سياسيو لبنان ومفهوم السيادة

محمد شمس الدين

السيادة مصطلح يتكرّر دائماً في الحياة السياسية اللبنانية، وكل فريق سياسي لديه مفهومه تجاه السيادة، وعند كل حدث في لبنان يبدأ سباق التصاريح حول “الخروقات لسيادة لبنان”. ولكثرة المواقف عن السيادة، أصبح المصطلح مطاطاً لدرجة أنه حتى عند تصريح أي شخصية غير مسؤولة في بلد ما، يتبنّاها فريق أو تيار سياسي في لبنان على أنها “خرق خطير للسيادة”. لكن فعلياً، ما هو تعريف السيادة، وما هو خرقها؟

تعريف السيادة وخرقها

أكد مدير مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” الدكتور محمد زكور في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أنه “يجب التمييز بين السيادة بالمفهوم القانوني والمفهوم السياسي، فالسيادة الوطنية هي سلطة الدولة على أراضيها وشعبها وحدودها، هذا من الناحية القانونية، أي وفق القانون الدولي. أما خرق السيادة فهو أي تعدٍ على الدولة، سواء براً، بحراً، جواً، أو حتى سيبرانياً، بل إنّ التعدّي على أي طائرة من طائرات البلد أو باخرة من بواخره، يعتبر تعدياً على السيادة، كما أنّ التعدّي على السفارات والقنصليات في العالم يعتبر تعدياً على السيادة، وحتى أبعد من ذلك، فإنّ التعدّي على أي مواطن في أي بقعة من بقاع الأرض، قد يكون له وجه من وجوه التعدّي على السيادة”.

التدخّلات ليست خرقاً للسيادة

السياسيون في لبنان، وحسب أهوائهم ومصالحهم يفسّرون التدخّلات السياسية للدول الإقليمية بأنه تعدٍ على السيادة اللبنانية، وفق ما يقول ذكور، ويتابع: “يعتبر ما يُسمّى بمحور المقاومة أنّ الإملاءات السعودية أو حتى محاولة الإملاءات عبر الضغوط السياسية هي تعدٍ على السيادة، وفي الوقت عينه يعتبر المعسكر الآخر الذي ينتمي فكرياً لقوى 14 آذار، أنّ تمويل إيران لـ”حزب الله” مالاً وسلاحاً هو تعدٍ على السيادة، لكن واقع الحال، هذا كلام سياسي لا قيمة له، خصوصاً أننا في كوكب مفتوح، وكل الدول، إن كانت عظمى، نامية أو حتى فقيرة هي عرضة للتدخّلات من جيرانها، أو من الدول الأخرى التي لها مصالح فيها. فمثلاً، اتّهم الديموقراطيون في الولايات المتحدة الأميركية، روسيا ومخابراتها بدعم حملة ترامب الانتخابية وإنجاحه. هذا تدخّل ولكن ليس خرقاً للسيادة بالمفهوم القانوني. مثلٌ آخر اليوم هو بحر الصين الجنوبي الذي يحدّه الصين والفيليبين، لكن تتنازع عليه كلٌ من الصين وأميركا وروسيا وأستراليا، ودول بعيدة كل البعد عن حدوده الجغرافية، لذلك يجب الكفّ عن الهرطقة السياسية التي تتحدّث بانتقاص السيادة عند تدخّل دولة ما بشؤون البلد، وعلى معظم السياسيين الكفّ عن لعب دور الخادم للدول الإقليمية، عنده يوضع الحدّ للتدخلات الخارجية. أما السيادة بمفهومها القانوني فهي واضحة كعين الشمس، وليست الهرطقة التي يدّعيها السياسيون اللبنانيون”.

السياسة في لبنان لا تشبه السياسة في أي دولة في العالم، المفاهيم السياسية تختلف هنا حسب الهوى والمصلحة للأفرقاء السياسيين، فإذا اقتضت المصلحة أن تخترق السيادة دولة صديقة، فتصبح عند فريق سياسي لبناني كذلك، وإذا اقتضت المصلحة أن يكون خرق السيادة الحقيقي هو أمر عادي، سيسمع المواطن اللبناني فلسفات هذا الفريق التي تؤكد أنّ هذا ليس خرقاً للسيادة، ولذلك يضيع المواطن بين اجتهادات هنا وهناك. ومن النادر جداً أن تجد من يعطي المفهوم السياسي بمعناه المتجرّد، وليس حسب اقتضاء المصلحة السياسية.

شارك المقال