مفاوضات الحدود البحرية… في مهبّ تشتّت القرار

هيام طوق
هيام طوق

منذ سنة، انطلقت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية واشنطن بعد سنوات من الوساطة الأميركية، والتي سرّعها احتمال احتواء الرقعة المتنازع عليها على نفط أو غاز، في خطوة وصفتها واشنطن بأنها تاريخية بين دولتين في حالحرب. وأتت المفاوضات بعد أسابيع من إعلان الإمارات والبحرين تطبيع العلاقات مع إسرائيل برعاية أميركية.

>وضمّ الوفد اللبناني أربعة أعضاء: عسكريان ومدنيان، هم العميد بسام ياسين والعقيد الركن مازن بصبوص، والخبير التقني نجيب مسيحي، وعضو هيئة قطاع البترول وسام شباط. في المقابل، ضمّ الوفد الإسرائيلي ستة أعضاء، بينهم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، والمستشار الديبلوماسي لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو، رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الاستراتيجية في الجيش.

ووفق وجهة النظر اللبنانية، فإنّ منطقة مساحتها 2290 كيلومتراً مربعاً متنازع عليها، لكن إسرائيل تعترف بمساحة 860 كيلومتراً مربعاً، وتبدي استعداداً للتفاهم حولها، مدعية أنّ لبنان وافق سابقاً على أنّ المساحة المتنازع عليها وهي 860 كلم فقط، وتتهم لبنان بتغيير رأيه وفق تعليمات إيرانية. وبعد 5 جولات من المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين، عُقدت في مقر قوات الأمم المتحدة في رأس الناقورة،طرح الوفد اللبناني خريطة جديدة تخفّض المساحة المطلوب تسليمها للبنان إلى 1430 كيلومتراً، إلا أنّ إسرائيل رفضت، فتوقفت المفاوضات بعد الوصول إلى حائط مسدود، إلى أن أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون، رغبة لبنان في استئناف التفاوض غير المباشر مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، مؤكداً التمسّك بحقوق لبنان وفقاً لما ينصّ عليه القرار الأممي الرقم 1701.

ورأس الرئيس عون اجتماعاً للوفد اللبناني المفاوض، خصّص لتقويم مسار المفاوضات والخطوات المقبلة بعد توقيع إسرائيل عقودَ تنقيب الغاز والنفط مع إحدى الشركات في المنطقة المُتنازع عليها، ولا سيما أنّ هذه الخطوة تتناقض مع مسار التفاوض، مما دفع وزارة الخارجية اللبنانية إلى توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، طالبت فيها بالتأكد من عدم قيام إسرائيل بأي عمليات تنقيب في المناطق البحرية المُتنازع عليها بين البلدين.

وسيط من أصول يهودية

وبعد مطالبة رئيس الجمهورية باستئناف المفاوضات، أشارت وسائل إعلام اسرائيلية الى أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن قد عيَّن آموس هوشستين، كبير مستشاري البيت الأبيض لأمن الطاقة، في مهمّة خاصة تتعلّق بحلّ الصراع حول الحدود البحرية واحتياطيات الغاز في البحر المتوسط بين لبنان وإسرائيل. ونقل الإعلام الإسرائيلي عن مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية أنّ آموس هوشستين من أصول يهودية، وولد في إسرائيل، وهو أحد المقرّبين جداً من الرئيس الأميركي، وتم ترشيحه من قبل لمنصب السفير الأميركي لدى تل أبيب، بعد تنصيب إدارة بايدن. ومن المفترض وصوله إلى المنطقة، الشهر الجاري، بهدف إجراء جولة جديدة من المحادثات بين لبنان وإسرائيل.

في ظلّ كل تلك المعطيات، يبدو أنّ الدولة تتخبّط في اتخاذ القرارات، وتذهب إلى المفاوضات وفق انقسام بين أطرافها. ففي الوقت الذي يعتبر فيه البعض أنّ اسم الوسيط وانتماءه غير مهم إذا كان يتمتّع بالنزاهة والعدالة ويكون منصفاً بحق لبنان، تشدّد أطراف أخرى على أنّه مجرد انتمائه وأصوله اليهودية، فهذا يعني أنّ إعادة استئناف المفاوضات ماتت قبل أن تولد حتى ولو تمكن من كسب ثقة اللبنانيين، وفق ما أوضحت مصادر معنية لـ”لبنان الكبير” التي اعتبرت أنّ الخوف اليوم من استغلال هذا الموضوع لإفشال المفاوضات، وإضافة أزمة جديدة إلى الأزمات التي يتخبّط فيها البلد، وإبقائه رهينة المصالح الإيرانية وورقة رابحة بين أيديها في أي مفاوضات.

وعن إمكان تعديل الوفد اللبناني المُفاوض، فإنَّ لا توافق بين أطراف الدولة حتى الساعة على هذه النقطة، لا بل أكثر، فإنّ كل طرف يسعى إلى اقتراح اسم من هنا وآخر من هناك، وفق المصادر المعنية، كأنّ المحاصصات والمصالح الشخصية تنسحب إلى قضية بأهمية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. ولعل أبرز نقاط الاستفهام تدور حول رئيس الوفد المكلّف التفاوض غير المباشر مع إسرائيل العميد بسّام ياسين الذي يُحال على التقاعد هذا الشهر، والممسك بكل تفاصيل ملف التفاوض. وبالتالي، فإنّ عدم تجاوب السلطة مع ما طرحه وفد التفاوض لتحصين الموقف اللبناني على طاولة المفاوضات في الناقورة، أي الاستفادة من البند الثالث من المرسوم 6433 الذي فتح الباب أمام تعديل المرسوم عند ثبوت أي جديد، والانتقال من الخط 23 إلى الخط 29، أي بزيادة 1430 كلم مربّعاً إلى مساحة الـ860 كلم مربعاً التي كان لبنان يطالب بها، وعدم التمديد للعميد ياسين، وسط معلومات تتحدّث عن تخوّف قيادة الجيش من تغيير هوية الوفد المفاوض ليتخذ طابعاً مدنياً سياسياً، في ظلّ الحديث عن التوجّه لاستبدال القادة العسكريين بمستشارين وخبراء مدنيين، كل ذلك، يطرح أكثر من علامةاستفهام، حول ملف التفاوض، مع العلم أنّ الجانب الإسرائيلي أصرّ سابقاً على أن يكون الوفد اللبناني من مدنيين وليس برئاسة عسكري.

وهنا يطرح أكثر من هاجس وسؤال: في حال تشكّل الوفد من المدنيين، ألا يكون ذلك خضوعاً للمطلب الإسرائيلي؟ ولمصلحة مَن تشتيت الوفد اللبناني والتخلّي عن المسؤولين العسكريين الذين يُعتبرون من أكثر الناس والجهات دفاعاً وتمسّكاً بالحقوق اللبنانية، إذ أنّ كل الأطراف تشهد لهم بنزاهتهم وخبرتهم؟ على الرغم من أنّ رئيس الجمهورية أكد في أكثر من مناسبة أنّ “المفاوضات تقنية والبحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديداً”، أو أنه كما يقول مصدر سياسي لـ”لبنان الكبير”، ليس كل ما يقال في العلن يعني أنه “يترجم النوايا الحقيقية، لأن هناك أموراً كثيرة تجري تحت الطاولة، وتأتي معاكسة تماماً لكل التصريحات العلنية”.

هاشم: لا مفاوضات مع وسيط صهيوني

اعتبر عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم أنّ “هوية الوسيط وانتماءه يضعان الأمور في مكان آخر. الوسيط ينتمي إلى العدو الذي نرفض سياسته ومحاولته استغلال أي فرصة لقرصنة حقنا ومحاولة السيطرة على ثروتنا الوطنية. وبالتالي، لا يجوز أن ينتمي إلى الكيان الصهيوني، لا في سياسته ولا في انتمائه وهويته. وهو لن يكون نزيهاً إذا كان فعلاً ينتمي إلى هذا الكيان”، مشدداً على أنه “لا مفاوضات في ظلّ هذا الوسيط لأنها لن تصل إلى نتيجة معه ولا معنى لها. ما يهم لبنان أنه متمسّك بحقه وبما توافرت له من معطيات قانونية دولية حول الحدود التي يتمسّك بها، ولا يتخلّى عن هذا الحق لأنه مبدأ سيادي ومصلحة وطنية”.

وعن التعديل في الوفد اللبناني المُفاوض، أشار هاشم إلى أنه “لم يطرأ أي تعديل على الوفد حتى اليوم. قد تكون هناك صيغة قانونية لدى قيادة الجيش لتُبقي العميد ياسين في الوفد. هذا سيتم اتخاذ قرار بصدده على المستوى الإداري والسياسي”، مؤكداً أنّ “الوفد سيكون تقنيا وليس سياسياً لأننا لا نفاوض العدو من منطلق سياسي”.

قاطيشا: أفكار شيطانية تتملّك السلطة

رأى عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب وهبي قاطيشا أنّ “الوسيط يمكن أن يشكّل حجة لدى بعض الأطراف لنسف المفاوضات، لأنّ الدولة لا يبدو أنها جدّية في موضوع ترسيم الحدود”، معتبراً أنّ “هناك تخبّطاً وضياعاً لدى الممسكين بالسلطة الذين لا يمكنهم التوجّه إلى التفاوض في قضية استراتيجية بحجم ترسيم الحدود، بشكل موحد وبقرار واحد حول كل تفاصيل الملف، إن كان لناحية شكل الوفد وممن يتألف، أو لناحية الخط المُتنازع عليه أو الاتفاق على وسيط. كل ذلك يدلّ على أنّ الدول فاشلة”.

ولفت إلى أنّ “بعض الأطراف اللبنانية لا تريد المفاوضات أو الوصول إلى اتفاق على أمل الاستمرار في النزاع، وتحويل الحدود البحرية إلى شبعا بحرية. هناك أفكار شيطانية تتملّك مَن هم في السلطة اليوم، وكل طرف يريد أن يحقّق مصالحه الخاصة حتى في قضية مهمة ومصيرية كقضية الترسيم”.

شارك المقال