الفراغ يغتصب المؤسسات… القطري بعد الفرنسي لا يبشّر بالحل

لبنان الكبير

جريمة اغتصاب بشعة هزت الرأي العام اللبناني أمس، قاصر استدرجتها فتاة ليتم تعذيبها واغتصابها من صديقها، وتصوير الواقعة بالفيديو ونشرها، وكأن المجرمين يتباهون بفعلتهم، لكن القوى الأمنية مشكورة تمكنت من القبض على الفاعلين، وسط مناشدات تطبيق أقصى العقوبات بحقهم.

ومن الجريمة بحق قاصر، إلى الجريمة بحق وطن بأكمله، حيث يغتصب الفراغ مؤسسات الدولة، والقوى السياسية تقف متفرجة على دولة بلا رأس منذ ما يقارب السنة، في الذكرى الثالثة بعد الـ ١٠٠ على تأسيس الوطن، لبنان الكبير.

بلا رأس يهيم جسد الوطن في ظل الإمعان في التعطيل، ولا يبدو أن الموفدين من الأصدقاء الدوليين سيتمكنون من النجاح في مهمتهم. فبعد الموفد الفرنسي، ها هو الموفد القطري يلمس التعنت لدى الفرقاء اللبنانيين، هو الذي يجول ويفاوض بعيداً عن أعين الاعلام، ولا تخرج من جولاته إلا تسريبات، لا تبشر بقرب حل الاستحقاق الرئاسي، بل يبدو أن الفراغ باقٍ ويتمدد.

وسط هذه الأجواء، يظل الملف الأكبر والذي أصبح يشكل خطراً وجودياً على الكيان اللبناني، النزوح السوري، في ظل لامبالاة من المجتمع الدولي حول تأثيره على لبنان وشعبه، بل ان كل ما يهم بعض الدول هو أن لا ينهار لبنان نهائياً ما يتسب بموجة نزوح جديدة إلى أوروبا، علماً أن لبنان تصله فتات المساعدات للتعامل مع تأثيرات هذا النزوح، وبوضوح قال المتحدّث الاقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية سامويل وربيرغ: “إن الولايات المتحدة لا تعتبر أن الظروف اليوم مؤاتية لعودة النازحين السوريين الى بلادهم”.

هذا التصريح علّق عليه جهاز العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية” في بيان أشار فيه الى أنه “بعد توقف المعارك الحربية على مجمل الأراضي السورية وبعد الفرز الواضح بين مناطق خاضعة للنظام السوري أو لحلفائه ومناطق خاضعة للمعارضين أو أخصام النظام، باتت الامكانية متوافرة لعودة السوريين الموجودين في لبنان الى واحدة من هذه المناطق”.

ولفت الى أن “عدد اللاجئين السوريين الفعليين والخائفين على حياتهم من النظام بات يعد بالآلاف مقارنة مع عدد المهاجرين السوريين غير الشرعيين والوافدين الجدد الذين بات مجموع عددهم يناهز المليون ونصف المليون سوري موجود على الأراضي اللبنانية بصورة غير قانونية وغير شرعية”، معتبراً أن “الشعب اللبناني لا يمكنه انتظار الحل السياسي في سوريا للبدء بإعادة السوريين الى بلادهم، فالبنى التحتية معدومة والوضع السياسي والاقتصادي والمعيشي والديموغرافي يرقى الى أزمة لبنانية وجودية كيانية حقيقية”.

من النازحين السوريين إلى مخيمات اللجوء الفلسطيني، وفيما يبدو أن الهدنة التي رعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مخيم عين الحلوة مستمرة حتى اللحظة، أنجزت القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة أمس انتشارها في المخيم من دون أي اشكالات. وكان المخيم شهد عند الأولى من بعد الظهر، خطوة عملانية على طريق تنفيس الاحتقان الذي عاشه اثر الاشتباكات الأخيرة التي شهدها، وتمثلت في انتشار القوة في منطقة الصفصاف – الرأس الاحمر – الطيري وسنترال البراق وهي مناطق كانت تعد خطوط تماس بين طرفي النزاع داخل المخيم حركة “فتح” و”تجمع الشباب المسلم” وشهدت أعنف الجولات القتالية بينهما.

وفي شأن متوتر آخر، وفي تأجيل مفاجئ، أرجأت محكمة التمييز العسكرية جلسة محاكمة المتهمين في أحداث خلدة الى ١٦ تشرين الأول المقبل وذلك بسبب تغيب المحامي أنطوان سعد وكيل الدفاع عن متهَمَيْن في الملف. وأرسل سعد محامياً متدرجاً مع العلم أن محكمة التمييز لا تقبل وكالة المحامين المتدرجين أمامها. وقد انتظرت المحكمة وصول سعد لمدة أربعين دقيقة تقريباً، وعندما وصل كانت الجلسة قد أرجئت. هذا التغيب، أثار امتعاضاً لدى الأهالي وبعض المحامين في الملف.

سياسياً، الأمور على حالها، فقد جدد “حزب الله” تمسكه بمرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وأشار رئيس المجلس السياسي للحزب السيد إبراهيم أمين السيد خلال لقاء حواري سياسي في البقاع إلى أن “هناك محاولات خارجية مع بعض الداخل للتوصل إلى إنتخاب رئيس يرضى به الجميع، ونحن نتابع ما سينتج عن جولة الوفد القطري، مع التأكيد أن موقفنا حتى الآن دعم ترشيح الوزير فرنجية”.

ولكن اللافت هو تودد السيد إلى السعودية، بالاشارة إلى ارتباط الملف اللبناني بالملفات الإيرانية في الخارج، وقال: “لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جدية في الحل للحرب على اليمن، وهذا ما علمناه من جهات متعددة، وهناك ملفات إنسانية لها علاقة بالأسرى والرواتب وفك الحصار والمطار والمرافئ، بالاضافة إلى ملفات سياسية لم يكشف عنها، فمحادثات وفد صنعاء الأخيرة في الرياض، تختلف عن سابقاتها”.

وفي ظل ما نقل من كلام قاله المعاون السياسي للأمين العام لـ “حزب الله” حسين الخليل للموفد القطري أبو فهد بن جاسم آل ثاني بأن مرشح الحزب أولاً وثانياً وثالثاً هو سليمان فرنجية، علّق عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبدالله على ذلك بالقول: “الحزب الاشتراكي كان أول من دعا الى الحوار وتكلمنا بداية مع حزب الله ودعوناه الى الخروج من دائرة مرشح التحدي وما زلنا على موقفنا”.

أضاف عبد الله في حديث اذاعي: “نعتبر أن هناك فريقا آخر في لبنان يجب احترام رأيه والتسليم بأن لا أحد يستطيع فرض رئيس في لبنان”، وسأل: “هل يتحمل لبنان أجواء مرشح تحد؟ وحتى لو وصل هذا المرشح كيف سنشكل حكومة؟”، معتبراً أنه “اذا كان المطلوب حكومة إنقاذ سريعة بقرارات جريئة لتحافظ على ما تبقى من البلد، فهي بحاجة الى جو من التوافق الوطني”.

وأكد عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم أن “الخلاف في الثقافة السياسية والمفاهيم والقناعات عميق جداً بين طرف الممانعة الذي يشل البلد، ويريد أن يكون بأمرته وإدارته وبين الفريق السيادي المعارض الذي لن يتراخى لأن أي تراخٍ يعني انتهاء لبنان. ومن هذا المنطلق، المسؤولية في معظمها تقع على عاتق رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يمتنع عن الالتزام بالدستور، وبمجرد الدعوة الى جلسة انتخابية بدورات متتالية، ننتخب رئيساً للجمهورية”. ورأى أن “كل الأمور واردة، والمعركة كبيرة وعميقة جداً، لذلك تتخذ أصداء اقليمية ودولية”.

شارك المقال