سياسة روسيا في المنطقة بين الانتهازية والقيود

حسناء بو حرفوش

كيف توصّف السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ “انتهازية ولكن خاضعة لقيود” هي خلاصة مقابلة لأندرو وايس من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وفريدريك ويري المتخصص بالنزاعات المسلحة في مقابلة بموقع مركز “كارنيغي” (Carnegie) للشرق الأوسط.

ثنائيات ومفارقات في الدور الروسي

ويسطر الباحثان في المقابلة “بعض الثنائيات والمفارقات في الدور الروسي في المنطقة بعدما عادت روسيا بقوة للشرق الأوسط، لكن مع قيود واضحة مفروضة عليها. وغالباً ما تنصب جهود الكرملين على إثبات أن روسيا تفرض نفسها مجددا كقوة عظمى حقيقية على المسرح العالمي (…) ولكن هناك أيضًا أصداء واضحة لفترات سابقة. في هذا السياق يقول أرنولد هوريليك، أحد أكثر الخبراء الغربيين دراية بالسياسة الخارجية السوفياتية في العام 1971، “استلهم تطور سياسة [موسكو] في الشرق الأوسط إلى حد كبير، من السعي وراء أهداف ذات قيمة أكبر خارج المنطقة (…) استجابة للفرص التي ظهرت نتيجة لأحداث لم يمتلك [الكرملين] إلا القليل من السيطرة عليها (…) ولا ينكر أحد أنه بفضل التدخل العسكري في سوريا قبل ست سنوات، عاد الكرملين إلى سياسات القوة في الشرق الأوسط. ولكن اقتراح أن روسيا (…) ترغب بالتنافس مباشرة مع واشنطن هو شيء آخر. فإذا نظرنا إلى بعض القضايا الأكثر إلحاحًا في المنطقة، مثل أزمة الحكم في لبنان أو الحرب الأخيرة في غزة – يظهر أن روسيا سعيدة بالتصرف كمتفرج. ويفضل المسؤولون الروس التباهي بمزايا الحوار مع أي طرف (…) ولكن هذا لا يماثل محاولة حل المشكلات فعليًا. وغالبًا ما يستخدم اللاعبون المحليون تفاعلهم مع موسكو كتكتيك للاستفادة من المزيد من الدعم من الرعاة التقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا.

سياسات انتهازية أكثر مما هي استراتيجية؟

وبحسب ويري، لا تنبع أفعال روسيا في المنطقة من مبادئ أو قواعد محددة سلفًا، كما أن المنطقة ليست مجالًا حيويًا بطبيعته أو جزءًا من رقعة الشطرنج الجيوستراتيجية الضرورية لعودة روسيا العالمية. ومع ذلك، استفاد الكرملين من الاضطرابات التي أعقبت العام 2011 في الدول العربية وطموحات الحكام المحليين وانعدام الأمن، علاوة على الأخطاء الفادحة واللامبالاة التي أظهرتها الولايات المتحدة. وتظهر استراتيجية موسكو اعتمادها لسياسة مرنة ومنخفضة التكلفة وغير مثقلة بالقيود المحلية أو المخاوف المرتبطة بردود الفعل (…) وربما تلخّص الخطوط العريضة للتدخلات الروسية، بشكل أفضل بـ”تقويض الثقة المحلية في النظام الأمني ​​الذي تقوده الولايات المتحدة، و”فرك أذن” الأوروبيين وكسب المال في الوقت عينه”.

تجنب المواجهات المباشرة

وفي ما يتعلق بالقوة الروسية الصارمة في سوريا اليوم، تذهلنا بشكل خاص (…) حقيقة أن معظم أهداف الحرب الرئيسية للكرملين تحققت منذ ما يقرب من أربع سنوات. ومنذ ذلك الحين، لا تظهر روسيا رغبة باستثمار أنواع الموارد العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية الضرورية لتحويل الأحداث (…) كما تتجنب إلى حد كبير المواجهات المباشرة مع اللاعبين العسكريين الإقليميين الرئيسيين الآخرين مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو تركيا. ويمكن ملاحظة ذلك مثلاً في إطار أحداث شباط 2018 في دير الزور (…) أضف إلى ذلك أن مجموعة الأدوات الاقتصادية الروسية في المنطقة محدودة إلى حد ما، فقد ركزت الجهات الفاعلة الروسية على مجموعة ضيقة من المجالات، منها على سبيل المثال بيع أنواع متقدمة وأساسية من الأسلحة واستغلال البنية التحتية وفرص الطاقة ومحاولة بناء محطة طاقة نووية باهظة الثمن في مصر، ومع ذلك، هي غير قادرة على مضاهاة أي نوع من الموارد الاقتصادية أو المالية التي تضعها الولايات المتحدة أو الصين أو الاتحاد الأوروبي على طاولة المفاوضات.

التوازن بين الدور الإقليمي والعلاقة مع إسرائيل

وفي سياق متصل، ازدهرت العلاقة الإسرائيلية الروسية على مدى العقود القليلة الماضية (…) ولكن في الوقت نفسه، يصعب على الجانبين التأكد من وجود آليات عسكرية جيدة لمنع التضارب، خصوصاً بعدما أصبحت موسكو الجار الجديد لإسرائيل. ومنذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا في العام 2015، تسامح الروس مع الغارات الإسرائيلية المتكررة ضد أهداف إيرانية داخل سوريا طالما أنها لا تشكل تهديدا للقوات الروسية على الأرض، ومع ذلك تباطأ الروس أيضاً مراراً وتكراراً بتهدئة المخاوف الإسرائيلية بشأن التعدي الإيراني على مواقع حساسة مثل درعا أو مرتفعات الجولان. وتكشف هذه الديناميكية حدود النفوذ الروسي على الرئيس السوري بشار الأسد (…) كما نلاحظ أيضا أن الروس لا يريدون بالتأكيد الاشتباك مباشرة مع الجيش الإسرائيلي.

ماذا عن موقف الولايات المتحدة؟

(…) في كثير من الحالات، سيتعين على واشنطن ببساطة قبول الوجود الروسي باعتباره سمة من سمات المشهد الجديد في منطقة الشرق الأوسط (…) وبالتوازي مع أدوات موسكو المحدودة (…) يمكن للولايات المتحدة البحث عن طرق لتوجيه النشاط الروسي في اتجاه أكثر إنتاجية من خلال مناشدة المصالح الذاتية الاقتصادية لموسكو والرغبة في الاستقرار. ختاما، في ليبيا، على سبيل المثال، ليس لروسيا مصلحة في حرب أهلية دائمة لأن الفوضى لا تجلب فائدة على الأعمال الروسية. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، حرص الدبلوماسيون الأميركيون بحذر ولكن بحكمة على إشراك موسكو بمحاولة إيجاد طريقة سلمية للخروج من المأزق الليبي”.

المصدر: carnegie mec

شارك المقال