fbpx

مهاجرو الشرق الأوسط “بيادق” الحرب الباردة الجديدة

حسناء بو حرفوش
تابعنا على الواتساب

مع حلول فصل الصقيع، لا يزال آلاف المهاجرين من العراق وسوريا واليمن والذين يحاولون الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، عالقين على الحدود بين روسيا البيضاء (بيلاروسيا) حليفة روسيا وبولندا العضو في الاتحاد الأوروبي. وتنذر الحال المخيفة لهؤلاء المهاجرين بخطر استغلالهم كأدوات وبيادق في لعبة جيوسياسية وحرب باردة جديدة، كما تسطّر قراءة للمحلل الصربي نيكولا ميكوفيك، المتخصص في السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا.

ووفقاً لتحليل ميكوفيك، “يضع المهاجرون نصب عيونهم هدفاً واضحاً ألا وهو الوصول إلى الدول الغنية مثل ألمانيا أو فرنسا أو بلجيكا في أسرع وقت ممكن. لكن بالنسبة إلى رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، لا يشكل المهاجرون أكثر من مجرد أداة في خلافه مع الاتحاد الأوروبي. ويقال إنه أحضرهم إلى جوار أوروبا الشرقية من أجل معاقبة الغرب على العقوبات الغربية المفروضة على مينسك على خلفية قمع الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت عام 2020 واعتقال المعارض رومان بروتاسيفيتش (…) وينتهج لوكاشينكو سياسة بسيطة للغاية: كلما زادت قيود الاتحاد الأوروبي على بيلاروسيا، زاد عدد المهاجرين على حدود الاتحاد.

تصعيد متبادل

لكن، في المقابل، لا تظهر المؤشرات أيّ نيّة لدى بروكسل للتراجع. وهذا ما يترجم من خلال موافقة الاتحاد الأوروبي الاثنين على فرض عقوبات إضافية على بيلاروسيا (…) من المتوقع أن تستهدف نحو 30 فرداً وكياناً بما في ذلك وزير خارجية البلاد وشركة الطيران البيلاروسية “بيلافيا”.

من جانبه، يهدد لوكاشينكو بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا في إجراء قد يترك تأثيرا خطيرا في القارة بأكملها، نظراً إلى أن روسيا خفضت بالفعل إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا ما تسبب بزيادة هائلة في كلفة الطاقة. ومع ذلك، ونظراً إلى أن خط أنابيب الغاز الطبيعي يامال – أوروبا الذي يمر عبر الأراضي البيلاروسية ملك لشركة “غازبروم” الروسية العملاقة للطاقة، لا يمكن للوكاشينكو إيقاف نقل الغاز من دون الضوء الأخضر من موسكو.

أما في حال وافق الكرملين على قرار لوكاشينكو، فقد تجبر العديد من الدول الأوروبية على مواجهة انقطاع التيار الكهربائي كحقيقة واقعة. ولأن الغرب يدرك فعليا العواقب الوخيمة المترتبة على أزمة المهاجرين، بدأ الضغط على روسيا لوضع حد لتصرفات لوكاشينكو. كما هدّد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على شركة الطيران الروسية “إيروفلوت” التابعة للدولة على خلفية الوضع على الحدود البولندية – البيلاروسية، في ظل بعض التقارير التي تدفع قادة الاتحاد للاعتقاد أن الشركة تنقل المهاجرين من الشرق الأوسط إلى مينسك، حيث يحاولون عبور الحدود البولندية.

لكن شركة الطيران تنفي هذا الادعاء بشدة. وفي حال فرضت بروكسل مثل هذه العقوبات على الشركة الروسية، قد يرد الكرملين بحظر رحلات شركات الطيران الغربية فوق الأراضي الروسية، مما سيؤدي بلا شك إلى زيادة أسعار تذاكر الطيران للعديد من الوجهات. وقد أخذت الخطوط الجوية التركية التهديدات الأوروبية لشركة “إيروفلوت” على محمل الجد، فأكدت عدم قبولها بسفر مواطنين عراقيين وسوريين ويمنيين على متن رحلاتها المتجهة إلى مينسك، باستثناء حاملي جوازات السفر الديبلوماسية. وفي الواقع، بدأ معظم المهاجرين السفر إلى مينسك عبر اسطنبول بعد أن ضغط الاتحاد الأوروبي على العراق لتعليق جميع الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا. أما حالياً، وبعد قطع الطريق التركي، يقال أن السلطات البيلاروسية تخطط لزيادة عدد الرحلات الجوية المنطلقة من العديد من دول الشرق الأوسط.

وسيواصل الغرب محاولاته لمنع مثل هذه الترتيبات، لكن إذا أصر لوكاشينكو على الاستمرار بسياسة الانتقام من الاتحاد الأوروبي، فيمكنه جلب المهاجرين من آسيا الوسطى أو حتى من جمهورية الشيشان الروسية إلى الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي. وتقوم بولندا وليتوانيا ولاتفيا ببناء حواجز على طول حدودها مع بيلاروسيا. ويظهر التاريخ الحديث فعالية مثل هذه الإجراءات. ففي العام 2017، أقامت الحكومة المجرية سياجا من الأسلاك الشائكة على طول حدودها مع صربيا. وبالنتيجة، انخفضت نسب محاولات المهاجرين دخول الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني.

لكن في حال استمر لوكاشينكو بخوض حرب باردة مع الاتحاد الأوروبي، يمكنه إعادة توجيه اللاجئين جنوبا، باتجاه أوكرانيا. وسيحاول طالبو اللجوء بعد ذلك الذهاب إلى بولندا أو سلوفاكيا أو حتى المجر في طريقهم إلى الدول الأوروبية الأكثر ثراء.

معايير مزدوجة

وتعتبر بيلاروسيا أن الإجراءات الغربية في الشرق الأوسط دمّرت العديد من البلدان مما أجبر المهاجرين على البحث عن حياة أفضل في أماكن أخرى (…) وبدورها، اتهمت روسيا، حليفة بيلاروسيا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، الاتحاد الأوروبي بازدواجية المعايير، مدّعية أن بروكسل خصصت أموالاً لإبقاء المهاجرين في تركيا عندما كانوا يصلون إلى أوروبا من الأراضي التركية. بعبارة أخرى، اقترح لافروف بشكل صريح أن يدفع الغرب الأموال للوكاشينكو لقاء وقف إرسال المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي.

لكن مثل هذا الخيار لا يبدو واقعياً جداً، خصوصا أن أي تنازل لبيلاروسيا، سواء بشكل المساعدات المالية أو رفع العقوبات سوف يفسّر، من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، كعلامة ضعف. لهذا السبب يرفض الغرب التفاوض مباشرة مع لوكاشينكو، ويركّز الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي هذا السياق، اتصلت المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل بالزعيم الروسي مرتين في غضون أسبوع في محاولة لحل أزمة المهاجرين. لكن لا بد أن يشمل أي اتفاق بين الغرب وروسيا، لوكاشينكو. وبغض النظر عن مدى اعتماد بلاد هذا الأخير على روسيا فإنه ليس دمية بيد بوتين، إذ يتمتع الرئيسان بتاريخ من الخلافات، خصوصاً في ما يتعلق بملف الطاقة. كما أن لوكاشينكو لطالما سعى للحفاظ على أكبر قدر ممكن من سيادة بيلاروسيا. ختاما، وكما اعترف بوتين نفسه مؤخراً، الرئيس البيلاروسي مفاوض صعب المراس وسيتعلم الاتحاد الأوروبي الدرس بالطريقة الصعبة”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال