“ضربة فنيانوس” تشلّ بيطار وتفتح نافذة قضائية للحكومة

رواند بو ضرغم

لعلّ التطوّرات القضائية في قضية انفجار مرفأ بيروت تشكّل رافعة للقضاء السليم، الذي لا يلتوي بفعل الشعبوية ولا يتأثّر بالمتسلّقين على أكتاف القضاء… فماذا في تفاصيل قضية جريمة العصر؟

تقدّم الوزير السابق المحامي يوسف فنيانوس بطلب ردّ المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار أمام محكمة الاستئناف. وهو أقدم على هذه الخطوة الثلاثاء الماضي بعيداً من الإعلام، بخطوة وُصفت من الجسم القانوني القضائي بـ”ضربة معلّم” أحرجت كل المعنيين الشعبويين… طلبُ الردّ أحيل وفق الأصول على غرفة الرئيس نسيب ايليا، الذي عرض تنحّيه عن الملف، فوُضع أمام رئيس محاكم الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله للبتّ بطلبه، وقرّر الرئيس رزق الله عدم قبول تنحّي الرئيس ايليا. عندها تقدّم فنيانوس بطلب رد القاضي نسيب إيليا على اعتبار أنّ لإيليا رأياً مسبقاً، سبق وأصدره في دعاوى الردّ بحق المحقق بيطار، حينما تصدّى معتبراً أن ليس هناك من صلاحية نوعية للمحكمة للبت بطلب القاضي بيطار، وارتكز فنيانوس في دعوته على رأي ايليا السابق، وضمّن طلب الردّ ما ورد أيضاً في محكمة التمييز من غرفتيها برئاسة القاضي ناجي عيد والقاضية جانيت حنا، بأنّ المحقّق العدلي لا يُعدّ من قضاة التمييز، وبالتالي إنّ طلب ردّه لا يُقدّم أمام محكمة التمييز، فعاد وتقدّم الوزير فنيانوس بدعوى أخرى لردّ القاضي إيليا.

حوصر القاضي إيليا بالقانون. وتسلّح الوزير فنيانوس في دعوته المقدّمة بأسئلة مصيرية: ماذا سيفعل القاضي ايليا؟ إذا قال إنه ليس صاحب الصلاحية النوعية، فماذا سيكون جوابه على محكمة التمييز التي قرّرت في غرفتيها بأنّ الصلاحية لا تعود لمحكمة التمييز بطلب ردّ القاضي بيطار؟ استشعر القاضي إيليا بالحرج عندما تبلغ طلب الردّ، فعرض تنحّيه مجدداً عن النظر بالملف. هنا رُفع الملف مجدداً إلى القاضي حبيب رزق الله الذي قَبِل طلب التنحّي هذه المرّة، لأنها المرّة الثانية التي يتقدّم فيها القاضي إيليا، وأحال رزق الله الملف إلى القاضي حبيب مزهر لينوب مكان الرئيس نسيب إيليا في النظر بدعوى الردّ.

وضع الرئيس مزهر يده على الملف واتخذ قراراً، كما سبق للرئيس إيليا أن اتخذه في المرة الأولى بدعوى الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر، عندما قرّر إبلاغ الأفرقاء وكلّفهم بمناقشة بعض الأمور القانونية قبل أن يتخذ قراره النهائي. ولكن قرار مزهر يختلف عن قرار إيليا، إذ طلب إبلاغ المطلوب ردّه، أي القاضي بيطار، ما أدّى إلى رفع يده عن النظر بملف جريمة المرفأ. فما ستكون الخطوات التالية؟

مصادر قضائية تقول لموقع “لبنان الكبير” إنّ القاضي مزهر كلّف بطريقة صحيحة وقانونية، وهذا ما لم يتبعه القاضي إيليا، قلم المحقق العدلي بإيداعه كل أسماء المدّعين والمدّعى عليهم، وطلب أيضاً منه إيداعه ملف مرفأ تفجير بيروت، ليقوم بعملية التبليغات بطلب الردّ المقدّم من فنيانوس.

فكيف سينظر القاضي حبيب مزهر في الملف؟ وهل سيرأس الغرفة نفسها التي رأسها سلفه القاضي إيليا بعضوية المستشارتين القاضيتين روزين حجيلي وميريام شمس الدين؟ فإذا كانت الغرفة نفسها هي من ستنظر في طلب الردّ، فإنّ السؤال القانوني الذي يُطرح: لماذا لم تعرض القاضيتان شمس الدين وحجيلي تنحيتهما؟ أليست القاضيتان أيضاً اتخذتا القرار نفسه بردّ الدعوى لعدم الاختصاص النوعي؟! ماذا لو تقدّمتا الآن بطلب تنحيتهما؟ يبقى مصير جواب هذه الأسئلة المشروعة سراً في جعبة فنيانوس، فهل سيتقدّم وكلاؤه القانونيون بدعوى ردّ بحق كل من شمس الدين وحجيلي؟ وماذا يخبئ فنيانوس من خطوات في القانون؟ كلّ المراقبين ينتظرون خطوة مفاجئة جديدة من المعيار نفسه. فلماذا العجلة في إصدار القرارات والتسرّع في الأحكام؟ هل من مصلحة فنيانوس أن يقوم باتمام عملية التبليغ؟ وإذا لم تتم عملية التبليغ لكل أفرقاء الدعوى، كما ورد في القرار من المدعين والمدعى عليهم والبالغ عددهم نحو 1600، فماذا سيكون مصير هذه الدعوى؟ وإلى متى سيبقى المحقق بيطار رافعاً يده عن تحقيقات المرفأ؟ ومن له مصلحة في الإسراع في البتّ؛ الوزير فنيانوس أم القاضي بيطار أم أهالي الضحايا أم أهالي الموقوفين؟ كل هذه الأسئلة تدور الآن في كواليس جميع المعنيين بالقضية، وكان من السذاجة أن يتوقّع أحد أن يستكين كل الأفرقاء المتضرّرين، وأن تنتظر تحت شعار الشعبوية ومراعاة أهالي الضحايا، وأن تسمح بأن تضرب كل القوانين بعرض الحائط.

وقال الوكيل القانوني للوزير فنيانوس لـ”لبنان الكبير”: “لماذا يستغرب البعض لجوءنا إلى القانون، هل إن طلب الرد لقاضٍ هو أمر مسموح قانوناً أم غير مسموح؟ وكيف يُسمح للجهة المدّعية أو التي تمثّل جهة الادّعاء بأن تطلب ردّ القاضي غسان خوري، وغير مسموح للجهة المدّعى عليها أن تطلب رد القاضي بيطار؟ وبراءة موكلنا سننتزعها بالقانون”.

لا شك بأنّ خطوة الوزير فنيانوس ستفتح باب جهنم على القاضي بيطار، لأنها ستكون مدخلاً للامتثال بخطوته القانونية مِن كل مَن كان متضرراً، بدءاً من رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ووصولاً إلى الوزراء النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، فإلى متى سيُرحّل قرار الظن في جريمة انفجار المرفأ؟ وهل نقول لأهالي الضحايا بأن تصرفات القاضي بيطار الكيدية هي التي أوصلتهم إلى هذا الدرك؟! أم نقول أنّ السلطة السياسية لا يستطيع أن ينافسها أحد حتى في الشأن القانوني؟! فالوجهان يجوزان، ولا لُبس في صحة النظريتين.

أما الادّعاء بأنّ القاضي مزهر هو من الطائفة الشيعية، وهو ممثل “الثنائي” في مجلس القضاء الأعلى، فهو ادّعاء غير صحيح ويصبّ في خانة التجييش الطائفي والشعبوي، لأنّ القاضي مزهر لم يطلب الملف، إنما أحيل عليه من القاضي حبيب رزق الله، المعروف بقربه من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود. فهل هذا المسار القضائي هو ما جرى الاتفاق عليه بين الرئيس نبيه برّي والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عين التينة؟ وهل قرّرت السلطة السياسية إعادة جمع مجلس الوزراء عن طريق حل قضية المرفأ، ومحاكمة الوزراء النواب أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وفقاً لما نصّ عليه الدستور، وليأخذ القانون مجراه؟ لا شك أنّ نافذة الحل القضائية هذه، ستشكل متنفّساً سياسياً للحكومة المعطّلة جراء التجاذبات السياسية والكيديات الشعبوية، والإيجابيات ستتدحرج في المقبل من الأيام.

شارك المقال