مفاوضات فيينا: شدّ حبال مستمر… وحسابات خاطئة

حسناء بو حرفوش

تكثر التكهّنات حول التأخّر في العودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا لحسم الملف النووي الإيراني والعقوبات الأميركية، بين من يتّهم إيران بالمماطلة ومن يربط سياسة الولايات المتحدة بالعرقلة. في هذا السياق، نشر موقع “Responsible state craft” الأميركي مقالاً “يكشف دور الرئاسة الأميركية في المأزق بشكل واضح، لأنّ البيت الأبيض لا يريد الالتزام بالصفقة طوال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس جو بايدن. في المقابل، يبدو أنّ طهران مرتاحة للوضع الحالي، لكن الحقيقة هي أنّ الطرفين يخطئان في حساباتهما”.

ووفقاً للمقال، تمحورت التكهّنات حتى الساعة حول “فقدان طهران في عهد إبراهيم رئيسي الاهتمام بالاتفاق النووي، وزيادة الهوة في الثقة مع واشنطن، مقابل التفاؤل بشأن الصين والثقة في قدرتها على تجاوز العقوبات الأميركية… وهذا ما يدفع واشنطن نحو خيار التهديد علناً بممارسة المزيد من الضغط بموجب خطة بديلة غير محدّدة. لكن المعلومات الجديدة تكشف أنّ شعور إيران بالحصانة ليس سبب المأزق وحده، لأنّ بايدن رفض أيضاً الالتزام برفع العقوبات لبقية فترة ولايته، حتى ولو عادت إيران للامتثال (…) وقد سجلت نقطة تحوّل حاسمة في المفاوضات في وقت سابق من أيار الماضي، إذ أصرّ الإيرانيون على تعهّدات تُلزم واشنطن قانوناً بعدم الانسحاب من الصفقة (…). وعلى الرغم من أنّ الفريق الأميركي تفهّم المطلب الإيراني، إلا أنه رفض تقييد الإدارات المقبلة، وبالتالي لم يضمن عدم التخلّي مستقبلاً عن الاتفاقية. ثم عاد الإيرانيون بعد ذلك عن مطلبهم وطلبوا التزاماً من إدارة بايدن بالإبقاء على الاتفاق لبقية ولايته (…)، لكن فريق التفاوض الأميركي والآخرين فوجئوا بعدم استعداد البيت الأبيض لتقديم مثل هذا الالتزام بسبب عقبات قانونية (…). وتسبب الردّ الأميركي بانقسامات في طهران قبل الانتخابات الرئاسية، مهّدت الطريق للمأزق الحالي.

وبينما يشكّك المفاوضون الأميركيون بالطلب الإيراني، يصرّ الديبلوماسيون الأوروبيون والإيرانيون على أنه يمثّل إلى حد بعيد النقطة الشائكة الرئيسية بالنسبة للإيرانيين. ولذلك، أثير لخمس مرات على الأقل خلال المشاورات التي استمرت 4 ساعات حول خطة العمل الشاملة المشتركة خلال زيارة المفاوض الأوروبي إنريكي مورا إلى طهران. مقابل وجهة نظر واشنطن، أكد علي باقري كني أنّ طهران غيّرت موقفها أيضاً، وأنّ الالتزام الأميركي لمدة ثلاث أو أربع سنوات لم يعد كافياً. ويدرك ديبلوماسيو الاتحاد الأوروبي أنّ سهولة الانسحاب الأميركي من الاتفاقية تشكّل “مصدر قلق جاد وشرعي”. وتخشى طهران إضعاف موقفها بشكل كبير بسبب عدم موثوقية التزام الولايات المتحدة، خصوصاً أنّ طهران ستتخلّى من خلال الامتثال، عن الكثير من نفوذها النووي، بينما سترفع واشنطن العقوبات ظاهرياً. ومع ذلك، لن يعود تخفيف العقوبات بفوائد اقتصادية ذات مغزى لإيران، ما لم تثق الشركات الغربية بإخلاص واشنطن للاتفاقية على المدى الطويل، وهو ما لم تفعله. وهذا قد يترك إيران تتخلّى عن نفوذها مقابل لا شيء، لا سيما إذا انسحبت واشنطن مرة أخرى من الصفقة.

إدارة التوقعات مشكلة أخرى تواجهها طهران في سياق عدم الموثوقية. فمع رفع العقوبات ظاهرياً، تزداد توقّعات الجمهور الإيراني وأحلامه وتطلعاته لمستقبل أكثر إشراقاً. وعندما يفشل تخفيف العقوبات في تلبية التوقّعات، أو عندما يعاد فرض العقوبات، وهو السيناريو الأسوأ، يتعرّض الاقتصاد الإيراني لضربة كبيرة. وهذا ما قد يدفع الحكومة للاعتماد بشكل متزايد على أدوات قمعية للسيطرة على سخط الجمهور.

باختصار، تؤدّي عدم الموثوقية الأميركية إلى زعزعة استقرار إيران (…). بالإضافة إلى ذلك، أدّى نهج بايدن تجاه هذه القضية إلى تفاقم النقطة الشائكة الثانية: مطالبة الولايات المتحدة بمفاوضات جديدة أطول وأقوى، بمجرّد استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي حين أنّ الجانب الأميركي أشار إلى أنّ إيران ستستفيد من التغييرات في الاتفاقية (…)، إلا أنّ طرح أي صفقة أقوى سيوجد مشاكل عدة لطهران. فأولاً، خطة العمل الشاملة المشتركة هي عقوبة تفاوضية، وبالتالي ينذر السعي لصفقة أطول بإطالة مدى العقوبات (…)، ثم هل تسعى واشنطن لإطالة الصفقة مرة واحدة أم ستبقى تعدلها إلى أجل غير مسمى؟

(…) لقد تسبّب قرار بايدن في تشكيك كل من المسؤولين الإيرانيين والاتحاد الأوروبي في سعي الولايات المتحدة لاستخدام التهديد أو إعادة فرض العقوبات كوسيلة ضغط من أجل صفقة أطول (…)، بغية الحصول على المزيد من التنازلات من إيران (…). ودفعت هذه الاعتبارات طهران لاعتبار أنّ العودة للامتثال محفوفة بمخاطر كبيرة (…). إذا كان الأمر كذلك، فستمتلك واشنطن، إذا عادت للصفقة، قدرة أكبر على معاقبة إيران اقتصادياً، بما في ذلك تفعيل آلية “سناباك” (SNAP BACK) لفرض جميع العقوبات على إيران تلقائياً، وهو ما فشل ترامب بالقيام به.

طهران مرتاحة للوضع الراهن

بالنتيجة، قد تجد طهران أنّ الوضع الراهن، حيث تسري معظم العقوبات وتستطيع مع ذلك بيع النفط للصينيين، أفضل من السماح بالعودة للامتثال ثم انهيار الصفقة بعد وقت قصير بسبب اصرار واشنطن على إطالة غير مقبولة لشروط الاتفاقية. ومع ذلك، لا يمكن الوضع الراهن أن يستمر على هذا النحو. ومن المفترض أن تُستأنف المفاوضات في تشرين الثاني، بينما من المُحتمل أن تحاول طهران المماطلة بما يكفي لتجنّب الاتفاق بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن بشكل لا يمنع استمرار المساعي الديبلوماسية.

خطأ في الحسابات

لكن طهران تخطئ هنا في حساباتها بشكل خطير. فلا يمكن، ببساطة، الوضع الراهن أن يستمر لفترة طويلة. ومن دون إحراز تقدّم حقيقي، ستقع إدارة بايدن في نهاية المطاف فريسة للضغوط (…). وفي الوقت عينه، تخطئ واشنطن إذا اعتقدت أنّ المزيد من الضغط أو التهديد باستخدام القوة العسكرية سيكسر هذا الجمود. لكن هذا هو المسار الذي قد يختاره كلا الطرفين (…). ويشير رفض بايدن إلى الالتزام برفع العقوبات عن إيران لبقية فترة ولايته إلى استعداده لرؤية خطة العمل الشاملة المشتركة وهي تنهار مجدداً، ليس بسبب العجز عن إحيائها، لكن بسبب الخشية من عدم إمكان إطالتها وتقويتها بعد ذلك. في هذه الحال، لا توجد أي خطة بديلة. وعوضاً عن ذلك، يجب على الطرفين التوصّل لخطة أكثر موثوقية واستقراراً، تتناول عدم موثوقية أي اتفاق غير مستدام يمكن للولايات المتحدة العزوف عنه من دون أي رادع، وفصل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة عن الرغبات المشروعة بتوسيع الصفقة”.

شارك المقال