سيناريو عون لتوريث العهد… هل يمرّ بلا كوارث؟

جورج حايك
جورج حايك

“لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي. لن يكون بعد الآن رئيس للجمهورية لا يمثّل أحداً، ولا يمثّل نفسه حتى، بل ابن قاعدته. إذا وصلنا إلى نهاية الولاية فسأترك قصر بعبدا حتماً لرئيس يخلفني”.

هذا ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون منذ أيام، وأثار قلق اللبنانيين بدلاً من أن يطمئنهم. فعون وضع شروطاً، وفُهِمَ من هذه الشروط أنه لن يسلّم الرئاسة إلا بعد انتخاب صهره رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بعدما جعله رئيس الظل طوال فترة عهده. مصادر قصر بعبدا تقول إنّ الرئيس عون لم يحدّد أي اسم رئيس وهذه ليست سوى تأويلات لبعض سيئي النيّة، لكن أكثرية الشعب اللبناني يبدو أنها أصبحت سيئة النيّة بسبب تجارب عون السابقة!

لكن الدستور واضح، ويؤكد الدستوريون أنه في حال انقضت ولاية رئيس الجمهورية من دون التوصّل إلى انتخاب رئيس جديد تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية، بالاستناد إلى المادة 62، بمجلس الوزراء وكالة. وحددت المادة 74 هذه الحالات على سبيل التعداد لا الحصر، إذ اعتبرت أنّ سدة الرئاسة تعتبر خالية في حال وفاة رئيس الجمهوية أو استقالته أو لأي سبب آخر، مما يعني أنّ نص هذه المادة ينطبق كذلك على حالات شغور منصب الرئاسة لتعذّر الانتخاب.

بناء على مواد الدستور الواضحة، ترى مصادر معارضة أنّ عون لا يمكنه البقاء في قصر بعبدا، ولو للحظة واحدة بعد انتهاء عهده، على الرغم من أنّ معزوفة البقاء في القصر حتى تسليم رئيس آخر سمعها اللبنانيون سابقاً نقلاً عن الرئيس، وتحديداً في كانون الأول 2020 على لسان الوزير السابق وئام وهاب الذي قال: “لا انتخابات رئاسة جمهورية من دون عقد اجتماعي جديد. حتى ولو انتهت فترة ولايته، سيبقى عون في بعبدا نتيجة الفراغ الرئاسي ولا انتخابات في مِثل هذا الجو”. والمفارقة أنّ عون لم يغادر القصر الجمهوري عام 1990 إلّا مضطراً بفِعل الاجتياح العسكري السوري الذي حصل بغطاء أميركي طبعاً، وبدلاً من أن يركِّز اهتمام حكومته الانتقالية على إنهاء الفراغ الرئاسي، تصرّف على طريقة “إما أن أكون رئيساً أو لا أحد” من دون سقف زمني!

وعرف لبنان حالات ثلاث من الفراغ الرئاسي: الأولى من 18 إلى 22 أيلول 1952 بعد عزل الرئيس بشارة الخوري، تشكلت حينها حكومة عسكرية برئاسة فؤاد شهاب لأيام قليلة وتولّت صلاحيات الرئيس حتى انتخاب كميل شمعون رئيساً. أما الثانية فامتدت من 23 أيلول 1988 إلى 23 أيلول 1990 مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذّر انتخاب خلفٍ له، وشهد لبنان انقساماً سياسياً أدّى إلى قيام حكومتين الأولى برئاسة العماد ميشال عون والثانية برئاسة الدكتور سليم الحص، تنازعتا صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتخاب رينيه معوض رئيساً. الثالثة كانت من 23 تشرين الثاني 2007 إلى 25 أيار 2008، مع انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود وتعذّر انتخاب خلف له، تولّت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتخاب العماد ميشال سليمان.

كلام عون والشروط التي يضعها لتسليم قصر بعبدا تنذر بالكوارث، على ما تقول المصادر المعارضة، ويشتمّ من كلامه أنّ هناك سيناريواً معيّناً يخطّط له للوصول إلى استمرار عون في قصر بعبدا. فما هو هذا السيناريو؟

تقول المصادر المعارضة أنّ مؤشرات عدة ظهرت من خلال سعي “التيار الوطني الحر” لعرقلة الانتخابات النيابية، وليس بعيداً عنه “حزب الله”، إذ لا مصلحة لدى الحليفين السياسيين بإجراء انتخابات نيابية يعوّل عليها كثيرون لانتزاع الأكثرية منهما، والمسألة تبدو أبعد وأعمق من ذلك. لكن تنفيذ المهمة بدأ عبر خلق أعذار لتأجيل الانتخابات وهناك أوراق عدة يلعبها هذا الفريق، أهمها من باب القانون الانتخابي والطعن الدستوري المتعمّد في النصوص والمهل، وخلق حوادث أمنية متفرقة تزرع الخوف لدى الكثيرين، ودخول لاعب خارجي يخربط اللعبة الجارية…

إلى جانب ذلك، عُطّلت الحكومة بذريعة “الثنائي الشيعي” والضغط لرفع يد القاضي طارق البيطار عن التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، والهدف ضرب الحكومة وتحويلها إلى تصريف الأعمال، كي لا تكون صالحة لقيادة مرحلة الفراغ في حال تعذّر انتخاب رئيس، وهذا ما يبرّر تمسّك الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي ومنعه من الاستقالة، لأنهما يدركان أنّ اللعبة السياسية اللبنانية قد تتطوّر إلى الفراغ، وهذا ما لا تريده عواصم القرار خوفاً على الاستقرار.

إذاً، فريق العهد وحليفه “حزب الله” يعتبران الفراغ ملعبهما، ويريدان تجاوز اتفاق الطائف، لأنه، وفق أدبياتهما، خدم مرحلته وبات غير صالح، ويجب البحث بالتالي عن تعديلات في مؤتمر تأسيسي يُعيد صياغة النظام وانتخاب رئيس جديد له يكون مناصراً لمحور المقاومة والممانعة، ووفق سيناريو “التيار الوطني الحر” هو جبران باسيل. وربما هذه النقطة الوحيدة التي تستمر مبهمة لدى الحليفين، أي “حزب الله” و”التيار”، في ظل وجود منافس من الفريق “الممانع” نفسه هو رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.

وترى المصادر المعارضة أنّ عون وباسيل يريدان تكرار تجربة 2016 عندما حصلت التسوية بإيصال عون إلى الرئاسة. لكن الأمور مختلفة اليوم، فالبلد في حال انهيار ولا يحتمل فراغاً كالذي حدث ما بين 2014 و2016 عندما عُلقت المؤسّسات إلى حين انتخاب عون، علماً أنّ تجربة العهد الرئاسي لم تحقّق أي انجاز يبنى عليه، لا بل انزلق البلد وتدحرج نحو الانهيار، فيما الممارسات السياسية لرئيس الجمهورية وتياره لم تتغيّر وهي عينها التي ساهمت مع كل الطبقة الحاكمة في النزول إلى القعر. والواضح أنّ العزلة التي يعانيها باسيل دفعت رئيس الجمهورية إلى التشدّد أكثر، فيما تشير المعلومات إلى أنّ المجتمعين العربي والدولي لا يحبّذان ترشيح باسيل للموقع الرئاسي.

واللافت في كلام عون هو العزف على العصب المسيحي مجدداً من خلال تشديده على ضرورة انتخاب رئيس يمثل بيئته، ولم يُدرك أنّ سياسته هذه تؤدي إلى المزيد من النزف على الساحة المسيحية، خصوصاً إذا كان “الرئيس” العتيد على طراز صهره باسيل، يميل إلى الخروج عن اتفاق الطائف والعودة إلى نظام رئاسي، ليبني نهجه الرئاسي، لا كحكم يتواصل مع كل القوى السياسيةـ إنما كطرف عدائي للجميع. هذا يطرح تساؤلات عما إذا كان الرئيس عون سيتنبّه إلى أنّ الخروج عن “الطائف” من دون ضمان بديل متوازن له، سيؤدي إلى إغراق البلد ونشر الفوضى الأهلية والكيانية التي هي أسوأ من كل الحروب الأهلية!

كلام عون لا يُطمئن بعدما اعتاد تعطيل الانتخابات الرئاسية لأنه يريد أن يكون الرئيس، ولا يرضى بانتخاب أحد غيره، فهل ينجح في تكرار السيناريو عينه لمصلحة باسيل “المعاقب” دولياً و”المنبوذ” شعبياً و”المكروه” سياسياً؟

شارك المقال