البابا يرغب في زيارة لبنان… وإعطاء الشرعية للسلطة يمنعه

هيام طوق
هيام طوق

سنة 2019 قام البابا فرنسيس بزيارة غير مسبوقة الى الامارات العربية المتحدة في شبه الجزيرة العربية، وفي آذار 2021 زار الحبر الأعظم العراق الذي عانى أعمال عنف، وهي الزيارة الأولى للبابا الى هذا البلد، واليوم، يطلق “نداءً من أجل الوحدة والسلام” من قبرص التي تبعد أميالاً عن لبنان ثم ينطلق الى اليونان ليثير أزمة المهاجرين واللاجئين والحوار بين الأديان.

وعلى الرغم من أن البابا فرنسيس أبلغ الرئيس سعد الحريري خلال زيارته الفاتيكان إنه يرغب في المجيء إلى لبنان، كما أعلن بعد عودته من العراق ان رحلته المقبلة ستكون إلى “لبنان المتألم” والذي يعيش “أزمة وجود”، يتساءل اللبنانيون عن عدم مجيء صاحب القداسة الى بلد الارز، وهو القائل: “انزعجت أشد الانزعاج لما رأيته من معاناة وألم أضعفا الصمود وسعة الحيلة المعهودين في أرض أشجار الأرز، معبرا عن محبته للشعب اللبناني الحبيب الذي أرجو أن أزوره في أقرب وقت ممكن”.

وتؤكد مصادر مطلعة لـ”لبنان الكبير” ان الفاتيكان يعمل بصمت من أجل مساعدة لبنان، ويطرح قضيته على قادة العالم التي تزور الكرسي الرسولي الذي يسعى بعيداً من التصريحات الاعلامية لحل الازمات اللبنانية اللامتناهية لكن على اللبنانيين أن يلاقوه الى منتصف الطريق، وهذا لم يحصل لأن الاشتباكات والنزاعات والكيديات والتناحر والآراء المتباعدة والمتناقضة بين الاطراف حول القضايا كافة، أدت الى خلق هوة كبيرة وعميقة بينهم.

والمفارقة هنا ان البابا استقبل الحريري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لكن الرئيس الماروني العربي المسيحي الوحيد في الشرق الاوسط لم يزر حاضرة الفاتيكان ولم يلتق البابا خلال زياراته البلدان المجاورة على الرغم من العقد والتعثر والأزمات التي تخنق البلاد والعباد، ولم يطلب منه حتى الصلاة والتضرع الى الله من أجل القيامة القريبة.

وبعد الزيارة التاريخية لقبرص، يحاول اللبنانيون ايجاد الأجوبة على استفساراتهم وأسئلتهم البديهية، ومنها: ما هي الاسباب الفعلية لعدم زيارة البابا فرنسيس لبنان على الرغم من تأكيده في أكثر من مناسبة رغبته في ذلك؟ لماذا لم يلتق رئيس الجمهورية الحبر الأعظم العارف بالشاردة والواردة والذي ينادي المجتمع الدولي لمساعدة لبنان “على البقاء خارج الصراعات والتوترات الإقليمية” علّه يسير على طريق التعافي، ويحل السلام والتحاور مكان الصراع والتناحر؟ 

الصائغ: البابا لن يزور لبنان قبل التحرر واستعادة الهوية

أوضح المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني زياد الصائغ ان “البابا فرنسيس يريد زيارة لبنان لكن حتماً من يقرأ بين السطور ويتابع الخط الفاتيكاني الداعم للشعب والذي يعي جيدا التدمير المنهجي الذي تقوم به المنظومة السياسية للشعب وللدولة وللصيغة اللبنانية ولميثاق لبنان ولحياده، ولاعتداء لبنانيين على الاشقاء العرب، يعلم ان البابا لا يمكن ان يزور لبنان ويعطي الشرعية للمنظومة السياسية لأنها ستستغل زيارة البابا لتطمئن الى ان الامور جيدة والفاتيكان يبارك هذا الوضع. واذا أراد البابا زيارة لبنان، وحتما سيأتي، سيقول كلاماً واضحاً للشعب اللبناني كما قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني عام 1997”.

وتابع: “البابا لن يزور لبنان على الارجح قبل ان يبدأ هذا البلد عملية تحرر جدية لاستعادة هويته، لكن هذا لا يعني ان كل محركات الديبلوماسية الفاتيكانية مجندة مع كل عواصم القرار لإنقاذ لبنان، والتحدي هو على القوى المجتمعية الحية وعلى الكنائس وعلى الشراكة الاسلامية – المسيحية إنجاز خطوات لإنقاذ هوية لبنان اللبنانية والعربية والانسانية ليبقى لبنان أكثر من وطن بل رسالة”.

وعن زيارة البابا الى العراق، لفت الصائغ الى أهمية الزيارة “وتحديدا اللقاء مع السيستاني الذي له رمزية كبرى في التحولات الجيوسياسية الروحية في المنطقة خصوصاً في التوجه اذ ان الجو في المنطقة يتجه الى جو المواطنة لا الى جو حلف الاقليات ولا الى جو استدعاء الحمايات ولا الى جو خلق غيتوات. البابا والفاتيكان يعملان مع شركائهم في المنطقة على الاخوة والمواطنة. هذا الخط هو خط الحياة. لبنان وطن سيد هويته عربية وهو وطن نهائي للحياة. الصراع في المنطقة هو بين الحياة والموت، بين اللعنة والبركة، بين النور والظلمة، ونحن اخترنا الحياة والقيامة والنور، ولا نريد أن نعيش في الظلمة، ولن نقبل بأن يكون لبنان وطناً تفوح منه رائحة الموت. لبنان هو رسالة محبة وأخوة وسلام وتنوع وتعددية ومواطنة في هذه المنطقة”.

وعما اذا كانت زيارة وزير خارجية الفاتيكان المطران بول ريتشارد غالاغار قد تكون بمثابة زيارة تمهيدية وتحضيرية لزيارة البابا فرنسيس للبنان، قال الصائغ: “لنترك قرار زيارة البابا للبنان في عهدة البابا والكرسي الرسولي. البابا قال انه سيزور لبنان، وهو يعرف اللحظة المناسبة، الزيارة جزء مؤسس في الدفاع عن هوية لبنان الحضارية ونموذجيته في العيش الواحد ومنع ان يكون لبنان في أي مكان عرضة للمقايضة أو لأي تسوية اقليمية على حسابه”.

وشدد على ان “ديبلوماسية الفاتيكان تكرس وقتاً هائلاً للعمل من أجل لبنان، والبابا فرنسيس تحديدا مع أمين سر الدولة الكاردينال بيترو بارولين ووزير الخارجية المطران بول ريتشارد غالاغار، يجرون اتصالات مستمرة، وهناك زيارات معلنة وغير معلنة تحصل لعواصم القرار لدعم القضية اللبنانية. وعندما نتحدث عن قضية لبنانية نعني ان لبنان هويته لبنانية وعربية ولديه امتدادات دولية، وهو عضو مؤسس في جامعة الدول العربية والامم المتحدة. وبالتالي، هم معنيون بالحفاظ على ان يكون لبنان بلد الحريات وبلد حقوق الانسان والعيش الواحد حيث لا معازل ولا تفتيت. وأيضا بلد المواطنة الحاضنة للتنوع وبلد حسن ادارة التعددية. هذا عمل بدأ منذ أكثر من سنتين عندما بدأ يتظهّر للعلن ان لبنان بلد مخطوف ومحتل وشعبه رهينة. وهذا العمل عبّر عنه البابا في الثاني من أيلول 2020، عندما قال: لبنان في خطر داهم. وتحركت الديبلوماسية الفاتيكانية”.

ورأى ان “زيارة الرئيسين الحريري وميقاتي الى الفاتيكان زيارات بروتوكولية، ولا يعني ان الكرسي الرسولي راض عن أداء السلطة. البابا فرنسيس وجه أكثر من رسالة لرئيس الجمهورية عبّر فيها بشكل غير مباشر وبشكل مباشر عن ان لبنان عليه أن يختار بين النور والظلمة وبين الموت والقيامة. هذه الرسالة أهميتها ان البابا فرنسيس والكرسي الرسولي يعلمان جيداً ان المنظومة السياسية تعمل على تهجير اللبنانيين وتيئيسهم وافقارهم وتعلم أن هناك خطراً على الهوية”.

وأكد الصائغ ختاماً أن “دوائر الفاتيكان والبابا لا يتحدثان عن حقوق مسلمين وحقوق مسيحيين اذ ان مقاربة الفاتيكان مختلفة، والضخ الاعلامي الذي يتحدث عن ان البابا قلق على وضع المسيحيين في لبنان ليس صحيحاً لأن البابا قلق على لبنان بمسيحييه ومسلميه، وهو قال لبنان في خطر داهم وليس المسيحيين في خطر داهم”.

شارك المقال