فيروز ونور الهدى ووديع مدحوا الرسول إنشاداً وغناءً

زياد سامي عيتاني

لبنان بلد التعدد، والتعايش، والانصهار بين مختلف أبنائه بكل طوائفهم، ما كان يجعلهم يتشاركون المناسبات والأعياد الدينية، بكل بهجة وسرور، كتعبير عن الألفة والمحبة التي تجمعهم في أبهى مظاهرها. وخير شاهد على ذلك وجود المساجد والكنائس في المنطقة الواحدة، بحيث تقرع أجراس الكنائس في الوقت الذي يرفع الآذان من مآذن المساجد في مشهد عفوي يعبّر عن وحدة المجتمع اللبناني.

وهذه الظاهرة الحضارية الراقية، إنسحبت على الوسط الفني اللبناني، خصوصاً الفنانون من زمن العمالقة، الذين كانوا ينشدون الأغاني ويؤدونها في المناسبات الدينية، بغض النظر عن الانتماء الديني لهذا الفنان أو ذاك. وبمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، لا بد من نبش كنوز المكتبة الفنية اللبنانية، لاستعادة أعمال فنية من وحي المناسبة لثلاثة من عمالقة الغناء اللبناني، وهم: فيروز ووديع الصافي ونور الهدى، الذين وعلى الرغم من إعتناقهم الديانة المسيحية، الا أنهم قدموا أعمالاً فنية إسلامية للمناسبة، مدحوا فيها الرسول بصدق وورع.

فيروز:

قدمت سفيرتنا إلى النجوم فيروز في خمسينيات القرن الماضي “الانشودة النبوية”، بمناسبة ذكرى المولد النبوي، من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي وألحان الموسيقار توفيق الباشا، وتم التسجيل في إذاعة “الشرق الأدنى”. إلا أن ما يؤسف له، أن تسجيل الأغنية غير متوافر، بحيث فقد مع إقفال الإذاعة عام 1956، عقب العدوان الثلاثي، باعتبار أن الاذاعة بريطانية، ناطقة باللغة العربية. كما قدمت فيروز من وحي المناسبة أيضاً، حواراً غنائياً لاذاعة دمشق، من كلمات وألحان الأخوين رحباني، بعنوان: “حليمة السعدية” (مرضعة الرسول). وتضمن العمل الذي بلغت مدته حوالي نصف ساعة، حواراً تمثيلياً وأغاني. وفي نهاية البرنامج، أنشدت فيروز بمشاركة الكورس مديحاً، جاء فيه: هذا اليتيم لا يمسه المعتدون، هذا اليتيم لا يطوله الحاسدون، هذا اليتيم يوحد العرب ويحمل الحق والهدي والحب والبر والصدق، هذا اليتيم للمدى ينشر الضياء، هذا اليتيم عمره البشر والسناء، مولده الخير والخير نجواه مولده البكر والله يرعاه هذا اليتيم هو النبي الكريم. كذلك مدحت فيروز الرسول في ذكرى المولد النبوى الشريف عام 1953 في إذاعة “الشرق الأدنى” بقصيدة “الهجرة” لإبن جبير الأندلسي (رحالة وشاعر وأديب)، بعدما لحنها الأخوين رحباني، وفيها: “جرى ذكر طيبه ما بيننا فلا قلب في الركب إلا وطار حنينا إلي أحمد المصطفى وشوقا يهيج الضلوع استعارا ولما حللنا فناء الرسول نزلنا بأكرم خلق جوار وقفنا بروضة دار السلام نعيد السلام عليها مرارا إليك إليك نبي الهدى ركبنا البحار وجوبنا القفار دعانا إليك هوى كامن أثار من الشوق ما قد أثار”.

نور الهدى:

إسمها الحقيق ألكسندرا بدران، تعتبر من أكثر المطربات العربيات اللواتي قدمن أغاني دينية إسلامية، على الرغم من ديانتها المسيحية، بحيث توزعت أعمالها بين السينما والإذاعة والأسطوانات، فضلاً عن الحفلات الحية. وتميزت أغانيها الدينية الاسلامية بأنها تناولت مختلف المناسبات والأعياد الاسلامية، ويمكن وصفها فعلاً بأنها غطتها جميعاً بصوتها المميز. “رتلوا آي الكتاب” قصيدة غنتها نور الهدى من أشعار الصاوي شعلان وألحان رياض السنباطي، ومدحت فيها الرسول قائلة: “رتلوا آي الكتاب المنزل وانشدوا في المجد أعلى منزل فهو ميراث النبى المرسل سيد الأكوان شمس المرسلين شرعة الحق ونبراس الوآم هو للدنيا وللآخرة سلام وحيه بعث لأجيال الأنام”. كما قدمت نور الهدى مجموعة من الابتهالات، منها: “يا خالق الطيوب” و”يا رب يا رحمن يا مبدع الأكوان” و”يا مدبر الكون” و”مزيدا من النور يا خالقي” و”قد دعوناك يا سميع الدعاء” و “سبحان ربي العليم”. وعن الحج قدمت أربع أغاني هي: “مبروك يا حاج وعقبالنا نحجها ويرتاح بالنا” كلمات حسن توفيق و ألحان عبد العزيز محمود، و”نادتنا لبيك يا ربنا لبيك وعلى جبل عرفات يارافع السموات وقفنا ونقول لبيك” من كلمات محمد على فتوح وألحان شفيق أبو شقرا، وقصيدة “موكب النور” التي تقول فيها: “نادى من الغيب الندى وانساب في صحو العبير يدعو إلى حرم الهدى يدعو الحجيج إلى المسير”. ومن أعمالها التي قدمتها في السينما أغنية “تباركت يا رب من خلق صنعت فأبدعت أبهى الصور” من كلمات فتحية شريف ألحان رياض السنباطى، و”يا رب سبح بحمدك كل شيئ حي” من أشعار بيرم التونسى ومحمد الكحلاوى، وأغنيتها المشهورة “هل هلال العيد عالإسلام سعيد” شعر بيرم التونسى وألحان فريد الأطرش.

وديع الصافي:

قدم المطرب الكبير وديع الصافي قصيدة تحمل إسم “مكة” لحن كلماتها بنفسه، التي هي من أشعار حسن عبد الله القرشي، تقول بعض أبياتها التي تتضمن إشارة إلى النبي الكريم: تهادى على راحتيها الصباح وشعشع في شفتيها القمر وأزهت بها الشمس فوق البطاح وجن بها الليل حلو الصور وفيها انجلى الحق للعالمين وفاض الضياء وانتشر بها كعبة الله طافت بها قلوب تحن وأزهت عصر فيا جبل النور كم ذا شهدت من المعجزات وكم ذا ظهر تحدت ففي الغار شع اليقين وقد تفلق الذكريات الحجر. بعدها قدم الصافي أيضاً من ألحانه قصيدة عن شهر الصيام “رمضان” من شعر موفق شيخ الأرض. وتقول بعض أبياتها: “هامت الروح ورقت أعين وتسامت بالأماني أجفن وعلى الدنيا صلاة كبرت مقرئ يتلو وشعب مؤمن صائمو الشهر والتقوى رؤى عابقات طاب فيها الشجن. وقدم وديع الصافي هذه القصيدة في إحدى حفلاته في “دار الأوبرا” المصرية مع مجموعة من الإبتهالات الدينية.

ولا بد في هذا السياق أخيراً، من التذكير بأن فيروز غنت عام 1966 قصيدة الشاعر الكبير سعيد عقل “غنيت مكة”، بعد أن لحنها الأخوين رحباني، في سابقة عبرت عن صدق مشاعر التعايش والتلاحم بين مختلف أبناء الطوائف اللبنانية، خصوصاً وأن فيروز هي من طلبت من عقل كتابة القصيدة خصيصاً، لكي تغنيها.

شارك المقال