حفلات الزجل لا تغيّر استراتيجيات الدول

عالية منصور

ما قاله وزير الخارجية عبدالله بو حبيب عن أنّ “الحكومة غير قادرة على تحجيم دور (حزب الله)، وأنّ هذه المسألة إقليمية”، يكرّره السياسيون اللبنانيون معارضو الحزب علناً، وخفيةً حلفاؤه.

وإن كانت هذه النظرة إلى موضوع “حزب الله” وسلاحه وارتباطه وولائه لإيران نظرة واقعية تنطلق من تجارب لبنان مع الحزب ودوره الداخلي والخارجي، إلا أنّ الأمر تحوّل في الكثير من الأحيان إلى ما يشبه “مسمار جحا”، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بحلفائه كـ”التيار الوطني الحر”، فهم في مكان يؤمّنون له الغطاء المسيحي ويدعمونه بكل ما يفعل، بل وفي بعض الأوقات يزايدون عليه بخطابهم طمعاً باستمرار الدعم السياسي والمالي ربما، ويرفعون من خطاب كراهيتهم للعرب إرضاء للحزب أكثر من الحزب نفسه، كما فعل مراراً وتكراراً جبران باسيل يوم كان وزير الخارجية فعلاً وقولاً، لا فعلا فحسب، كما اليوم.

وفي المقلب الآخر، فإنّ خصوم الحزب اليوم يكرّرون ما يتمنّى الآخرون أن يسمعوه وليس الحقيقة أو واقع الحال، فبعضهم يتحدّث عن قرب نهاية الحزب ومستوى ضعفه بسبب الوهن الذي تعانيه إيران ونيّتها التخلّي عنه، وآخر يتحدّث عن أنّ بيئة الحزب انقلبت عليه، بينما ثالثهم يتحدّث كيف أن خيار “التيار الوطني الحر” بالتحالف مع الحزب لا يمثل المسيحيين، بل هو عكس توجّهاتهم وهويتهم، بينما رابعهم صامت حالم، في انتظار مَن يأتي ويخلّص لبنان.

عن أي ضعف لـ”حزب الله” يتحدّثون؟ الحزب الذي تسبّب بأسوأ أزمة ديبلوماسية واقتصادية للبنان في تاريخه، ولا يزال يتمسّك بوزير كقرداحي، لا لشيء إلا ليقول: الكلمة لي؟ أم الحزب الذي يقرّر مَن يأتي رئيساً للجمهورية ومَن لا يأتي، ومَن يسمح له بتشكيل حكومة إن كُلّف ومن لا يسمح له؟ وإيران تلك التي ستفاوض مع إدارة بايدن تحديداً على رأس “حزب الله”.

وأي بيئة تلك التي انقلبت على الحزب؟ هل يكفي بضعة أفراد من المعارضين المتفرّقين للحزب لتهزّ بنيته في مناطقه؟ وكيف إن كان أغلب هؤلاء المعارضين يعيشون خارج بيئة الحزب وفي أبراج عاجية ويتبنّون خطاباً لا يمكن أن يجذب صامتاً واحداً ليتحوّل بدوره إلى معارض للحزب؟ أشخاص يقول معظمهم أنهم ضدّ طائفية الحزب، لكنّ خطابهم نفسه طائفي، بدءاً من تعريفهم عن أنفسهم. فهل يظنّون أن بامكانهم منافسة الحزب طائفياً؟

أما الخطاب الثالث الذي يقول أنّ خيار “التيار الوطني الحر” التحالف مع “حزب الله” لا يمثّل المسيحيين، هل لهم أن يخبرونا كيف استمر “التيار” بنيل أكبر نسبة من أصوات المسيحيين منذ تحالف مع “حزب الله”، إن كان المسيحيون فعلاً غير راضين عن هذا التحالف؟ أو ليس عون حليف “حزب الله” هو نفسه صاحب لقب “المسيحي القوي”؟

أما الخطاب الرابع فهو هذا الخطاب الصامت، وإن كان أصحاب هذا الخطاب هم الأكثر واقعية لناحية أنّ لبنان لا يتحمّل حصول أي مواجهة، إلا أنّ تسليمهم بحقيقة قوة “حزب الله” داخلياً وخارجياً جعلتهم أشبه بالمنتظرين الحالمين كي يأتي “نبي” ما يخصلّهم من الحزب أو أقلّه يجد لهم حلاً لموضوعه. والأسوأ أنهم قرروا عن وعي أو لا وعي أنّ أي شيء لا يمكن فعله طالما أنّ هذا “النبي” لم يأتِ بعد، فتخلّوا عن كل شيء ولم يحاولوا ايجاد أي حلّ لأي مشكلة أخرى تواجه لبنان. لا يفعلون شيئاً سوى الانتظار وإصدار بيانات تؤكد رفضهم هيمنة الحزب كلما أتت مناسبة تستدعي التذكير بموقفهم.

قد تُحل قضية قرداحي وقد لا تُحل. قد يسمح له الحزب وبشار الأسد بالاستقالة أو ينتظرا بيعه بسعر أعلى، لكن حفلة التكاذب على النفس واللبنانيين أولاً، وعلى الأشقاء العرب ثانياً يجب أن تتوقّف، فلا أظنّ أنّ حفلات الزجل التي سادت في الأيام الأخيرة يمكن أن تغيّر من استراتيجية الدول.

شارك المقال