عندما يضيق الحزب بسلاحه!

عاصم عبد الرحمن

على الرغم من أن 7 أيار 2008 أوصل اللبنانيين إلى عقد مؤتمر الدوحة الذي فُرض بموجبه الثلث المعطل لفريق الأقلية النيابية داخل أي حكومة إلا أنه لم يعد يوماً مجيداً، ذلك أن هالة المقاومة عربياً ولبنانياً حجبت جزءاً منها غيومُ الصدمة جراء انحراف وجهة البندقية نحو صدور شركاء الوطن.

ثم أعاد الحزب الكرَّة عام 2011 بشكل استعراضي فحسب عبر القمصان السود ليأتي بحكومة إيرانية – سورية أسقطت تلك المنتخبة ديموقراطياً بقيادة سعد الحريري الذي دخل للاجتماع بالرئيس الأميركي رئيساً ليخرج مستقيلاً، وبعد 10 سنوات تلا نبيه بري فعل الندامة لما اقترفته أيدي المقاومة من عبثٍ في العملية السياسية الوطنية والميثاقية.

منذ تلك الواقعتين انتقل “حزب الله” إلى تغيير قواعد اللعبة، إذ أصبحت قداسة سلاح مجابهة العدو الإسرائيلي على محك التخوين اللبناني والعربي، فقد اعتمد استراتيجية سياسية تجلَّت برسم خريطة نيابية موزعة بين حلفائه من الطوائف كافة يستطيع من خلالها تمرير ما يريد من قرارات وفق الأطر القانونية والدستورية وعبر مؤسسات الدولة، وعليه أخذ يرفد حلفاءه بأصوات تزيد من عدد نوابهم: التيار الوطني الحر (المسيحي)، طلال أرسلان (الدرزي) وأخيراً اللقاء التشاوري (السني) وبذلك يخفف من وطأة الهيمنة المسلحة على القرار السياسي اللبناني فيُلبسها ثوباً برلمانياً ديموقراطياً.

لكن لا بدَّ من أن “حزب الله” بات يتساءل ما إذا قد حان وقت القطاف السياسي والعسكري دستورياً؟!

إذ يبدو واضحاً أن “حزب الله” تبدلت لغته الخطابية التي تعالت كثيراً نتيجة ما يعتبره انتصارات عسكرية في المنطقة بخاصة على الجبهة السورية إذ يزعم أنه لولا مجابهته للجماعات التكفيرية ودفاعه عن نظام بشار الأسد لسقط لبنان في براثن المنظمات الإرهابية؛ ثم إن الموقف الإيراني الجيد حيال المفاوضات النووية وتحسين شروطها على الرغم من إرهاقها جراء العقوبات؛ كذلك خروج الولايات المتحدة من أفغانستان وما يروّج له محور الممانعة من هزيمة للمعسكر الغربي على الرغم من عدم الانفتاح الأفغاني المنتج على الإيرانيين، كلها عوامل جعلته ينتشي انتصاراً، أما على المستوى الداخلي فبالإضافة إلى تحكمه بالقرار السياسي عبر حلفائه وعلى رأسهم رئيس الجمهورية وجبران باسيل؛ إعطاء الضوء الأخضر لتسيير الاستحقاقات الدستورية كتشكيل الحكومة؛ فتح ملفات الفساد والتهويل بها من دون الذهاب إلى القضاء وليس آخراً المجيء بالمازوت الإيراني الحدث السلاحي الكبير الذي قال من خلاله بوضوح ليس للخارج فحسب بل للداخل اللبناني من الحلفاء قبل الخصوم: القرار لي!

هذا القرار القائل إن دويلة لبنان ما هي إلا جزيرة ساقطة القانون والشرعية والمؤسسات ضمن دولة “حزب الله” وهو ما عبَّر عنه يوم 14 تشرين الاول 2021…

لكن يبقى الفعل منقوصاً ما دامت هذه القوة المتجسدة على الصعد كافة أسيرة السلاح، فالتاريخ شاهدٌ على زوال إمبراطوريات ودول وأحزاب مهما عظُمت، لذا سيعمل الحزب على ترجمة مفاعيل سلاحه دستورياً إذ لا بد سيأتي يوم لن يستطيع معه تفعيل وهج السلاح لا بل قد يرغب هو نفسه بعدم استخدامه ذلك أنه سيحتاج إلى استقرار مؤسساتي دائم.

وعليه سيحين الوقت للدخول في تسوية ما على حساب سلاحه وصواريخه كي يورث مجده للأجيال القادمة (الشيعية – الحزبية) والثمن الذي لن يُقبض إلا باهظاً قد يكون الآتي:

١- استحداث منصب نائب رئيس للجمهورية ليُعيَّن شيعياً.

٢- تثبيت وزارة المال للطائفة الشيعية.

٣- إعادة النظر بالتوزيع الطائفي لوظائف الفئات الأولى ليحصل شيعي بموجبه على حاكمية مصرف لبنان أو قيادة الجيش أو مدعي عام التمييز.

٤- زيادة الحصة الشيعية من النواب والوزراء في التركيبة البرلمانية والحكومية.

وإذا كان لا بد من راعٍ دولي من تحول جذري كهذا عسكرياً وسياسياً ودستورياً، فلا شك في أن الأميركي الذي غضَّ طرفه عن الإتيان بالمازوت الإيراني وتجنيب لبنان عقوبات “قيصر” نتيجة تعاونه مع سوريا كهربائياً ونفطياً وتغطية الانفتاح الفرنسي الكبير على “حزب الله”؛ كذلك المفاوضات النووية التي يصر على إنجازها وفق الأطر الديبلوماسية في الدرجة الأولى مهما اشتدت الضغوط الإسرائيلية لعسكرة المواجهة، سيكون جاهزاً لإتمام مراسيم التحول الدستوري وتأمين أفضل الظروف لإنجاحه.

ولتحقيق ذلك سيتعين على الحزب أن يغض الطرف عن قيام لبنان بتوقيع هدنة تهدئة طويلة الأمد مع العدو الإسرائيلي كي تكتمل فصول منتدى غاز شرق المتوسط الذي أعلنت القاهرة إنشاءه مطلع العام 2019 والذي يضم 6 دولٍ إقليمية: مصر؛ الأردن؛ فلسطين؛ قبرص؛ إيطاليا؛ اليونان بالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي، وذلك من أجل تنسيق الجهود الإقليمية للاستفادة من كامل إمكانات ثروة الغاز البحرية في شرق البحر المتوسط، ولا يزال لبنان يغرّد خارج سرب هذا المنتدى نتيجة مشاركة إسرائيل فيه وعدم الاتفاق على ترسيم حدوده البحرية مع فلسطين المحتلة.

هناك مَنْ يرى أنَّ هذه الشراكة الاستثمارية في ما لو تحققت أدخلت البلاد والعباد في سلامٍ سياسي وازدهار اقتصادي وأمن اجتماعي…

لكن هل سيكتفي “حزب الله” بما قد يحققه سياسياً ودستورياً أم للسلاح في زمن التسويات كلامٌ آخر؟!

شارك المقال