بين لبنان والسعودية… علاقة أخوية تزعزعها هيمنة محورية

هيام طوق
هيام طوق

لم تترك المملكة العربية السعودية لبنان يوماً يتخبط في حروبه وأزماته بل كانت دائماً اليد الممتدة نحوه للمساعدة على الصعد المالية والاقتصادية والسياسية والانسانية، إلا ان التصاريح والمواقف اللبنانية لم تفوّت فرصة في التصويب على المملكة وأذيتها بشتى الطرق ان كان لناحية تهريب المخدرات الى مدنها أو  لناحية دعم وتدريب الحوثيين للاعتداء على أراضيها، ليأتي تصريح وزير الاعلام جورج قرداحي النقطة التي أفاضت كوب الماء حيث شهد البلدان أشد وأعمق أزمة بينهما أدت الى استدعاء السفير السعودي من بيروت كما اتخذت الرياض مواقف متشددة تجاه لبنان، وأوقفت كل الواردات اللبنانية من السلع والبضائع من دخول أراضيها، وقررت الابتعاد السلبي عن الأزمة اللبنانية اذ صرح حينها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إن “المملكة لا تعتزم التعامل مع الحكومة اللبنانية حالياً، مكرراً دعوته الطبقة السياسية إلى إنهاء هيمنة جماعة “حزب الله” المتحالفة مع إيران”.

وانطلاقاً من المثل القائل “ما بحن على العود الا قشرو”، أتت تصريحات بن فرحان الأخيرة مبلسمة لجروح العلاقة بين لبنان والسعودية اذ اعتبر ان “التوتر الحالي في العلاقات بين المملكة ولبنان لا يمثل أزمة، مشدداً على ان الأزمة في لبنان هي بين حزب الله والشعب اللبناني”.

موقف اعتبره كثيرون بارقة أمل في امكان عودة العلاقة السعودية – اللبنانية الى سابق عهدها خصوصاً على الصعيد الانساني واعادة التصدير الى السعودية، اذ ان ما أعلنه وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن “فتح صفحة جديدة” مع لبنان يمكن البناء عليه. وأكدت مصادر مطلعة  لـ”لبنان الكبير” ان المملكة تحب لبنان وشعبه وتريد الخير لهما، وهي ترى ان المشكلة في لبنان وليس مع لبنان. وبالتالي، يمكن قراءة ليونة على الصعيد الانساني والتجاري انما تبقى الأجواء ملبدة على الصعيد السياسي طالما ان لبنان لم يلتزم ببنود البيان المشترك السعودي – الفرنسي”.

وفي حين تعتبر أطراف ان ما من جديد في تصريح وزير الخارجية السعودي الذي منذ البداية يقول ان المشكلة في لبنان هي “حزب الله”، انما هي عملية توضيح للامور اذ ان السعوديين ليس لديهم عداء للبنان ولا لشعبه. وبالتالي لا يجوز التعلق بحبال الهواء ولنذهب باتجاه الحلول الحقيقية المتمثلة بتنفيذ البيان السعودي – الفرنسي، يؤكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة لـ”لبنان الكبير” اننا “قطعنا شوطاً في العلاقة بين لبنان والسعودية، وحصل خرق للمراوحة التي كانت سابقا، وهناك ايجابية يمكن البناء عليها. اما الخطوات اللاحقة، فهذا الامر منوط بمدى مساعدة الدول للبنان في هذا الاطار”.

ولفت المصدر الى ان “الكل يعلم ان هناك واقعاً معيناً في لبنان، وكل محبي لبنان بات لديهم صورة واضحة عن هذا الواقع، والمعالجة تكون بالتروي والهدوء وعبر مراحل، متمنياً عودة التمثيل الديبلوماسي بين البلدين، كاشفاً عن عدة طروحات ومن بينها امكان زيارة وزراء ورجال اعمال الى السعودية لكن لا شيء مؤكداً حتى الآن “.

وأشار الى ان “رئيس الحكومة سيدعو الى جلسة للبدء بالاصلاحات فور نضوج المرحلة كي تأتي منتجة وجامعة بعيداً من العرقلة والتصادم، والامر منوط بالأفرقاء جميعا”. 

فتفت: المشكلة في لبنان وليس معه

اعتبر الوزير السابق أحمد فتفت ان “كلام وزير الخارجية السعودي ليس بالجديد، فهو يقول ان ليس هناك من مشكلة بين لبنان والسعودية انما المشكلة هي “حزب الله” في لبنان، ووضع يده وهيمنته على الحكومة. أعتقد انها عملية توضيح للامور اذ ان السعوديين ليس لديهم عداء للبنان ولا لشعبه، وطريقة تعاملهم مع اللبنانيين في المملكة ايجابية جدا انما مشكلتهم مع “حزب الله” الذي يمثل الاحتلال الايراني للبنان وسحب لبنان باتجاه محور معين، وعدائيته الاعلامية والميدانية عبر اليمن. انها مشكلة لبنانية قبل ان تكون مشكلة أي بلد آخر خصوصاً اذا نظرنا الى أين وصل واقعنا السياسي والاقتصادي في ظل الاحتلال الايراني للبنان”.

وتمنى ان “يكون التصريح مؤشراً ايجابياً اذ انه من الممكن ان يكون هناك مساعدات انسانية للبنان، لكن ليس هذا الحل. لبنان بحاجة الى حل أعمق بكثير عناوينه أمنية وسياسية واقتصادية ومالية. وهذا القرار بيد اللبنانيين، ووزير خارجية السعودية على حق حين يقول ان المشكلة في لبنان وليس مع لبنان”.

وتابع: “عندما يقول ان التوتر الحالي لا يمثل أزمة هذا يعني ان هناك توتراً في العلاقة. انه توضيح للامور لا أكثر ولا أقل، وان كان المغزى المساعدة الانسانية، فهذا شيء جيد لكن ندرك تماما انها حلول ترقيعية لا توصلنا الى نتيجة لنهوض البلد الذي له مقومات أمنية واقتصادية وسياسية واصلاحية، لافتا الى اننا نتعلق في حبال الهواء، ونعرف أين تكمن المشكلة. البلد مصاب بمرض السرطان في مراحله الاخيرة ونحن نتلهى بوجع اصبع بسيط”.

وشدد على ان “السعودية والدول العربية لدعوا كثيرا من طريقة تعاطينا السياسية معهم. أنا أرى ان المشكلة كبيرة، ولنرَ الواقع كما هو، ونبدأ في العلاج والا نذهب نحو الانتحار تدريجيا”. 

قيومجيان: السعودية تريد اصلاحات وليس كلاماً منمقاً

رأى مسؤول العلاقات الخارجية في “القوات اللبنانية” الوزير السابق ريشار قيومجيان ان “التعبير في التصريح مختلف انما جوهر المشكلة عينه وهو “حزب الله” الذي يسيء للعلاقات مع الدول العربية والخليجية. هذا هو لبّ الموضوع، مشيراً الى ان الدولة لا تمتلك القرار المستقل بل يؤثر فيها “حزب الله” بوجود رئيس جمهورية يغطي الحزب وممارساته في الداخل والخارج”.

وشدد على ان “السعوديين يحبّون لبنان وشعبه، لكن التعاطي مع لبنان يتم بين دولة ودولة، وبالتالي طالما الدولة اللبنانية لا تلبّي بنود البيان الختامي السعودي – الفرنسي ستبقى الامور والعلاقة مع السعودية مكانك راوح، لافتا الى ان السعودية تريد ان ترى اجراءات وخطوات عملية تتخذها الدولة فيما يتعلق ببنود البيان السعودي الفرنسي وليس الاكتفاء بالكلام المنمق الذي لا قيمة فعلية له في تصحيح العلاقة مع دول الخليج”.

واعتبر ان “ما صرح به وزير الخارجية السعودي فيه حث للحكومة على اتخاذ اجراءات عملية من اصلاحات ووقف تدخل “حزب الله” في الخارج، وكلما يقوم لبنان بخطوة نحو الاصلاح ترافقها خطوة سعودية باتجاه مساعدة لبنان”.

شارك المقال