من “بائع كاز” إلى “أمبراطور الكبتاغون”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو
من "بائع كاز" إلى "أمبراطور الكبتاغون"

يقول المثل الشعبي “المال السايب بيعلّم الناس الحرام”. هذه حال بلدة الطفيل التي عاش أهلها تاريخياً على وقع الحرمان، ليس من وضع معيشي فحسب، بل حتى من طريق يربطها بالأرض اللبنانية، لتزداد المأساة بعيد الثورة السورية، إذ تعرضت البلدة للقصف من قبل النظام السوري بحجة إيوائها معارضين، ما أدى إلى تهجير أهلها، ليعودوا بعد سنوات قليلة وقد تغيرت المعالم في ظل سيطرة “حزب الله” على الأرض، وربط حياة أهلها أكثر فأكثر بسوريا التي تزوّد البلدة بالكهرباء، ويزعم “حزب الله” أنه يدفع مستحقاتها من جيبه، بينما بدا أن الدولة التي كان عليها أخذ المبادرة في تأمين ما يلزم غائبة عن السمع والفعل، حتى إن الحاجز اليتيم للجيش في المنطقة يبعد 17 كيلومتراً عن حدود البلدة. وبغياب أي حاجز لأي قوة أمنية لبنانية تحفظ أمنها الداخلي والحدودي مع سوريا، بقيت البلدة أسيرة تحركات “حزب الله” العسكرية ونشاط المافيات “الكبتاغونية” على خط التصنيع والتصدير مع شركائهم في المخابرات السورية، بما في ذلك عمليات التهريب، من الدولارات إلى المازوت والبنزين وكل ما يخطر على البال.

ما إن أعلنت السعودية وبلدان خليجية أخرى وقف استيراد الخضار والفاكهة اللبنانية، على وقع اكتشاف تهريب كميات ضخمة من حبوب الكبتاغون مهربة داخل “الرمان”، حتى تم الإعلان من قبل فرع المعلومات أنه بتاريخ 9 نيسان الحالي وبناء على مذكرة توقيف أرسلها الانتربول من ماليزيا، ألقت قوى الأمن الداخلي القبض على “أمبراطور الكبتاغون” حسن دقو وأربعة من مساعديه، بينما فر آخرون إلى تركيا، إثر مصادرة شحنة “كبتاغون” تم تهريبها إلى ماليزيا، لإرسالها لاحقا في أثاث منزلي إلى السعودية.

من بائع لـ”كاز” إلى أسطورة في الثراء

ولحسن دقو حكاية اسطورية في عالم المخدرات. “شخص كان يبيع “الكاز” حسب ما قال لــ “لبنان الكبير” أحد أبناء البلدة الذي رفض الإفصاح عن اسمه، ليحمي عائلته من شبيحة “دقو” في البلدة: “فقير شبه معدوم، حوّل منزله إلى معمل لتصنيع الكبتاغون. هذا المصنع أغلق لاحقاً نتيجة خلافات بين عناصر “حزب الله”، الذين كانوا قد سيطروا مع عناصر النظام السوري على البلدة، في العام 2014، إذ كان هناك جهة داعمة لوجود المصنع وجهة أخرى أرادت إغلاقه، إلا أنه فجأة عاد دقو للعمل في المصنع ووسع أعماله ببناء مصنع جديد”.

 

وأشار إلى أن “دقو يبلغ الآن الثانية والأربعين من عمره لكنه ثري ثراءً فاحشاً. لم يسأله أحد في السابق: من أين لك هذا؟ فهو اشترى موالين له في كل المواقع التي أمنت له العمل إنتاجاً وتصديراً وغطت على نشاطه، وهو لديه ميليشيا مسلحة تحضر على الطلب لإرهاب الأهالي وتختفي بناء على إخبارية تصلها عن مداهمة للجيش في البلدة، إذ إن باب الهروب نحو بلدة عسال الورد في سوريا مفتوح وآمن”.

وأوضح أن دقو “عاد من سوريا قوياً من باب سيطرته على أراض ادعى أنه اشتراها من مصرف لبنان وتبلغ 600 سهم (ما يعادل 23 ألف دونم) من أصل 2400 سهم هي مجمل ملكيات أهل البلدة، وهو يملك حالياً عقارات كثيرة في لبنان وسوريا وشققا وقصوراً، ووسع عمله إلى بناء 3 مصانع كبتاغون في سوريا. وهو باع الـ 600 سهم لأحد الأشخاص تمويهاً، وأسس شركة “سيزر” المسجلة باسم زوجته وجميل دقو حافظ كاتم أسراره، وهي شركة بناء وإعمار مركزها في نزلة السلطان إبراهيم ــــ الجناح”.

حرب بين أهل الطفيل و”شركة دقو”

وعن الخلاف المتجدد بين شركة دقو والأهالي، أشار “ابن الطفيل” إلى أن “الخلاف قائم على خلفية تسوية وضع الأراضي التي يشغلونها، إذ قام شبيحة دقو وشبيحة الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد بالدخول إلى البلدة واقتلعوا 450 ألف شجرة مثمرة والثمر ما يزال عليها، ما دفع الأهالي للتحرك خوفاً من تهجيرهم وسط فوضى السلاح والاعتداء. وتدخل الجيش اللبناني بعد مناشدات لمنع ما يجري فألقى القبض على 17 من الأهالي اطلق سراحهم لاحقا، لكن المشكلة قائمة، منذ أن تم إسقاط الاتفاق الذي كان قد تم التوصل إليه من قبل اللجنة المشتركة السياسية والحقوقية لوقف النزاع بين الأهالي ودقو. ولكن بعد إصدار المصرف المركزي قراره في الأيام الاخيرة، ليطالب بحق الشفعة له، وجد الأهالي عنصر قوة لمواجهة الشركة، التي عمدت لاستخدام القوة بعد توقيف دقو لتخويفهم”.

وهنا يستذكر المتحدث حكاية “المواطن منصور شاهين ابن بلدة الطفيل الذي رمى حجراً على الجرافات التي كانت تقوم بجرف الأشجار منذ حوالي السنة، فكان أن اقتحم شبيحة دقو منزله واعتقلوه أمام عائلته واقتيد إلى سوريا، وعاد بعد ثلاثة اشهر معطوباً، ما أخاف الأهالي وجعلهم يحسبون ألف حساب قبل أن يظهروا علامة غضب أو التعبير عن معاناتهم بالاحتجاج عبر التظاهر أو غيرها ورغم ذلك، حاولوا إيصال صوتهم، عبر الإعلام أو غيره”.

يهرّب الدولارات و”يبرطل” مسؤولين

ولفت إلى أن “ملك الكبتاغون يهرب الدولارات على مرأى من الجميع ويبرطل (يرشو) أمنيين وحتى نواب ووزراء ومخاتير، وهو يجري عمليات تزوير، وهو سوري فكيف جنسته الدولة وهو معروف بأنه تاجر مخدرات، كل ذلك بسبب حالة الفلتان وعدم سؤال أهل الدولة عن أحوال أبنائها ورؤية معاناتهم والعمل على حل مشكلاتهم لا زيادتها ومفاقمة تعقيداتها”.

ويؤكد أن “الطفيل تعيش حالة فلتان امني بسبب عصابة حسن دقو. فكل فترة تحصل حالات إطلاق نار من قبل مسلحيه الذين يحضرون مع كلابهم البوليسية المدربة ليشيعوا الخوف، ويهربوا من دون أن يتم القبض عليهم، في حين أن الدولة إذا تدخلت فإنها تقبض على المظلومين وتترك ظلّامهم أحراراً، وأوضح أن شركاء دقو السوريين مدير مكتب ماهر الأسد، وأحد القياديين في حزب الله الذي يغطيهم بالكامل”.

ويلفت إلى أن “الصورة التي تم تسريبها لدقو مع الرئيس سعد الحريري قديمة، عندما كثرت شكاوى الأهالي منه وبعد زيارات من قبل أهالي الطفيل للرئيس الحريري، تم تشكيل لجنة من حزب الله والمستقبل بدعوة من أحد المشايخ وقد استدعى الحريري دقو لمعالجة الإشكالات بعد أن جرى تعيين محي الدين الجمال من المستقبل عضوا في اللجنة، ووقتها ادعى دقو انه يريد إقامة مشاريع وتوظيف وما إلى هنالك من بروباغندا مكشوفة، وتسريب الصورة اليوم لغايات تنافسية، قد يكون وراءها من اعطى الجنسية اللبنانية لدقو من دون أن يسال عن مخاطر ذلك الامر”.

ويؤكد أن بلدة “الطفيل مظلومة جداً، لقد منع الأهالي من زرع أراضيهم ومن البناء ومن تربية المواشي ومنع حفر آبار المياه ومن حاصر البلدة صار فرعوناً”.

تخوف من لفلفلة الملف

وإذ تخوف من لفلفلة ملف دقو، مشيراً إلى التسجيل الصوتي لزوجته المحامية سحر محسن، في حديث هاتفي لها مع محامي زوجها، وهي تحدد له الطريقة في التعاطي مع هذا الملف لإخراج زوجها من السجن، بحال تم تغيير أقوال موقوف وتغيير قرار القاضي مقابل أموال.

ولفت إلى أن هناك “شخصا ًيعتبر كاتم اسراره اسمه ا. م. ا كما لا بد من استدعاء المختار هناك، وسؤاله عن صحة تزوير أوراق لدقو لاعطائه الجنسية، أو تزوير أوراق للقول إن الأراضي التي اشتراها من المزارعين بأنها جرداء وغير مثمرة لعدم دفع ثمن الأشجار، هذه قضايا تحتاج لمتابعة لإظهار حق الناس”.

مجرم يحميه فاسدون في الدولة

“مهاجر من أبناء الطفيل” يتهم الفاسدين بالدولة بأنها وراء حسن دقو “لأنه ليس بهذه السهولة أيمكنه القيام بكل ما قام به دون رقيب أو حسيب اذا لم يكن هناك غض نظر من الجهات المعنية بحماية أمن الأهالي وأمانهم”.

وقال: “أنا حاولت مساعدة أهالي البلدة بقدر الإمكان بناء مدرسة وتأمين مياه وغيرها، وهذا غير موضوع، لكن أعرف كيف تجري الصفقات والسرقات، حسن دقو كان فلاحاً يعمل في أرضي يرش الأشجار ويقلم المزروعات، ووالده كان مهرب مازوت وكاز ويعمل معه وهو طفل، كيف أصبح معه مليارات الدولارات؟ في حزيران السنة الماضية اشترى الطفيل بالتزوير، يقال إن مصرف لبنان اشتراها ووضع يده عليها وكانت تعود ملكيتها للعراقيين محمد علي الخفاجي واحمد الشلبي صاحب بنك مبكو، وفجأة جاء دقو وأحضر جرافاته وقضى على البساتين الخضراء وحولها إلى أراضي بور، قدم الأهالي دعاوى. أنا اتصلت بقيادات سياسية وأمنية وحذرت مما يقوم به، خصوصاً بعد ظهور ميليشياته المسلحة التي زرعت الرعب في نفوس الأهالي أحضرهم من سوريا وبعضهم لبنانيون. ولكن للأسف، بعض أجهزة الدولة حمته، أنا لا أخاف من قول الحقيقة وأهلي وعائلتي المعارضة لأفعاله تدفع الثمن وابن عمي المريض يوقف على حاجز الجيش اربع ساعات لإذلاله، وأنا أعرف أن المهربين يمرون على الحاجز دون كسر خاطرهم ويرى الجميع السيارات التابعة لدقو تهرب الدولارات في صناديق الخضار إلى سوريا، دوره ليس سهلاً أنه تقويض للدولة”.

ويشدد صدقة في الختام على أن “ما يجري في الطفيل مأساة. كانت جنة والآن أصبحت أرضاً جرداء وأهلها أعلم بما جرى لهم وكل ما يحدث سببه إهمال المناشدات للدولة بالتدخل ووضع الأمور في نصابها على الأرض، إلا أنه وللأسف كانت بعض الأجهزة تقف إلى جانبه”.

كثير من الأمور يعرفها الأهالي ويدركون مدى خطورة فتح الملفات، لا سيما وبالتجربة تبين أن كل من يطالب بحقه تتم مواجهته برفع المحامي علي الموسوي محامي الموقوف دقو دعوى عليه، حتى باتت دعاوى وشكاوى الموسوي على الأهالي مدعاة للسخرية المرة. والسؤال: هل بناء قصور الأحلام التي بناها دقو في الطفيل لنفسه يعوض انكسار أحلام أهل هذه البلدة في تحصيل حقوقهم من معتد آثم؟”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً