كانت دعوة شخصية أكثر منها رسمية، لذلك كانت في بيت بني غانتس. ذهب أبو مازن، محملاً بنقاط محددة ومحدودة بعدما اجتمع في رام الله مع مستشار الامن القومي الأميركي جيك سوليفان، وعدم تنفيذ وعود إدارة جو بايدن، بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة.
لم يكن اللقاء مخططاً له، لكنه فُرض وفقاً لواقع الميدان والتحولات في الإقليم. يلعب غانتس، رجل واشنطن في حكومة بينيت، الفرصة الأخيرة ليظهر بشخصية قوية بعد التخبط في طرق التعامل مع الملف الإيراني. والأهم يريد استمالة السلطة الفلسطينية وأجهزتها عبر بعض التسهيلات الاغراءات. أما الرئيس الفلسطيني فيريد فتح ثقب في جدار الجمود السياسي، ولا سيما بعد الوصول إلى طريق مسدود في مخطط التسوية وتهشيم مشروع “حل الدولتين”.
بعيداً عن الظنون ورسم سيناريوات لقاء استمر لساعتين ونصف، يبقى الواقع هو أساس التحليل بعيداً عن الاتهامات وسياقاتها. ولذلك، لا بد من معرفة أن قراراً سيصدر من مقر المقاطعة في بداية العام الجديد ومع اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير يسبق القمة العربية في الجزائر، يفيد بأن التكتيك سيتغير. كان أبو مازن دعا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سلطات الاحتلال إلى الانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، في غضون عام واحد. يعرف الرئيس الفلسطيني أن هذا الانسحاب لن يحصل، لذلك ألمح إلى مسألة الدولة الواحدة. أما ميدانياً فيرتفع السخط الفلسطيني من المستوطنين والإجراءات الإسرائيلية ولا سيما مع ارتفاع وتيرة الاستيطان والقتل المستمر. وكان الرد الفلسطيني 12 عملية إطلاق نار وطعن ودهس خلال الأسبوع الأخير. ويشير ارتفاع العمليات الفردية، إلى أن المزاج الفلسطيني اتخذ خيار المواجهة وهذا ما حدث في قرية بُرقة. والأخطر على الاحتلال، أن أجهزته الأمنية لم تستطع توقع هذا التصعيد ولم تعرف كيفية التعامل معه.
يحاول أبو مازن احداث خرق في الانسداد السياسي، لكن ذلك صعب جداً في واقع إسرائيلي يتزايد فيه اليمين ويتحكم به المستوطنون. والقرار ليس بيد غانتس، ولن يكون. ويكفي تصفح ردود الفعل الإسرائيلية الحزبية والحكومية على هذا اللقاء لإدراك أن دولة الاحتلال ورئيس حكومتها الحالي نفتالي بينيت، والسابق بنيامين نتنياهو، لا يمكن التعامل معهم بمنطق سياسي مصالحي.
تؤكد التجربة أن المحتل لا يقدم تنازلاً، إذا اعتبرناه تنازلاً، إلا إذا أوجعته بالطرق المتعددة. ولعل هذا اللقاء هو الأخير قبل الانفجار الكبير في كل فلسطين وليس في الضفة وحدها. وهذا الانفجار امتد فتيله منذ نهاية انتفاضة الأقصى، والآن ينتظر الاشعال لا أكثر. وتكفي مفاجأة فلسطينية واحدة لتكون الشظايا في كل مكان، وحينها سيقول لهم أبو مازن وغيره: لقد حذرتكم وأمهلتكم.