انقلاب السودان: تخبّط داخلي وتوتّر في المنطقة

حسناء بو حرفوش

ما هي تداعيات الانقلاب الذي نفّذه الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان الشهر الماضي على الداخل السوداني وعلى المنطقة؟ الإجابة في تحليل لمعهد “باريكار مانوهار” لدراسات الدفاع والتحليلات (MP-IDSA) في نيودلهي والذي نشره موقع “أوراسيا ريفيو” (Eurasia Review) الإلكتروني. ويعود التحليل للتذكير بالتطورات التي أدت إلى هذا الانقلاب قبل الغوص في تداعياته على مستوى الاستقرار والأمن الداخلي، والعلاقات مع الخارج والدور السوداني في المنطقة.

ويواجه السودان “منذ الانقلاب الذي قاده الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول وما تلاه من حل للحكومة الانتقالية وإعلان حالة الطوارئ وسجن للقادة المدنيين (…) احتجاجات واسعة النطاق داخل البلاد وإدانات من جميع أنحاء العالم (…) بالتزامن مع تزايد المخاوف من أن تؤدي الأزمة السياسية إلى تفاقم الأوضاع داخليا وفي المنطقة. وفي نظرة سريعة للتطورات في البلاد، كانت السلطات الانتقالية في السودان قد وصلت إلى السلطة في نيسان 2019 بعدما اُنهك حكم الرئيس عمر البشير الذي استمر 30 عاما، تحت وطأة الاحتجاجات. ومنذ ذلك الحين، خضع السودان لإدارة الجنرالات العسكريين والمدنيين من قوى الحرية والتغيير. لكن الأشهر الأخيرة شهدت تعمقاً في الانقسامات داخل هذه القوى نفسها وتراجع الدعم للحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على خلفية الإصلاحات الاقتصادية إلى حد ما. وتظاهر أنصار الجيش مطالبين بإقالة الحكومة، كما قام مجلس قبلي بإغلاق ميناء بورتسودان، الذي يعد أكبر ميناء في البلاد على البحر الأحمر. مع الإشارة إلى أهمية التفكير بتوقيت الانقلاب (…) وهذا ما ربطه تقرير لـ “بي بي سي” بالرغبة بحماية المصالح التجارية للجيش بشكل محتمل.

التداعيات الداخلية للانقلاب

أما عن تداعيات الانقلاب في السودان، فهي عديدة. وفي البداية، يعاني الاقتصاد السوداني من وضع سيئ بالفعل إذ شكل انفصال جنوب السودان عام 2011 صدمة اقتصادية كبيرة، مع فقدان البلاد ثروتها النفطية التي شكلت 50% من إيرادات الحكومة و95% من صادراتها. وزاد الصراع الداخلي داخل جنوب السودان من حدة البؤس، إذ حُرِمَت البلاد من إيرادات نقل النفط عبر خطوط الأنابيب التي بقيت في البلاد. كما ورثت الحكومة الانتقالية اقتصاداً ممزقاً. وتغير الوضع الاقتصادي كثيراً على مدى السنوات القليلة الماضية، إذ بلغ التضخم 400% وتفاقمت المشاكل الاقتصادية في ظل جائحة كورونا على الرغم من جهود حكومة رئيس الوزراء حمدوك، والتي أفضت لإزالة السودان عن القائمة الأميركية للإرهاب، مما مهّد الطريق لدخول المساعدات من المؤسسات المالية الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن الانقلاب أدى لانتكاسة في هذا التقدم، وسيؤدي بالتأكيد لإضعاف الاقتصاد أكثر فأكثر. وهذا ما ترجم بتجميد الولايات المتحدة والبنك الدولي للمساعدات الاقتصادية للبلاد بعد الانقلاب، وسط ترجيحات بأن يحذو الاتحاد الأوروبي حذوهما. أضف إلى ذلك أن الانقلاب يهدد السلام الهش في البلاد. وكانت الحكومة الانتقالية قد وقعت في تشرين الأول 2020، اتفاق سلام مع بعض المتمردين المسلحين، باستثناء مجموعتين مسلحتين قويتين تتخذان موقفاً حذراً من الجيش السوداني ولا تهتمان إلا بالتواصل مع الحكومة المدنية. وأضعف الانقلاب من فرص انضمام هذه الجماعات إلى الحكومة في أي وقت قريب. وبدلاً من ذلك، تزايدت المخاوف من اندلاع التوترات.

التداعيات الخارجية للانقلاب

ومن المحتمل أن تنعكس تداعيات الانقلاب العسكري على المنطقة أيضاً، بما في ذلك تأجيج الخلافات القائمة بين جيران السودان، فتتصاعد على سبيل المثال التوترات بين السودان وإثيوبيا من الشرق، علماً أنهما دخلا أصلاً في نزاع إقليمي بشأن مساحة من الأراضي الزراعية في منطقة الفقشة الحدودية. كما يخشى أن يؤدي الانقلاب إلى تأخير حل الخلاف المتعلق بسد النهضة الإثيوبي الكبير بين إثيوبيا ومصر والسودان. وبينما تعتبر إثيوبيا أن بناء السد ضروري للتقدم الاقتصادي للبلاد ولتوفير الطاقة الكهرومائية للمنطقة بأكملها، تعارض مصر والسودان المشروع باعتبار أن من شأنه تقليل تدفق مياه النيل إلى بلديهما. وتعتبر الحكومة المصرية قريبة من الجيش السوداني وقد تكتسب ميزة في النزاع الجاري، مما يزيد من احتمال الاصطدام بحائط مسدود. كما قد يدفع الانقلاب أيضا الجيش السوداني لتقديم المزيد من الدعم لجبهة تحرير شعب تيغراي في الصراع الداخلي المستمر في إثيوبيا، مما يعجل من اندلاع حريق إقليمي.

التداعيات على الهند

ولا توفر هذه التداعيات الهند التي تعد شريكاً رئيسياً في التنمية مع السودان، لناحية التبادل التجاري وعدد الطلاب السودانيين الذين يتابعون تحصيلهم العلمي في الهند. وخلال العام الماضي، واصلت الهند دعم السودان بمواجهة تحديات متعددة، كالنزاع المسلح وتفشي كورونا والفيضانات الهائلة (…) وتنبع أهمية السودان بالنسبة للهند من حقيقة أن البلاد شكلت بوابة لاستثمارات الهند في قطاع الطاقة في القارة الأفريقية (…) لكن على مر السنين، نزع الصراع في جنوب السودان والنزاعات بين البلدين حول عبور ونقل الوقود، بريق هذا الاستثمار (…) كما قد يترك الانقلاب في السودان تأثيراً سلبياً في علاقات الهند التجارية مع البلاد (…) علاوة على تهديد أمن الجالية الهندية في السودان والذي يشكل مصدر قلق آخر، خصوصاً أن الهند قامت في الماضي، بإجلاء مواطنيها وعمالها الذين علقوا في السودان أثناء الاضطرابات.

يمكن الجزم بأن السودان الذي يربط شمال أفريقيا والقرن الأفريقي والساحل، يشكل مفتاحاً للاستقرار في المنطقة، وقد تزيد أي حال من عدم الاستقرار والفوضى في البلاد من حدة الخلافات الإقليمية في المنطقة أيضاً (…) لذلك يتوجب على المنظمات الإقليمية، مثل الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) والاتحاد الأفريقي والشركاء الخارجيين للسودان بما في ذلك الهند، الضغط على النظام العسكري في السودان لصالح العودة السريعة للحكومة الانتقالية المدنية”.

شارك المقال