نشوف وجكن بخير…

مارون مارون

مرّ على هذه الواقعة، ربع قرن ونيّف من الزمن… واقعة لم نقرأ مثيلاً لها في كُتُبِ التاريخ، ولم نعاصر مشهداً مشابهاً… واقعة مفادها أن يختار المرء تسليم نفسه لجلاديه، في الوقت الذي أُتيحت له، كما لسواه، فرصة المغادرة والسفر للعيش في جادات باريس.
نعم، لقد اختار البقاء تحت أرض لبنان، على أن يكون تحت سماء باريس، يومها حمل بيده اليمنى حقيبة صغيرة فيها بعض من أمتعته البسيطة، وبيده اليسرى ألقى السلام على رفاقه وعلى كل مَن حوله، في وقت كان حاملاً في قلبه قضية وطن يقاوم للبقاء وشعب يرفض الخضوع… وقف منتصب القامة، مرفوع الرأس والجبين، وقال بصوت واثق: “نشوف وجكن بخير”، بعدها صعد إلى سيارة عسكرية رُباعية الدفع كانت تنتظره لنقله إلى وزارة الدفاع، حيثُ أُعِدَت له الزنزانة مُسبقاً، كما التُهم التي حِيكت في الغرف السوداء بين عنجر والبوريفاج، كذلك الأحكام التي كُتبت بحبر الوصاية الأسود ونطق بها القضاء اللبناني كواجهة قانونية لإخفاء كل الهفوات والتركيبات التي تم استخدامها في فبركة الملفات.
٤١١٤ يوماً قضاها في زنزانة لا تُشبه إلا القبر، لا يدخلها نور ولا هواء، أرادوا دفنه حياً، إلا أن صلابته كانت أقوى من تآمرهم، وإيمانه كان كافياً ليمنحه القوة والصبر والقدرة على تحمّل الظلم، بكلام آخر العناية الإلهية كانت إلى جانبه وقد أنقذته من اغتيال محتوم، إنما بدون أشلاء ولا دماء، وبدون رائحة بارود أو فوارغ طلقات.
باختصار، إنه المثل والمثال وقدوة الرجال الرجال، هو من طينة الموارنة ومن صلبها، أصالة الشمال محفورة في عقله وصلابة الأرز مغروسة في قلبه…
سمير جعجع هو أحد كتب تاريخ لبنان المجيد، لا بل أشبه بأرزة عتيقة، شامخة تعانق السماء، اعتادت مقاومة الرياح، تلين حيناً وتصمد أحياناً…
فالرياح وإن كانت عاتية فهي عابرة، فيما الأرزة باقية ولبنان بها يفخر… والسلام.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً