الفقر يولّد مهنا جديدة في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

ما زال المواطن إبراهيم الحسن ينتظر فرصة عمل تنتشله من العوز من دون أيّ حلول أو آفاق تُذكر…53 عامًا قضاها إبراهيم وهو يبحث عن عمل، ينتقل من مهنة إلى أخرى، ويطمح في إيجاد وظيفة ثابتة يعتاش منها هو ووالدته التي يعيش معها في بيتٍ بسيط في طرابلس.

لم يتزوج إبراهيم، ولم يرغب في الزواج في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة، ولم يرغب في إنجاب أطفال خوفًا عليهم من مستقبل غامض ومظلم.

ولا يُخفي إبراهيم أنّ بقاءه حيًا حتى اللحظة كان بسبب الصدقات والمساعدات التي يحصل عليها بين الحين والآخر. ولا ينكر محاولاته الحثيثة والمتكرّرة في إيجاد مهنة مناسبة كما اللجوء إلى نواب المدينة ووزرائها لمساعدته أو لتوظيفه.

“لم يتزوج إبراهيم، ولم يرغب في الزواج في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة، ولم يرغب في إنجاب أطفال خوفًا عليهم من مستقبل غامض ومظلم”

إنتقل إبراهيم من مهنة إلى أخرى، وصولًا إلى فكرة جديدة ابتكرها ليتمكن من خلالها تأمين لقمة عيشه يوميًا. إذ لجأ إلى ميزان قديم لقياس الوزن لديه ما زال يعمل وفي أفضل حالاته، فحمله الى ساحة التل ليقيس وزن من يرغب من المارة ، وذلك لقاء بدل مالي زهيد يكاد لا يذكر وهو 500 ليرة أو ألف ليرة.

يقول إبراهيم لـ” لبنان الكبير”: “كنت أعمل في جمعية تطوعية، ثم انتقلت للعمل في بيع الصابون والمنظفات، والآن أعمل عتالا في ساحة التل، بالإضافة إلى قياس أوزان الناس”.

يُضيف:” لقد خابت آمالنا وظنوننا بالطبقة السياسية الحاكمة بشكلٍ عام، كما بنواب المدينة بشكلٍ خاص، فحين انتخبنا كنا على أمل في إحداث أيّ تغيير اجتماعي واقتصادي يُساعد المواطن لا يكسره، يُسهم في إعادة الحياة لأحيائنا ومرافقنا الاقتصادية والاستثمارية لا أن يُميتها بشكلٍ دائم خدمة لمصالحهم الشخصية، وكنتى أتمنى أن يُؤمنوا فرص عمل لنا ولشبابنا على الأقلّ ولكن للأسف دمروا طرابلس والطرابلسيين، وأهلكوا المدينة بكلّ قواها”.

ليس إبراهيم وحده من يُواجه الأزمة بمهنة جديدة أو غير مسبوقة على السوق، إذ يسعى حسن (12 عامًا) إلى تأمين لقمة عيش أهله من خلال العمل بالمنظفات، ولكنه لا يبيعها بالشكل الذي كانت تجري عليه العادة مسبقًا أيّ بعبواتها الأصلية، بل يقوم بتعبئة أنواع من المنظفات (سائل الجلي، سائل غسيل الملابس)  في عبوات بلاستيكية صغيرة ويقوم ببيعها للناس، وينتقل من مبنى إلى آخر، ويدقّ الأبواب طالبًا شراء المنتجات التي يحملها وهي لا تتجاوز الـ3000 ليرة مع إمكانية التفاوض.

ولا يُخفي حسن خوفه من الناس الذين يقوم بدقّ أبوابهم، فهو لا يعرفهم ولا يُدرك نتائج ما قد يفعله، ولكنه يُؤكّد أّلّا سبيل للعيش إلا بهذه الطريقة، فهو يخاف على والدته المريضة وأخته راغدة (4 سنوات) في ظلّ غياب الأب الذي يقوم حسن بدوره بكلّ ما بوسعه.

يقول حسن عن والده: “كان ظالمًا ومعنفًا قاسيًا، وفي ليلة وضحاها غادر المنزل ولم يعد، وبعد سنتين سمعنا أنّه تزوج وغادر لبنان، وحتّى اللحظة لم نسمع عنه أخبارًا ولم يتصل بنا للاطمئنان علينا، ما دفعني إلى العمل، فإذا لم أعمل وأجتهد… كيف سيعيش أهلي؟” مشيرًا إلى عجزه عن الذهاب إلى المدرسة بسبب ظروفه التي يُواجهها.

“حسن (12 عامًا) يدق على البيوت لبيع المنظفات ليعيل أمه وأخته الصغيرة بعدما هجر الأب الظالمً والمعنفً العائلة وتزوج مجددا وسافر الى خارج البلاد” 

انعكست الأزمة الاقتصادية على كثير من أبناء طرابلس والشمال، إذ أقبل البعض منهم على ممارسة مهن جديدة على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تضخمت مع انتشار وباء كورونا وإقفال البعض لمحلّاتهم، فضلًا عن إفلاس آخرين، وكانت آفة البطالة هي مصيرهم مع تردي الأوضاع.

وتنتشر في شوارع الشمال مشاهد للعشرات من الأفراد الذين يبحثون عن مصدر رزقهم، ليلجأ البعض منهم إلى ابتكار أساليب جديدة قد يستفيدوا منها وقد تُؤمّن لهم بعض المنافع المالية التي حرموا منها بسبب الكثير من الأزمات التي واجهتها مدينة طرابلس.

الأزمة في طرابلس ليست وليدة اللحظة، إنّما هي استمرار مجموعة من الأزمات والمشكلات التي دفعت بالمدينة لتكون من أفقر المدن على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ولا ننسى الاشتباكات العنيفة التي خاضتها طرابلس والتي أضعفت المدينة وجعلتها صندوق بريد لتبادل رسائل سياسية  ما زالت تدفع ثمنها عاصمة الشمال… ومع مرور السنوات، تتضاعف حدّة الأزمات وعلى الرّغم من تداعياتها، يُبدي الطرابلسيون رغبة في العيش وتحدّي الظروف القاهرة مهما بلغت من شدّة وصلابة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً