يستعد ثوار 17 تشرين جبهات تحالفية ومجموعات للانتخابات النيابية آملين الفوز بكتلة نيابية وازنة على طريق التغيير المرتجى في السلطة السياسية، عبر ورشة عمل للاتفاق على مرشحين في الدوائر الــ15 ضمن لائحة واحدة، ومن خلال تنظيم لقاءات واجتماعات للتواصل وصياغة برنامج انتخابي بعناوين واضحة.
ويؤكد الناشط السياسي في تحالف وطني يوسف مرتضى الذي يعمل على تنسيق الموضوع الانتخابي بين مجموعات الثورة لــ”لبنان الكبير”، ان الموضوع الانتخابي يحظى باهتمام العديد من المجموعات التي تشكلت خلال “ثورة 17 تشرين”، والمجموعات التي كانت موجودة قبل الثورة، مثل مجموعة “تحالف وطني”، كمجموعة راكمت تجربة هامة منذ سنة 2018، وخاضت تجربة الانتخابات بتقديم 66 مرشحة ومرشحا، نجحت من بينهم بولا يعقوبيان، لافتا الى ان “الجميع يدرك أن الأزمة ذات عمق سياسي، وليست أزمة اجتماعية واقتصادية ولا مالية، وبناء عليه لا يمكن لنا معالجة ذيول الأزمة الاجتماعية والاقتصادية من دون معالجة الأزمة السياسية التي تكونت بسبب وجود منظومة حكم فاسدة، دأبت على إدارة السلطة بالتحاصص فيما بينها، مما أدى عمليا إلى الفشل في إدارة البلاد، والى الإفلاس الذي نعيشه اليوم”.
ويرى ان “ارتهان البعض لمشاريع خارجية، وتوظيف كل قدرات البلاد في خدمة مشاريع خارجية والصراعات الإقليمية والدولية، أدى إلى عزلة لبنان عن العالمين العربي والدولي، وأفقد لبنان العديد من فرص الاستثمار وتراكم الودائع، وأدى الى خروج هذه الودائع مع المستثمرين من لبنان مما تسبب بالأزمة المتفجرة ماليا واقتصاديا وبالتالي اجتماعيا، مؤكدا ان هناك شبه إجماع بين مختلف المجموعات حول هذه القضايا، وبالتالي الجميع يدرك أنه لا مخرج من هذه الأزمات إلا بتغيير سياسي حقيقي لمنظومة الحكم، وجوهر المشكلة يكمن في خرق السلطة السياسية للقانون والدستور، إذ انخرطت في توزيع الحصص بين مكوناتها، وكانت قوى السلطة دائما تصنف الوزارات عند تشكيل أي حكومة مثلا، بين وزارة دسمة ووزارة غير دسمة. لذا فإن مفهومهم لإدارة البلاد كان مفهوم بناء سلطة، وليس بناء إدارة من أجل تطوير المجتمع وتقدمه”.
من هذا المنطلق، يجد مرتضى ان “الانتخابات النيابية لها أهمية لكونها المحطة التي يقرر فيها الشعب ترشيح ممثليه بواسطة العملية الديموقراطية في الندوة البرلمانية، هذه المؤسسة التشريعية التي يقع على كاهلها تكوين السلطة التنفيذية وضمنها انتخاب رئيس الجمهورية، والسلطات الأخرى، وأهمها السلطة القضائية، التي من المفترض أن تتجه، في ضوء التجربة الماضية، صوب الالتزام بتطبيق الدستور وتفعيل القوانين وسيادتها. وبالتالي فان العديد من مجموعات الثورة تعتبر الانتخابات محطة مهمة من أجل التغيير في بنية الطبقة الحاكمة. وسبق أن خضنا تجربة نقابة المهندسين، مع خوض تجارب انتخابات في الجامعات بالتنسيق بيننا، على الرغم من ظهور جملة من التباينات والإشكالات، إلا أن النتائج أوضحت لنا أن المناخ التغييري كبير جدا بالبلد. وخاصة أن تنسيق المجموعات حقق نتائج إيجابية ومهمة”.
وبرأيه انه “بعد ثورة 17 تشرين، وسقوط الحكومة، تبين أن القوى الأساسية التي كانت تدير البلد وعملت تسوية بين مكوناتها أصيبت بالتفكك ويصعب العودة إلى ما كانت عليه من قبل، وهذا الامر فرصة متاحة لتجمع قوى التغيير وتوحّد جهودها على رؤية وبرنامج واضحين والانخراط في الانتخابات بصيغة تمكننا من خرق هذه المنظومة وفوز كتلة نيابية قوية تحمل برنامجا سياسيا محددا”.
ما هي عناوين البرنامج الانتخابي للثورة؟ يجيب مرتضى: “المفترض الا يكون برنامجا انتخابيا فقط، هو برنامج سياسي للتغيير، تتبناه مختلف مجموعات الثورة مع بعض التباينات بينها، فالمنظومة التي حكمت فشلت واوصلت البلاد الى ما هي عليه لانها كانت تحكم وتدير البلاد بعقلية المحاصصة والمافيا لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية باتفاقات خارجة عن الدستور والقانون، فهم وضعوا الدستور جانبا او كيّفوا الدستور بما يتناسب ومصالحهم”.
ويوضح ان “اهم ركيزة لبناء السلطة التشريعية التي تمثل ارادة الشعب والتي تنبثق منها السلطات الاخرى هو قانون الانتخاب، الحكومات السابقة دأبت على اقرار قوانين انتخابية لمنع التمثيل الصحيح للشعب وتجاوزت قواعد الدستور الذي نص في المادة 22 على ان المجلس النيابي المنتخب عام 92 على اساس المناصفة، يجب ان يضع مراسيم تطبيقية للمادة التي تحكي عن مجلسين، مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، ومجلس شيوخ تتساوى فيه بالتمثيل مختلف الطوائف ويكون لديه صلاحيات محددة في 18 قضية وطنية ومصيرية. هذا امر تم تجاوزه وصاروا يضعون في كل مرة دوائر مختلفة حتى يبقوا في الحكم، وهذا خلل كبير، نحن سنتجاوزه في شبه اجماع نحو تطبيق الدستور اي المادة 22، والمادة 95 التي تدعو الى تشكيل اللجنة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية للخروج تدريجيا من التوزيع الطائفي للسلطة والوظيفي الى الدولة المدنية والمواطنة ومعها شبه اجماع اقرار قانون موحد للاحوال الشخصية؛ هذه النقاط المتفق عليها من كل مجموعات الثورة. والامر الثاني هو رفض فكرة الديموقراطية التوافقية، لانها ليست موجودة في قاموس الديموقراطية وبالتالي اقرار مبدأ الموالاة والمعارضة يعني فصل النيابة عن الوزارة، لانهم دأبوا سابقا على ان تكون الحكومة مجلسا نيابيا مصغرا وهذا يفقد النظام الديموقراطي معناه الحقيقي لانه يغيّب دور المجلس النيابي اي المراقبة والمحاسبة ونحن نرفض تسلط السلطة السياسية على السلطة القضائية وضرب نظام فصل السلطات، فالسلطة القضائية اليوم اصبحت سلطة معطّلة ومكرسة لخدمة السلطة السياسية وهذا امر خطير، وهو يفسر لماذا لم يُقاد اي حرامي على الرغم من اتهام بعضهم البعض بالسرقات والفساد، والجواب واضح لانهم عطلوا القضاء والمحاسبة ونحن مع استقلالية القضاء وكذلك مع التمسك بحرية التعبير بكل اشكالها، فمنذ العام 2011 كل تحرك شعبي كان يواجه بالقمع وكم الافواه، إضافة الى اننا متفقون على تفعيل دور المؤسسات وانهاء نظام الترويكا”.
ويركز مرتضى على “ركيزة السيادة في البرنامج الانتخابي فسيادة البلد غير موجودة وهي في حالة ارتهان للخارج، والسيادة ليست حفظ الاستقلال بل دور لبنان الدولي وحفظ مصالح لبنان الاقتصادية والسياسية وإبقاء قرار السلم والحرب بيد الدولة”.
وبالطبع يجري تغييب الموضوع الاقتصادي بالنسبة الى الثوار حيث الخلاصة هي “كيف نحول اقتصادنا من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج”، حسب مرتضى الذي يشدد أيضا على “كيفية ضمان حق اللبناني في السكن والصحة والعمل والشيخوخة وهي امور على الدولة لعب دور فيها”.
اذا هذا هو المشروع الانتخابي وهو مشروع سياسي أيضا لاعادة بناء الدولة، لكن “هناك أيضا مشاريع انتخابية لها علاقة بالمناطق وهي ذات خصوصية”، كما يشرح مرتضى.
اما عن المرشحين فيقول: “نحن لدينا مرشحون، لكن لم نطلق عملية الترشيحات بعد، نحن نحضر، هناك مجموعات وقفت على حدى ومجموعات اجتمعت مع بعضها، وقد وضعت معايير للترشيح وتحديد من يمكن ان يكون مرشحا من قبلنا وندرس المواصفات والكفاءات وهذا امر ليس مدار بحث فقط وانما بدأ العمل به ولكن لم يعلن عن مرشحين ولم تتكون اللوائح ولا اعتقد اننا سنعلن عن مرشحي الثورة في القريب العاجل لاسباب عدة”.
وفي موضوع التوجهات لكيفية خوض المعركة الانتخابية، يشير مرتضى الى ان “حصول تواصل مع الجبهات والنقاش حول كيفية خوض الانتخابات مع بعض، وهناك توجه عام ينضج وهو مدار بحث هذه الأيام، فالكل مجمع على ان الانتخابات يجب أن تخوضها كل مجموعات الثورة بلائحة موحدة، وهذا ما نعمل عليه ونناقش الامر بعمق حتى يترجم على مستوى 15 دائرة في لبنان”.
ويوضح ان “الترشيحات ستأتي من المجموعات وسيكون لجبهات التحالف 2 او 3 مرشحين في نفس الدائرة وسنرى كيف سنتعاون حتى نختار الأفضل من دون ان نختلف بين بعضنا ونحن هنا نضع معايير وهناك بعض الأمور يجري التداول بها لاختيار الأفضل من دون تنافر آخذين في الاعتبار تجربة انتخابات 2018 التي كان لها الكثير من الإيجابيات لكوننا عرفنا كيف نتعامل معها وكان هناك سلبيات نعرف اليوم كيف نتجاوزها”.
ماذا عن إدارة الانتخابات؟، يفيد مرتضى: “نفكر بإدارة انتخابية واحدة في 15 دائرة بالتنسيق مع الجبهات والمجموعات ومن المفترض ان نؤمن لها التمويل عبر تبرعات من لبنانيين بالداخل والخارج ضمن سقوف مالية محددة حتى يكون هناك ماكينة انتخابية تؤمن المندوبين في كل مراكز الاقتراع وتستطيع ان تأخذ مساحة مهمة في الاعلام وتتوفر لها إمكانات بشرية ومادية لتدير الانتخابات بشكل متناسب وهذا امر مهم بالنسبة للرأي العام، فإذا أمنا شرطين الأول لائحة واحدة للثورة والإدارة الانتخابية المتماسكة نظهر قدراتنا وهذا يعطي ثقة لقوى التغيير ان هناك إمكان لتحضير بديل من نوعية جديدة يلتزم بتطبيق الدستور وتطويره مستقبلا مما يجعلنا نبني دولة ديموقراطية حديثة سيدة”.
وهل تتأملون الخرق؟ يؤكد مرتضى: “نعمل من اجل تأمين نجاح مرشحين من الثورة يشكلون كتلة نيابية وازنة، ونحن نستطيع ذلك اذا تجاوزنا بعض الإشكالات والخلافات حول بعض العناوين وحول كيفية التنسيق وبناء تحالفات توصلنا الى لائحة انتخابية واحدة”.