عروض الإنقاذ خارجية… والعلّة داخلية

هيام طوق
هيام طوق

في أكثر الأحيان، يختلف اللبنانيون ويتمايزون عن بعضهم البعض في قراءة الاستراتيجيات المتنوّعة على مساحة الـ 10452 كلم مربع، ويقاربون الأمور انطلاقاً من المصالح الخاصة إن كانت داخلية أم خارجية. وهم اليوم ينقسمون عامودياً وأفقياً حول جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخليجية وما نتج عنها من بيان مشترك سعودي فرنسي حول لبنان، وتشديده على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيما الالتزام باتفاق الطائف، ومراقبة الحدود، وضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها.

ففي حين يرى كثيرون أنّ الخطوات الفرنسية والأميركية والفاتيكانية وحتى الروسية، والمواقف الدولية خصوصاً البيان السعودي – الفرنسي لا مفاعيل تطبيقية له، وهو ليس سوى ما يمكن تسميته “الصخب في الوقت الضائع”، يعتبر آخرون أنه خطوة مهمة ليس فقط في فتح نافذة ولو صغيرة في جدار العلاقة اللبنانية الخليجية المتأزمة، إنما يمكن وصفه بالخطوة الأولى والتأسيسية لعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، ووضع آلية تنفيذية للقرارات الدولية ومنها القرار رقم 1701 الذي دعا إلى التطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و 1680، حيث أشارت مصادر مطلعة لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “فكرة عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان أصبحت متداولة في الأروقة الفرنسية حتى أنّ بعض المسؤولين باتوا يتحدّثون عنها بالعلن وفي مؤتمرات رسمية”، لافتة إلى “أهمية أن يرفع اللبنانيون الصوت، ويحدّدوا خياراتهم وسبب مشاكلهم، وفرنسا جاهزة للدعوة إلى عقد مؤتمر على غرار المؤتمرات الدولية التي نظمتها بالتعاون مع الأمم المتحدة لدعم لبنان إنسانياً ومادياً بعد انفجار مرفأ بيروت ومؤتمر باريس لدعم الجيش اللبناني في ظل الانهيار الاقتصادي والأزمة السياسية”.

وأكدت المصادر أنّ لبنان لا يمكنه تنفيذ أي قرار دولي أو أي بند من بنود البيان السعودي – الفرنسي، وبالتالي، عقد مؤتمر دولي برعاية أممية بات حاجة ملحّة لبناء دولة حقيقية تكون سيدة حرّة مستقلة، وألا يبقى لبنان ورقة في أيدي المفاوضين، تتطاير على طاولات التفاوض الإقليمي والدولي.

وهنا لا بد من طرح الأسئلة: هل فعلاً البيان السعودي – الفرنسي يشكل خطوة أولى نحو مؤتمر دولي من أجل لبنان؟ وما أهمية انعقاد هكذا مؤتمر في ظل الحديث عن أنّ المنطقة دخلت في مرحلة التهيئة لمرحلة التسويات؟ وهل القرارات الأممية التي يتم التوافق عليها لها مفاعيل تنفيذية في أطر قانونية؟

أشار النائب عثمان علم الدين إلى أنّ “هناك تسوية عربية إقليمية ودولية. ولبنان بعدما كان منسياً في الفترة السابقة، موجود اليوم وبقوة في المفاوضات التي هي بانتظار تخريجة ما، معالمها ليست واضحة حالياً، إن كانت ستترجم عبر مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان أو غير ذلك، لكن المهم أنّ القرارات التي ستصدر عن الجهات الدولية ستأتي نتيجة اتفاق عربي وإقليمي ودولي، وبالتالي، تكون مفاعيلها تنفيذية على أرض الواقع”، لافتاً إلى أنّ سلاح (حزب الله) أتى بقرار إقليمي دولي، واليوم لا يمكن إيجاد الحل لهذه القضية إلا بقرار عربي وإقليمي ودولي”.

وتحدّث عن “البيان الفرنسي – السعودي الذي “حدّد بوضوح أنّ مشكلة البلد في سلاح (حزب الله)، ولا يمكن أن يتخلّص من أزماته طالما هو مخطوف من الحزب، وما نراه من تحركات على الصعيد العربي والدولي والفاتيكاني والمواقف الداخلية تشير إلى أنّ هناك شيئاً ما يتحضّر، على أمل أن يكون لصالح لبنان”.

واعتبر النائب بلال عبدالله أنه “علينا الانتظار لأنّ مفاوضات فيينا والمفاوضات الخليجية- الإيرانية والوضع في سوريا، كلها ملفات لم تُحسم بعد. المهم اليوم مساعدة لبنان اقتصادياً، وانتشاله من أزمته، إذ لا تجوز التسويات على جوع الناس”.

وشدّد على “أننا نشكر المبادرات التي تساعد لبنان، لكن إذا أردنا ربطه بملفات المنطقة فعلينا الانتظار”، متسائلاً: “فيما لو جرى مؤتمر دولي من أجل لبنان، مع أي سلطة فيه يريدون الاتفاق؟ مع السلطة الحالية أو هم بانتظار تشكيل سلطة جديدة؟”.

وأكد منسق “التجمع من أجل السيادة” نوفل ضو أنّ “الحل يبدأ من لبنان وليس من الخارج. وإذا كانت المنظومة السياسية الحاكمة لا تريد الاعتراف بالمشكلة الحقيقية، فالمجتمع الدولي لن يزايد علينا بهذا الموضوع، خصوصاً أنّ المنظومة مصرّة على أنّ المشكلة تقنية واقتصادية من دون مقاربة الحل السياسي”، معتبراً أنّ المطلوب موقف لبناني شامل يقول: نريد بناء دولة. إما أن نكون جزءاً من المجتمع الدولي، وإما أن نفتح على حسابنا ولنتحمل مسؤولية أقوالنا”.

وشدد على أنه “على السياسيين في لبنان أن يفهموا أنه لم يعد لديهم مجال للعب على حبال المناورات والتذاكي ببيع الكلام. عليهم القيام بإجراءات فعلية تبدأ بالاعتراف أنّ لدينا مشكلة سياسية اسمها (حزب الله). حينها يمكن الطلب من المجتمع الدولي المساعدة. لكن لا يمكن أن نطلب منه المساعدة، ونحن مصرّون على أنه ليست هناك من مشكلة”، مؤكداً أنه “ما من أحد يطلب القيام بحرب ضد (حزب الله)، بل المطلوب موقف يقول أننا لا نوافق على ما يقوم به الحزب، وحتى الآن لم نسمع هذا الكلام، إذ أنّ الكلّ يقول أنه مقاومة ومن النسيج اللبناني”.

واعتبر ضو أنّ “المشكلة ليست في المعارضة والموالاة، إنما مَن مع مفهوم الدولة ومَن ضده. علينا كمعارضة وموالاة أن نقول أننا نريد دولة سيدة حرّة مستقلة. وإذا كان هناك طرف لا يريد منطق الدولة فعلينا تحمّل مسؤولية ذلك، خصوصاً أننا نشاركهم في المؤسسات الدستورية والإدارية”.

شارك المقال