الاقليمي رأساً على عقب.

في المقابل، قد يفترض نتنياهو أن القرار 1701 هو “جائزة ترضية” معقولة له لإعادة تدويره وتحريك حدوده بالعمق اللبناني، فيخرج بإنجاز يقيه الذل بل الاعدام السياسي مع التحول المخيف في الطبيعة السياسية للكيان الاسرائيلي باتجاه التطرف اليميني الذي تدفع ثمنه الضفة الغربية أيضاً.

شارك المقال