إيران بين ممحاة بايدن وبصمات ترامب 

أنطوني جعجع

 هل يستطيع الرئيس الأميركي جو بايدن أن يمسح قرارات سلفه دونالد ترامب بشحطة قلم، بحيث تعود إيران وحلفاؤها إلى الحلقة الآمنة من دون أثمان هنا أو تنازلات هناك؟

قد يبدو لوهلة أن أموراً كثيرة تغيرت في شكل دراماتيكي لمجرد أن ترامب لم يعد في البيت الأبيض، وأن الإدارة الجديدة تحل محله وفي جعبتها “خارطة طريق” مختلفة لا تحسب أي حساب لأي اعتبار أو واقع أو هاجس أو تحالف أو معسكر…

والواقع أن الأمر لن يطول كثيراً قبل أن يلمس أكثر الأطراف تفاؤلاً، أن بعض الإيجابيات الواردة من مفاوضات فيينا شيء والوقائع شيء آخر، وقبل أن يدرك بايدن نفسه أن الاقتراب من الملف الإيراني يشبه الاقتراب من حقل ألغام لا يحتمل أي دعسة ناقصة، أو حقل أفاعٍ لا يحتمل أي مهادنة غير مدروسة.

والواقع أيضاً أن المفاوضين الأميركيين سيجدون أنفسهم سريعاً بين واحد من خيارين: إما سلام ملتبس مع إيران، وإما عداء محتمل مع إسرائيل ودول الخليج، إذ لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاوز الهواجس الإسرائيلية حيال الترسانة الإيرانية المنتشرة على حدودها مع سوريا ولبنان وغزة، ولا الهواجس الخليجية حيال الانتشار العسكري الإيراني على حدودها مع اليمن والعراق والممرات البحرية، ولا يمكن لها في الوقت عينه  أن تواصل سياسة الضغط على إيران والمخاطرة بأمن المنطقة واستقرارها.

ولا تبدو إيران في وضع أفضل، فهي لا تستطيع فك الطوق الاقتصادي والمالي عنها من دون دفع ثمن باهظ قد لا تقوى أو لا ترغب في تسديده، وهو ثمن ليس أوله التخلي عن البرنامج النووي والصواريخ البالستية، وليس آخره التخلي عن الحوثيين في اليمن و”الحشد الشعبي” في العراق والنظام الحاكم في سوريا و”حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في غزة.

وتفيد دوائر المفاوضين في فيينا أن ثمة “مفاوضات” من نوع آخر تدور في شكل متوازٍ في مكان آخر، وتتمثل في خروج إسرائيل من كواليسها والدخول في مواجهة مباشرة مع إيران من خلال ضرب مفاعل نطنز النووي، والتعرض للسفن الإيرانية التي تنقل أسلحة إلى كل من “حزب الله” والحوثيين في شكل خاص، وتكثيف الضربات الجوية ضد مواقع إيران و”حزب الله” في سوريا، في رسالة واضحة تفيد بأن أي حل سياسي مع طهران يجب أن يحظى بتوقيع تل أبيب.

ولم يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إطلاق تحذيرات علنية، من أي اتفاق أميركي – إيراني يمكن أن يسمح للإيرانيين بإنتاج قنبلة نووية أو بتعزيز القدرات الصاروخية لكل من “حزب الله” وحركة “حماس” أو بنشر “الحرس الثوري” في محاذاة حدوده مع سوريا ولبنان وغزة، الأمر الذي دفع الأميركيين إلى إطلاق تطمينات سريعة تؤكد عزم واشنطن على منع إيران من الدخول إلى النادي النووي بأي ثمن.

وعلى الرغم من الكلام عن محادثات سرية بين الرياض وطهران عبر بغداد، فإن ذلك لا يلغي مواقف السعودية التي تتمثل في التلويح بإنتاج سلاح نووي مقابل، وفي التقرب من حكومة مصطفى الكاظمي في بغداد، والانفتاح على الرئيس بشار الأسد في دمشق، وتحريك البيئة السيادية في بيروت، في محاولة غير مباشرة تهدف إلى إبلاغ إيران أنها قادرة، ولو من غير سلاح، على احتواء نفوذها في غير مكان أو على تفكيك هلالها الممتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط حلقة بعد حلقة.

وحيال هذا المشهد، يذهب المحللون الدوليون والإقليميون بعيداً إلى حد القول أن ما يجري على طاولة المفاوضات على الرغم من بعض الايجابيات، ليس أكثر من محاولات بلا أفق تهدف من الجانب الإيراني إلى فك الحصار أكثر منه التخلي عن السلاح، ومن الجانب الأميركي إلى نزع المخالب اكثر منه تعويم الخزينة الإيرانية مجددا، والسماح لها بضخ الحياة في ثورة إسلامية تهدد أنظمة الخليج وأمن اسرائيل والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط وجزء من آسيا، لا سيما بعد دخول المارد الصيني على خط المصالح المتشعبة في المنطقة.

وأخيراً، لا بد من القول إن إيران ستدرك عاجلاً أم آجلاً أن ما رسخه ترامب في السنوات الأربع الأخيرة لا يمكن محوه بهذه البساطة، وإن واشنطن أدركت بدورها أن ما رسخته طهران منذ الثورة الإسلامية حتى الآن لا يمكن إزالته بهذه البساطة، وأنهما سيجدان نفسيهما أمام واحد من حقيقتين مُرتين: إما حرب تزيد الأمور سوءاً وتعقيداً، وإما سلام يعيد إلى إيران ثروتها ويحرمها من ثورتها، ويضمن لأميركا سلامة مصالحها ونفوذها ويحرمها من حلفائها… وهما خياران أحلاهما مرّ، فماذا سيختاران؟

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً