هل تجرؤ “البطلة” عون؟

رندة تقي الدين
تصوير: حسام شبارو

كان من الأفضل أن تُظهر القاضية غادة عون بطولتها على أصحاب التهريب والفساد الحقيقي الذين يهيمنون على الواقع اللبناني السياسي والعسكري. فهل بإمكان هذه القاضية، التي تصورت أنها بطلة أحد أفلام كوستا كافراس بنضالها ضد الفساد، أن تتجرأ بالهجوم على مكاتب مهربي كل الممنوعات من لبنان إلى سوريا؟ كم كانت جديرة بالتحية لو تجرأت بالهجوم على الذين يحرمون المزارعين اللبنانيين من لقمة عيشهم الآتية من صادراتهم إلى السعودية والكويت والإمارات. لبنان يخسر ٢٤٠ مليون دولار سنوياً من صادرات الفواكه والخضار وغيرها من صادرات إلى دول الخليج، التي أعلنت الحظر على استيرادها من لبنان. وهذا كان ينقص للانهيار الاقتصادي والمالي للبلد. ألا يستحق مثل هذا الفساد هجوم عون، لو كانت فعلاً قاضية مستقلة لا تسمع من أحد، كما ادعى جبران باسيل رئيس التيار الداعم لها.

الكل في لبنان وخارجه يعلم أن “حزب الله” هو المهيمن على البلد، هو الذي يسيطر على المعابر البرية والبحرية. يسيطر على مرفأ بيروت الذي انفجر وأدى إلى كارثة من الضحايا والدمار. كما أنه يفرض سيطرته على مطار بيروت (نطلب من الله عز وجل أن يحميه من الخراب).

فالسيدة عون، بطلة مسرحية القضاء الانتقائي السياسي، اختارت مكتب الصيرفي ميشيل المكتف لأنه صاحب جريدة “نداء الوطن” المعارضة لتيارها المستقوي بغطاء “حزب الله”. فكم كان من الأفضل أن تبدأ هذه القاضية، التي أرادت عرض مهارة قضاء مدعوم من عهد يدّعي القوة، بالهجوم على من يهرب الدولارات من لبنان إلى سوريا، ويتحكم بالدولارات النقدية من خلال شبكات السوق السوداء والصرافين التابعين له ومن عائدات التهريب والالتفاف على العقوبات.

وكم كان من الأفضل لو أنها تركز هجومها على من أدخل وترك كميات النترات إلى مرفأ بيروت من حيث كانت تهرب الكميات منه إلى سوريا لصناعة السلاح الكيميائي الذي فتك بالأبرياء في لبنان وفي سوريا. هل تجرأت القاضية عون يوماً أن تحقق بالفساد السائد في قطاع الكهرباء في لبنان والجباية فيه على سبيل المثال. هل تتجرأ في التحقيق والهجوم على الصرافين المرتبطين بالضاحية الجنوبية في بيروت مثلما فعلت في مكتب المكتف. فالمكتف لم يخرب لبنان على غرار “حزب الله”. المكتف أنشأ صحيفة مهنية تعارض داعمي القاضية وهذا ليس محبذاً في عهد القوة المستمدة من “حزب الله”. ثم إن شركة المكتف هي الموزع الرسمي والشرعي للعملة الأميركية بارتباط مع الفيديرالي الأميركي. فأين هذه القاضية البطلة في مواجهة الذين يخربون البلد، المهربين الذين يحرمون البلد من عائداته بسبب تهريب المخدرات في صناديق الفاكهة من لبنان، والذين يهربون الأسلحة التي تأتي من إيران إلى سوريا لحماية بشار الأسد.

ليت هذه القاضية هاجمت أصحاب مصانع المخدرات وحبوب الكبتاغون. فمكافحة الفساد، التي يدّعي حزب العهد القوي أنه يحمل رايتها، لا يجب أن تكون انتقائية. فالفساد يبدأ بالسلاح غير الشرعي والتهريب وغياب الشفافية عن كل معابر لبنان.

لا يجوز أن تكون مكافحة الفساد آلية سياسية تستهدف معارضي رأيها وتيارها. فقوة عهد ينبغي أن تكون بوضع حد للاشرعية والتهريب والتخريب. فأي مقاومة هذه التي تختار انهيار لبنان بعد أن ساهمت بانهيار سوريا لحماية رئيس قتل مئات الألوف من شعبه وهجر الملايين وأفقر شعبه. فالمقاومة في لبنان تقاوم نهوضه وإنقاذه من الفقر والبؤس الاجتماعي، وترفض إصلاحه لأنه ضد مصالحها ومصالح إيران. فالحزب التابع لإيران يقاوم لبنان منتعشاً مع مستقبل واعد لشبابه. حزب يريد لشبابه مستقبل حرب وقتال لحساب النظام الإيراني في سوريا ومع الحوثيين. فهل القاضية عون، التي كما قال أحدهم أن لا أحد يتجرأ على الكلام معها، تتجرأ في مقاومة فاسدي منظومة هذا الحزب وتظهر القوة التي تستمدها من عهد يصف نفسه بالقوي ربما بقوة غضعاف لبنان وتراجعه على جميع الأصعدة. سبق للرئيس ميشال عون قوله في أيلول الماضي إن لبنان يتجه إلى جهنم إذا لم تشكل الحكومة. فها هو البلد في جهنم من دون حكومة مع مقاطعة دول الخليج له وانهيار اقتصادي ومالي وجيش لا شرعي لحزب أساسي في عزلة من بيئته العربية لصالح النظام الإيراني. إن احتمال رفع الإدارة الاميركية العقوبات على إيران من دون شروط على سياسة طهران في المنطقة، سيكون بالتأكيد على حساب لبنان، لأن عائدات إيران من النفط لا تذهب لتخفيف معاناة شعبها بل لتعزيز قدرات “حزب الله” المالية والعسكرية لخدمة حروبها في المنطقة. فالواقع أن “حزب الله” غير مستعجل لتشكيل حكومة، لأنه يدرك أن أي اتفاق مع جهة دولية يتطلب شفافية في قطاعات المال والعائدات وإيقاف الاقتصاد غير الشرعي وهذا علة وجوده .

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً