باسيل يشوّه الحقائق بـ”كلام السبت”… و”الوسط” يتمسك بالـ18

رواند بو ضرغم

في ساعة سبت، ظهر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل متعالياً على الأزمات. لم يكن مبادراً او مسهّلاً لولادة الحكومة… بل بدد في مطالعته كل محاولات التأليف. قرأ في العلن طرق إسقاط الرئيس المكلف سعد الحريري من خلال إسقاط مجلس النواب ليصبح تكليفه بلا وجود، وذلك بعد رفض الحريري الاعتذار، واستحالة استقالة رئيس الجمهورية، واستبعاد سحب مجلس النواب التكليف.

لكن من يرفض الانتخابات النيابية الفرعية خشية انكشاف تراجعه شعبياً، هل يذهب نحو انتخابات نيابية مبكرة بعدما أصبح وحيداً من غير حلفاء باستثناء “حزب الله”؟ هذا الطرح وفق المراقبين، مكلِف لباسيل، إلا أن النهج المدمر للمؤسسات الدستورية الذي يتبعه يجعله ممكناً، وخصوصاً أنه يثبت معادلة: “الحريري – باسيل داخل الحكومة أو الحريري – باسيل خارجها”، وهنا بيت القصيد…

كرر باسيل ما قاله عمه، رئيس الجمهورية، عن أن الحريري “كذاب” مبرراً ذلك بأنه يطالب بحكومة اختصاصيين وهو رئيس حكومة بلا اختصاص ورئيس تيار سياسي، متناسياً أن موقع رئاسة الحكومة “ميثاقي” كموقع كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب… هي الغاية التي تبرر الوسيلة، وكل الطرق تؤدي إلى أن باسيل وخلفه عون لا يريدان حكومة على رأسها الحريري..

هل كذب باسيل بشأن الثلث المعطل؟

حصة رئيس الجمهورية ثمانية وزراء، ويرفض عون أن يسمي الحريري أو إيلي الفرزلي أو أي نائب مسيحي مستقل الوزيرين المسيحيين من خارج حصة الأحزاب… وهذا ما يجعل حصته عشرة وزراء أي أكثر من الثلث.

أما في الشكل، فقال باسيل أن التيار حصل سابقاً على الثلث المعطل في حكومتي سعد الحريري بعهد عون: “هل بيقدر حدا يقول إنو استعملناهم شي مرة؟؟”. إنعاشاً للذاكرة، الجميع يذكر بعد حادثة قبرشمون، حين عطل باسيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء في تموز ٢٠١٩ ، وقرر أن يعقد اجتماعاً في وزارة الخارجية لوزراء تكتل لبنان القوي في التوقيت نفسه لجلسة السراي، وذلك منعاً لعقد أي جلسة قبل حل قضية قبرشمون. وهذا ما عُدّ انقلاباً مصغراً شبيهاً بالانقلاب الذي حصل عام ٢٠١١ وأدى إلى إقالة حكومة الحريري أثناء تواجده في البيت الأبيض .

وقبل الدخول في تفاصيل ثلث التأليف، يتوقف المراقبون عند اتهام باسيل لبكركي بأنها تفرّط بحقوق المسيحيين، على اعتبار أن مفهوم الثلث منصوص عليه في الدستور ليكون ضمانة للمسيحيين وتعويضاً لهم عن خسارة صلاحيات الرئيس. تنازل باسيل عن الثلث وفق ما زعم لأن الظرف استثنائي وليس له معنى في حكومة الاختصاص، وتوجه للبطريرك الراعي بالقول: “يا ريت سيدنا يقول هيك، لما ينقال بيوم من الأيام أن بطريرك الموارنة تنازل عن هيدا الحق”.. ولكن هل صحيح أن الدستور نص على حق الثلث لرئيس الجمهورية؟

الشاهد على مداولات الطائف وصياغته رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني سبق أن أكد في مطالعاته الدستورية أن لا شيء إسمه حصّة لرئيس الجمهورية في الدستور، فرئيس الجمهورية حسب المادة ‏‏49 من الدستور هو “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام ‏الدستور” وهي وظيفة تضعه في موقع سام فوق السلطات والصلاحيات.

ويكرر الحسيني أن وظيفة رئيس الجمهورية هي أن يحول دون تمكين أي ‏شخص أو فئة أو حزب أو طائفة من امتلاك الأكثرية المقررّة أو الأقلّية المعطّلة ‏‏(انسجاماً مع مبدأ التضامن الوزاري) فكيف يطالب هو نفسه بنسبة معطّلة في ‏الحكومة؟ وبناء على ذلك يمكن إبطال رئاسة رئيس الجمهورية في حال حصوله ‏على “حصّة” في الحكومة، لأنه حسب أحكام الدستور لا تبعة على رئيس البلاد ‏وهو مُعفى من كل مسؤولية، وبمجرّد حصوله على حصّة يكون قد ألغى الدستور ‏الذي أعفاه أساساً من المسؤولية.

وعلى مقلب آخر يقول باسيل أن رئيس الجمهورية لا يطالب بالثلث، إنما يسأل فقط من سيسمي الوزراء المسيحيين! وهنا تتوقف المصادر عند الحل الذي يطرحه باسيل وقاله أمام البطريرك الراعي، ويقضي بأن المسيحيين يُسموا من قبل المسيحيين، والمسلمين يسميهم المسلمون، وهذا منطق يرفضه الرئيس المكلف، مشدداً على أنه رئيس حكومة كل اللبنانيين وليس فقط للمسلمين. هذا بالإضافة إلى أن حصة رئيس الجمهورية الثمانية يشترط الحريري كذلك أن تكون من الاختصاصيين غير الحزبيين، وليست على نسق تسمية “عادل يمين” الحزبي الذي طرحه عون لوزارة الداخلية. وتذكر هذه المصادر أن من بين أفضل الوزراء المسيحيين وأكفأهم كانوا قد اختيروا من قبل مسلمين، كالشهيد باسل فليحان والوزير السابق جهاد أزعور اللذين سماهما الرئيس الشهيد رفيق الحريري. والسؤال المشروع هنا: كيف عون وباسيل قَبِلا أن يسمي رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الوزير المستقيل ديميانوس قطار “المسيحي” ويرفض اليوم أن يسمي الحريري الوزيرين المسيحيين من خارج حصة الأحزاب ضمن مبدأ الاختصاص والكفاءة؟

دعا باسيل الرئيس المكلف إلى اتباع آلية التأليف بوضع خانة المرجعية السياسية لكل وزير، وهذا تأكيد على أنه يريد حكومة سياسية مقنعة، وفيها محاولة لتوريط الحريري في الداخل وأمام المجتمع الدولي لإظهار حكومته سياسية وليست تكنوقراط. وتقول المصادر أن البطريرك الراعي أيضاً لاحظ أن باسيل عاد إلى نغمة حكومة تتمثل فيها الأحزاب في لقائهما الأخير.

وفي خطابه أيضاً زعم باسيل أنه قدم كل التسهيلات من أجل دفع الحريري إلى التأليف إلا أنه لا يريد تقديم تشكيلة من ٢٤ وزيراً إلى رئيس الجمهورية. هذا الكلام ردت عليه مصادر مقربة من الحريري قائلة: هناك تشكيلة من ١٨ وزيراً عند عون، حتى اللحظة لم نحصل على ملاحظات عليها ولم يقل لنا أحد ما المشكلة في الأسماء المسيحية التي أُدرجت فيها… غير أن الرئيس المكلف لم يغلق الباب أمام توسعة الحكومة إلى ٢٤ ولكن تبيّن أن زيادة الأرقام تزيد من شهية “التيار الوطني الحر” في تسمية عدد أكبر من الوزراء، لذلك فإنه من الأفضل البقاء على حكومة من ١٨، وخصوصاً أن الأسماء كفؤة ومن التقنيين وغير منضوية تحت لواء التيار الوطني الحر.

ففي حكومة من ١٨ وزيراً، تكون حصة رئيس الجمهورية ٦ وزراء مسيحيين، إضافة إلى وزيرين للمردة ووزير للقومي، فلا يبقى أي وزير مسيحي من خارج حصة الأحزاب وتتبدد مخاوف رئاسة الجمهورية من أن يسمي مسلم وزيراً مسيحياً.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً