أطلق حممك يا بركان!

الدوري
الدوري

“الدوري” حربوق. كيفما طار ولف بالبلد في الأيام الماضية، كان لا يسمع إلا كلاماً عن غادة عون، القاضية المميزة بالعمل على إنهاء القضاء. “الدوري” حشّور. أراد التعرف عن قرب إلى هذه القاضية فطار وحط عند حافة القاعة التي اجتمع فيها مجلس “القضاء الأعلى” مع عون أمس للبحث في تمردها على قرار رئيسها التراتبي غسان عويدات.

“الدوري” الحربوق الحشّور مهتم مثل أترابه اللبنانيين في أن يبقى القضاء سيداً مستقلاً، فلا يرجع هذا الوطن غابة تسودها وحشية حراس الكرسي. غريبة هذه القاضية. حدّق فيها ملياً، سمع عنها وصفاً بأنها “ظاهرة غريبة عجيبة”، وها هي هنا تتمسكن وكأنها لم ترتكب خطأ بل كأنها هي الضحية. ضحك “الدوري” الحربوق من دون أن يُحدث ضجة وقال لنفسه: “الله يكون في عون القضاء من غادة عون”.

تصرف القاضية هلينة إسكندر (رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل) قطع سردة “الدوري” في “مسكنة” عون. واضح أنهما من “تيار” واحد يمشي دائماً عكس النهر الوطني الحر. استفزه المشهد وتذكر مجدداً ما سمعه عن “غراب أسود” ينعق بفتاوى الشؤم في قصر ما على تلة قريبة هجرها الناس بعدما صارت تلة الجريصاتي. ها هي إسكندر تهدد بالاستقالة في حال اتخاذ أي إجراء بحق عون .

تحمس “الدوري” ونقل عينيه سريعاً إلى رئيس المجلس سهيل عبود لحظة رد عليها: “بدك تستقيلي هذا شأنك ولا مشكلة في ذلك، في نهاية المطاف هناك هيبة قضاء يجب المحافظة عليها والموضوع ليس سياسياً وليس طائفياً، بل الأمر يدور حول الدوري”

 مصير مؤسسة قضائية يتم هدمها بسبب تصرفات القاضية عون، وإذا لم نستطع الخروج بموقف يحافظ على كرامة القضاء وهيبة مجلس القضاء الأعلى فحينها الأفضل كلنا نستقيل ليس أنت وحدك”.

“كبير يا ريس”، قال “الدوري”، ملاحظاً مع ذلك إصرار اسكندر على عدم اتخاذ أي إجراء كبير بحق عون. فيما سجّل عدم وضوح موقف القاضية إليان صابر، واضعاً إياه في خانة عدم الدفاع عن عون والتماسها الأخطاء التي قامت بها.

حاولت غادة عون أن تظهر أنها تحت القانون. وأوضح لها عبود أن القرار الذي اتخذه عويدات ليس قراراً فردياً بل بإجماع أعضاء مجلس القضاء الأعلى و”عليك الالتزام به”. انتهت الجلسة وأظهرت عون وكأنها ملتزمة بالقرار وراضية عنه.

رافقها “الدوري” لحظة خروجها، وإذ بها تأمر سائقها بالتوجه إلى شركة “مكتّف” مجدداً، في خطوة اعتبرها “الدوري” تمرداً وانقلاباً على جلسة المجلس، فكيف لها أن تعود إلى الشركة فيما المجلس طلب منها الالتزام بقرار عويدات الذي سحب منها كل الملفات المالية بطلب من “القضاء الأعلى”؟

حلّق “الدوري”، مغرداً بجملة واحدة: “غادة عون ضربت القضاء… غادة عون ضربت القضاء”. أراد أن ينقل لأصدقائه “الدواري” الخبر، وإذ به يصل إلى مجلس القضاء الأعلى ورئيسه الذي عبّر عن استيائه من هذه التصرفات التي تكسر هيبة القضاء، وبدلأً من أن يقوم رئيس الجمهورية بحماية الدستور والقضاء، وفك أسر التشكيلات القضائية أعطى جرعة دعم إلى عون، مميزاً بين الشكل والمضمون.

أنهى “الدوري” جولته، وحطّ عند نافذة مكتب رئيس التفتيش القضائي بركان سعد، منتظراً منه موقفاً شجاعاً يحافظ فيه على استقلالية القضاء. أمعن “الدوري” تفكيراً في مآل القضية، وقال لنفسه: إما أن يأخذ سعد القرار بإحالة عون إلى المجلس التأديبي، أو يكون شريكاً في إنهاء المؤسسة القضائية، بما فيها مجلس القضاء الأعلى وعبود وعويدات.

ولم يشكك “الدوري” أبداً بقدرات سعد وعصب قدميه وركبه… يراهن “الغراب” على تراجع سعد، فيما يرى “الدوري” في سعد بطلاً في الدفاع عن القضاء…

بقي “الدوري” حتى ساعة متأخرة أمام نافذة مكتب رئيس التفتيش، وجملة واحدة تتردد في ذهنه: “أطلق حممك يا بركان”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً