القضاء اللبناني للقدر

مروان سلام
مروان سلام

لا يختلف اثنان على أن العهد وحزبه الحاكم أصبحا خطراً حقيقياً على لبنان وكيانه حتى على وجوده، بعد أن حوّلا القضاء اللبناني، آخر معاقل مؤسسات الدولة التي يفترض بها أن تكون مستقلة، إلى محاور ومتاريس وصراعات للتشفي وتصفية الحسابات السياسية.

انه لمشهد مخز معيب ومقزز لم يعرف الجسم القضائي له مثيلاً في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية وصراع الآخرين على أرضنا، ليضفي على هذه المشهدية صورة قاتمة عن لبنان وهو يهوي أمام أنظار كل دول العالم، مشرعاً أبوابه على كل الاحتمالات من الفوضى المنظمة والمخطط لها بعناية عن سابق إصرار وتصميم، والتي يجيد امتهانها “التيار الوطني الحر” بثقافته التاريخية التعطيلية الهدامة، وبدعم مطلق من كرسي رئاسة الجمهورية الذي عرف الرئيس ميشال عون أن يستغلها ويستعملها لمصلحة ولي عهده صهره “شقي الجمهورية” وبدعم من “حزب الله، الواقع بين سندانين: الأول استمرارية تأمين الغطاء المسيحي والخوف من سحبه، والثاني استكمالاً لغطاء شرعية سلاح المقاومة الذي أصبح وجوده محرجاً بشكل كبير للدول الكبرى، بما فيها روسيا التي تولت حصرياً ملفه بمعزل عن إيران. وما زيارة وفد “حزب الله” إلى موسكو مؤخراً إلا لإطلاعه على الخريطة الجديدة التي رسمت له خطوطها الصفراء والمساحة التي يمنع عليه اللعب خارجها في المنطقة، ومن يعتقد أن موضوع زيارة الوفد إلى موسكو هي لتشكيل الحكومة يكون إما واهماً أو أنه ساذج.

إن الأدوات الصغيرة والوضيعة والخطيرة، التي يستغلها ويستعملها ويثيرها العهد وحزبه الحاكم (التيار الوطني الحر) في تحريك الشارع عبر بوابة القضاء اللبناني تحت عنوانين وهميين: “التحقيق الجنائي” “والأموال المهربة” في خدمة لحليفه “حزب الله” أولاً الذي يريد أن يحجب الأنظار عنه وعن مسألة الطلب منه رسمياً أن ينكفئ إلى الداخل اللبناني مع سلاحه غير الثقيل، وفي خدمة مسألة العقوبات الدولية على جبران باسيل، الذي يعتقد بسذاجته أنه يوهم به المجتمع الدولي بأنه هو وحده من يحمل صليب محاربة الفساد في البلاد، وأن الطبقة السياسية الفاسدة هي التي تمنعه من ذلك تحت شعار: “ما خلّونا”، عله بذلك يتخطى قطوع حظوظه المعدومة في الرئاسة ليستكمل ما هدمه عمه بولاية سوداء أخرى.

نعم لم يعد اللعب في الساحة اللبنانية بين التيارات والقوى السياسية على حافة الهاوية، بل أصبح اللعب في الهاوية نفسها وعلى المكشوف: “يا قاتل يا مقتول”. ولم تعد مسألة تشكيل الحكومة هي الأولوية، وتسيير مرافق الدولة المشلولة شللاً تاماً مع ما يتطلبه الوضع المعيشي والاقتصادي والمالي من نجدة سريعة للمواطن اللبناني، الذي أصبح أكبر طموحه الاستحواذ على حصة غذائية تغنيه عن بكاء أطفاله في ظل مستقبل قاتم وأسود لهم.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً