احتضان فاتيكاني للحريري والقصر الجمهوري “سوّاح”

رواند بو ضرغم

زيارة ناجحة ومثمرة في المضمون والتوقيت للرئيس المكلف سعد الحريري إلى الفاتيكان.

 ففي حين يتخبط الفرقاء السياسيون في الصراعات السياسية الداخلية وتُرحل الحكومة على وقع ذرائع الحفاظ على الصلاحيات والحفاظ على الحقوق المسيحية، حل الحريري ضيفاً في الفاتيكان على البابا فرنسيس لأكثر من نصف ساعة، وجرى التأكيد على أن الصراع السياسي في لبنان لن يتحول إلى صراع طائفي مذهبي أقله من جهة الرئيس المكلف سعد الحريري. والتُمس من الكرسي الرسولي حرصه على سعي الفاتيكان لتوفير توافق دولي عبر ديبلوماسيتها الفاعلة، وذلك لمساعدة لبنان ومساندته في وقت أزماته السياسية والاقتصادية والمالية وتحييده عن الصراعات الإقليمية.

فما سمعه وفد الرئيس المكلف من البابا هو أن المشكلة في لبنان ليست متمثلة في حقوق المسيحيين إنما حقوق كل اللبنانيين، ومن يساهم في تهجير المسيحيين هم من يفتعلون المشاكل هناك…

الفاتيكان على علم بتفاصيل الأزمة الحكومية. وخلافاً لما يُنقل في لبنان عن مصادر بأن البطريرك الراعي يعطي رئيس الجمهورية حق تسمية الوزراء المسيحيين، رد الحريري قائلاً: “الغريب أن الرسالة التي وصلتني من البطريرك أنه يدعم حكومة مستقلين أخصائيين لكي تقوم بعملها، ولم أسمع أي  كلام مختلف عن ذلك. هذه المصادر التي تتحدثون عنها معروفة ومعروف من سربها (في إشارة إلى مصادر الوزير باسيل بعد لقائه البطريرك الراعي). وأكدت مصادر وفد الحريري لموقع “لبنان الكبير” أنه خلال لقاء قداسة البابا وأمين سره لمس الوفد اللبناني أن البطريرك الراعي لم يرسل أي رسالة سلبية إلى الفاتيكان، إنما نقل الحرص على تأليف حكومة اختصاصيين بما يتلاءم مع المبادرة الفرنسية ورؤية الرئيس الحريري، وعليه فإن الفاتيكان مقتنع بأنه عند الالتزام بحكومة الاختصاصيين تصبح التسمية ضمن الضوابط المقبولة بين المعنيين بالتأليف (عون والحريري)، أما طروحات بعض الفرقاء بتسمية حزبيين فتفاقم المشكلة. لذلك أكد الحريري أنه رئيس حكومة كل لبنان وليس فقط للمسلمين أو  المسيحيين، والفاتيكان متفهم لمقاربة الحريري ويدعمه. وأكد الحريري كذلك أنه يعمل على تأليف حكومة وفقاً للدستور، وكان قد طرح مراراً أن يسمي الوزيرين المسيحيين، المختلف عليهما، إما البطريرك الراعي أو  النواب المسيحيون المستقلون ممن سموا الحريري وعلى رأسهم نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، إلا أن عون رفض هذه الطروحات متمسكاً بتسميتهما، وهذا ما يكسبه أكثر من الثلث المعطل..

المعرقل لتأليف الحكومة معروف في الفاتيكان كما سائر الدول، لذلك أكدت مصادر مواكبة لهذه الزيارة أنه ليس هناك أي  طلب لأي شخصية لبنانية لتحديد موعد في الفاتيكان. وقالت إن آخر لقاء لهم كان مع النائب جبران باسيل يومذاك كان وزيراً ولم تتكرر هذه الزيارة.

ولفت البابا فرنسيس في بيان الفاتيكان الرسمي إلى أن الشعب اللبناني يمر بلحظة من الصعوبة الشديدة وعدم الاستقرار، وذكر بمسؤولية جميع القوى السياسية في التزامها بشكل ملح بما يعود بالنفع على الوطن.

وخلال لقاء الرئيس المكلف مع أمين سر الكرسي الرسولي بياترو باروليني، الذي استمر أكثر من ٤٥ دقيقة وأدى إلى إرجاء المواعيد اللاحقة، جرى نقاش الأزمة الحكومية بتفاصيلها وتخوف باروليني من انسداد الأفق السياسي في عدم تأليف الحكومة، وأن يؤثر الصراع الإقليمي على لبنان.. لذلك سيسعى الفاتيكان إلى التواصل مع الدول المؤثرة لتحييد لبنان عن جميع الصراعات وإعادته إلى الواقع الذي كان سائدًا قبل الأزمة ، وهذا التحرك يتلاءم مع طرح البطريرك الراعي للحياد. فعرقلة التأليف كما يراها الفاتيكان داخلية مرتبطة بأجندات خارجية، حيث قال الحريري بعد لقاءات الكرسي الرسولي إن هناك مشاكل خارجية تتعلق بجبران وحلفائه، ولكن الأساس هو أن هناك فريقا أساسياً في لبنان يعطل تشكيل هذه الحكومة، وهذا الفريق معروف من هو. فهو نفسه من يوحي للبنانيين بأننا غير قادرين على الخروج من الأزمة في حين أننا بإمكاننا إيقاف هذا الانهيار ما إن نتمكن من تأليف الحكومة، إلا أن هناك من يحاول أن يمنعنا من إيقاف هذا الانهيار لأنهم يريدون للبنان أن ينهار لكي يبقوا هم موجودين في السياسة (وهنا المقصود من هذا الكلام “باسيل” الذي افتتح المعركة الرئاسية باكراً ويصارع من أجل استمرار فرض نفسه على الساحة السياسية ما بعد عهد عون)… غير أن المطلوب حالياً للخروج من الأزمات هو تأليف حكومة اختصاصيين والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة، وغير ذلك لا يوصلنا إلى أي  مخرج أو  مساعدة دولية، وحتى قداسة البابا لن يزور لبنان قبل أن تتشكل حكومة.

وعن الرئيس عون الذي كلما سئل عن تشكيل الحكومة يقول إنه ينتظر عودة الحريري من زياراته الخارجية التي وصفها بالسياحة الخارجية، أجاب الحريري: “لنقل إنني شكلت حكومة غداً، فما الذي سأقوم به فور التشكيل؟ أليس زيارة هذه الدول لكي أبدأ بالعمل معها لإعداد برنامج لصندوق النقد الدولي والإتيان بمساعدات إلى لبنان وطلب المساعدة من أوروبا والدول العربية. ما أقوم به اليوم هو استباق لتشكيل الحكومة، وحين أشكل الحكومة أباشر فوراً بالعمل وأكون قد تحدثت سلفاً مع كل الأفرقاء الذين سيأتون إلى لبنان وحينها نتمكن جميعاً من النهوض بلبنان.

المشكلة بهذا الكلام أنه يسيء للدول التي أزورها، ففعلياً هذه الدول تريد أن تساعد لبنان وأن يكون لها دور في إنعاش لبنان وإنقاذه، فيتحدثون في الصحافة اللبنانية أنني أقوم بالسياحة. كلا أنا لا أذهب في سياحة بل أعمل لأحقق أهدافاً محددة، وربما هم بسياحة في القصر الجمهوري”.

وفي لقاء الحريري مع رئيس مجلس الوزراء الإيطالي ووزير خارجيتها جرى البحث في تأليف الحكومة والعقبات التي تعترضها، وأبديا تأييد إيطاليا لتأليف حكومة من اختصاصيين تنجز الإصلاحات المطلوبة وتنفذ برنامج صندوق النقد الدولي.

وفي موضوع العقوبات الأوروبية، قال المسؤولون الإيطاليون الذين التقاهم الحريري، إن روما تعارض فرض عقوبات على كل الأطراف اللبنانيين من دون تمييز، لاعتبار أن هذه العقوبات يجب أن تستهدف المعرقلين بالتحديد، وذلك إذا ثبُت أنها تعود بالفائدة وتسهل تأليف الحكومة والحد من عرقلة المعرقلين.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً