شيفرة الحلّ السهل مع الخليج… من يجرؤ؟!

المحرر السياسي

تتأرجح المشهدية اللبنانية بين التضعضع وضياع مفاتيح حلول الأزمة الديبلوماسية التاريخية مع دول الخليج العربي – وفي طليعتها المملكة العربية السعودية – من أيدي السلطات اللبنانية المخطوفة بقرارها من “حزب الله” وتظهر “فالجها” و”أيرنتها” أمام الأبواب الموصدة خليجيّاً بُعَيد مواقف الوزير “الحوثي” جورج قرداحي بشأن حرب اليمن.

ويأتي ذلك أمام “عجز” لدى المسؤولين اللبنانيين عن فكّ “شيفرة” الاشكالية التي يتضّح مع الوقت بأنها أعمق من حدود عبارة “إفتح قلبك” على تخوم وزارة الاعلام، بل تطال قضايا جوهريّة يضطلع فيها “حزب الله” بدور كليّ في “دوزنة” ضربات قلوب السياسة الخارجية اللبنانية المعطوفة على مسلسل حربي. وحلقات تلو الحلقات، مواسم لا تنتهي من خروج عن الشرعية اللبنانية واستمرار التدخّلات العسكرية خارج نطاق الحدود اللبنانية وصولاً الى اليمن، مع ضرب مبدأ النأي بالنفس الذي تحوّل إلى أنشودة “كرنفالية” متناقلة في حلقات تسليم وتسلّم الحكومات المتعاقبة على امتداد السنوات الماضية من دون قدرة فعلية على التطبيق الجزئيّ لهذا الشعار.

ويبدو المسؤولون اللبنانيون في حيرة من أمرهم مع عجز عن استيلاد متنفّس يبشّر بحلحلة مع دول مجلس التعاون الخليجيّ، فيما تشير معلومات “لبنان الكبير” إلى أنّ التعويل يصبّ راهناً على زيارة مرتقبة لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة بتكليف من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في محاولة للبحث عن مخارج تعيد بعض المياه إلى مجاريها للعلاقات الثنائية اللبنانية – الخليجية. في هذه الغضون، لا تزال تلمس أجواء الرئاستين الأولى والثالثة في لبنان صعوبة كبيرة في الوصول إلى الحلول بعد المحاولات السابقة التي حاول بعض الوزراء اتخاذها على عاتقهم. وتفيد المعلومات بأن فكرة الحلّ التي لا تزال متداولة على صعيد الحكومة لم تخرج من إطار العمل على تدوير الزوايا لتحقيق استقالة قرداحي، بحيث يرتقب أن يعمل على إعادة إدارة عجلة هذا الموضوع بعد عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من غلاسكو.

من ناحية أخرى، بدا واضحاً لدى مصادر مقرّبة من العهد بأنّه ليس سهلاً ما يحصل وأن ثمة وضعاً أبعد من تصريح قرداحي بل مرتبط بتراكمات تصاعدية، فيما تمحور السؤال الأساسي الذي طُرح في مجالس سياسية عدّة حول ما إذا كانت الاجراءات ستتوقف عند الحدود المعلن عنها لجهة وقف الصادرات اللبنانية وسحب السفراء وتجميد التعاملات، أم أن هناك تدابير أخرى يمكن أن يعلن عنها في الساعات القليلة المقبلة. وعُلم أن الهواجس الكبرى المعبّر عنها في الحلقة المقربة من رئاستي الجمهورية والحكومة مرتبطة بتساؤلات حول إمكان وقف الرحلات الجوية بين لبنان وبلدان مجلس التعاون الخليجي التي سبق أن اتخذت الاجراءات العقابية. وإذا كان ليس ثمة من بلاغ رسميّ مرتبط بموضوع الطيران حتى اللحظة، بما يمكن أن يؤكد المعطى أو ينفيه، علماً أن الأجواء اللبنانية المواكبة للجو الخليجي تضعه في خانة المستبعد في المرحلة الراهنة على الأقل، إلا أن ما هو مؤكد بأنّ محاولات فتح قنوات الحوار التي قام بها أكثر من مسؤول ووزير لبناني مع دول الخليج قد باءت بالفشل حتى الآن.

على المقلب المعيشي – الاقتصادي، لا تزال تداعيات الأزمة الديبلوماسية ترخي بثقلها على الرغم من تصرّف بعض المسؤولين اللبنانيين وكأن شيئاً لم يكن، واعتماد سياسة الإطراء في التعامل مع مواقف قرداحي من حلفاء محور الممانعة لبنانياً بدلاً من البحث – ولو الافتراضي – عن أسواق “ممانعة” لاستقبال البضائع اللبنانية. لكن، المسألة أبعد من مجرّد ايجاد وجهات جديدة لتصريف الانتاج اللبناني، بل إنّ هناك من يؤكّد أن الموضوع الأساس يبقى مرتبطاً باستعادة الثقة.

وتشير مصادر مالية مسؤولة ومتابعة للشؤون الاقتصادية عبر “لبنان الكبير” إلى أن “التأثير المباشر للأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج ظهر مباشرة في موضوع الصادرات اللبنانية، في وقت كانت بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية عام 2020 نحو 270 مليون دولار مع تشكيل الصادرات اللبنانية إلى السعودية وحدها 6% من مجموع الصادرات. وينعكس ايقاف التصدير على مدخول لبنان من الدولارات سنوياً، إلا أن العامل الأهم يترجم في التأثير في سعر الصرف نتيجة عامل الثقة الذي يتراجع تلقائياً في ظلّ تأزم العلاقات، بما يؤدي إلى إقبال مرتقب على الدولار في المرحلة المقبلة، كما يحصل في أي أزمة تتخذ طابعاً سياسياً بسبب غياب عامل ثقة المواطن”.

وترى المصادر أن “موضوع المعالجات الاقتصادية يبقى مرتبطاً حالياً بالمفاوضات الحكومية مع صندوق النقد الدولي. ولم تتأخر الحكومة في الورشة الاقتصادية باعتبار أن التحضير للخروج بخطة موحدة يحتاج وقتاً للذهاب برؤية موحدة مع المصارف ومصرف لبنان، فيما انعكاس الأزمة مع دول الخليج إذا استمر سيشمل بطبيعة الحال المساهمات والقروض التي كان لبنان ليعوّل عليها بعد أي اتفاق مع صندوق النقد كممر إلزاميّ للمساعدات والاستثمارات”.

في سياق آخر، تمحور الخرق الوحيد في الصورة الجامدة محليّاً خلال الساعات الماضية على الصعيد الحكوميّ باجتماعات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل، بمشاركة وزير البيئة ناصر ياسين وسفير لبنان في المملكة المتحدة رامي مرتضى، في مقر انعقاد “مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي” في مدينة غلاسكو في اسكتلندا. وقد أكدت ميركل “استعداد ألمانيا لدعم لبنان في كل المجالات” مصدرة توجيهات للنظر في المطالب اللبنانية في مجال البنية التحتية ومواكبة مسار المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي وملف النازحين السوريين. كذلك، أجرى ميقاتي محادثات مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء أمس في مقر انعقاد مؤتمر الامم المتحدة، حيث عبّر الأخير عن “تمسك فرنسا باستقرار لبنان السياسي والاقتصادي”. كما اجتمع ميقاتي برئيس أرمينيا أرمين سركيسيان، ثم التقى رئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس. وعقد لقاء مع رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراغي ومع الأمير ألبير دو موناكو.

شارك المقال