ملائكة السماء وملوك الأرض… لن تكبح تعطيلات العهد

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف إثنان أنّ هناك جهوداً دولية تُبذل في المرحلة الراهنة لمحاولة إنقاذ لبنان وفك أسره من الأزمات التي تخنقه من كل حدب وصوب على وقع مفاوضات فيينا والتسويات التي ستشهدها المنطقة، وتداعياتها على لبنان الحلقة الأضعف بين الدول. ولعل المساعي التي تقوم بها فرنسا والحركة المكوكية للمسؤولين فيها من الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى الوزراء والسفراء والبعثات الديبلوماسية على المستويات كافة خير دليل على أنّ هناك نية بعدم السماح بانهيار لبنان كلياً، أو أن تأتي التسويات على حسابه وليس لصالحه. إلا أنه في الوقت عينه لا يختلف إثنان أيضاً أنه على المسؤولين اللبنانيين القيام بخطوات إصلاحية فعلية وملاقاة المجتمع الدولي والعربي في مساعيه انطلاقاً من البيان السعودي – الفرنسي الذي اعتبر خريطة طريق للخروج من النفق المظلم.

ووفق مصادر مواكبة للتحركات الفرنسية لـ”لبنان الكبير”، فإنّ “فرنسا لن تتوقف عن مساعيها من أجل لبنان على الرغم من كل الأبواب الموصدة في وجهها من المنظومة الحاكمة والمسؤولين الذين يمكن وصف العلاقة في ما بينهم بالمتشنجة، إذ يختلفون اختلافاً “جهنمياً” في مقاربتهم للملفات والقضايا التي تهم الناس، وما زيارة السفير بيار دوكين المسؤول عن متابعة قرارات مؤتمر “سيدر واحد” الذي عقد في نيسان 2018 إلى بيروت سوى للبحث في إعادة إحياء العملية الإصلاحية انطلاقاً من عودة المؤسسات الدستورية إلى عملها الطبيعي خصوصاً لناحية انعقاد مجلس الوزراء المعطّل من قِبل الثنائي الشيعي”.

وإذا كان واقع الحال يقول أنّ مهمة دوكين ستكون محفوفة بكل أنواع التعثر وبكل أشكال العرقلة والكيدية والأنانية، لأن المسؤولين يعملون وفق قاعدة واحدة: “من بعد حماري ما ينبت حشيش”، يجري الحديث عن استمرار التعطيل حتى نهاية العهد الحالي الذي بات نهجاً سائداً تحت عناوين متنوّعة أوصلت البلد إلى أسوأ أزمة في تاريخه.

ووسط كل تلك الضبابية في مستقبل البلد الذي يعيش لحظة بلحظة على أوكسيجين مساعدات من هنا ومبادرة إنسانية من هناك، لا بد من طرح الأسئلة التالية: هل يستطيع الديبلوماسي الفرنسي تسجيل خرق ما على صعيد انعقاد مجلس الوزراء لإطلاق الورشة الإصلاحية التي تنتظرها الدول المانحة والمؤسسات المالية؟ أو أنّ اللبنانيين كعادتهم يتعلّقون بحبال الهواء، لأنّ المسؤولين عنهم يضعون وراء ظهرهم كل مساعي العالم، غير مبالين بتداعيات الانهيارات المتوالية على الصعد كافة في حال انكفأ الخارج عن مساعدتنا؟ وهل ما يُحكى عن مسار تضليلي وتعطيلي حتى نهاية العهد سلك طريق التنفيذ من دون التراجع خطوة واحدة حتى لو تدخلت ملائكة السماء وملوك الأرض؟

قال مصدر مقرب من رئيس الحكومة لـ”لبنان الكبير” أنّ “السفير دوكين يحاول المساعدة على إزالة العراقيل من أمام مجلس الوزراء لأنّ انعقاد الحكومة أساسي جداً في هذه المرحلة، لكن الرئيس ميقاتي لن يدعو إلى جلسة طالما لم تشارك فيها كل الأطراف. الديبلوماسي الفرنسي لديه جدول أعمال يحاول تنفيذه بما يخدم لبنان، وأعتقد أنّ الافرقاء سيتجاوبون مع مسعاه، لكن إلى أي مدى؟ هذا منوط بحجم المبادرة ونوعيتها. وبالتالي، سيكون لهذه الزيارة وقع إيجابي بخاصة أنّ الفرنسيين لديهم علاقات جيدة مع كل الأطراف”.

وشدّد على أنّ “الفرنسيين يقومون بمساعٍ جدية لتخفيض منسوب التوتّر في هذه المرحلة ومساعدة لبنان بالحد الأدنى من الاستقرار”، مؤكداً أنّ “التعطيل لن يستمر حتى نهاية العهد لأن هناك محاولات مستمرة لتشكيل خرق إيجابي ما على الصعيد الحكومي”.

مصادر رئيس الحكومة المتفائلة، لا تنسحب على “الثنائي الشيعي” الذي قالت مصادره لـ”لبنان الكبير” أنّ “الوضع الحكومي سيبقى على حاله ولا علاقة للسفير دوكين بالموضوع لأن هناك خرقاً واضحاً للدستور، وطالما أنّ القاضي طارق البيطار لم يقر بأن محاكمة الرؤساء والوزراء تتم عبر مجلس النواب لن تنعقد الحكومة”، متسائلة: “لماذا يعتبر الرأي العام والإعلام أنّ الثنائي هو المعطل ولا يتحدثان عن التعطيل الذي يمارسه الرئيس عون والنائب جبران باسيل من خلال دعمهما للقاضي البيطار بخرق الدستور، ويمنعان ملاحقة مطلوبين محسوبين عليهما”.

وشددت المصادر على أن “الثنائي لن يغير موقفه طالما أنّ القاضي البيطار على موقفه حتى لو دخل على خط الوساطة رؤساء العالم”.

حبيش: المطلوب مؤتمر دولي لحل ثغر النظام

وأشار النائب هادي حبيش إلى “أننا لا نعرف حتى الساعة إن كان الديبلوماسي الفرنسي يحمل في جعبته مبادرة لحلحلة موضوع انعقاد مجلس الوزراء. العهد تعطيل بتعطيل من بدايته حتى نهايته. أنا غير متفائل لما يحصل بشكل عام، إذ أن الوضع مستمر في الانهيار، ونأمل تحقيق خرق إيجابي ما، إلا أنّ هذا الخرق بحد ذاته لم يعد يكفي لأنّ الموضوع أصبح أكبر من ذلك بكثير في بلد يشهد تعطيلاً للمؤسسات بشكل دائم، وينتقل من مشكلة الى أخرى، ويدفع اللبنانيون أثمان سلاح (حزب الله) الذي يتطلّب مبادرة دولية إقليمية لحل قضيته”.

واعتبر أنه “ليست من السهل معالجة الأمور داخلياً، إنما المطلوب تدخّل دولي جدّي. كما أنّ النظام السياسي لا يمكن أن يكمل بهذه الطريقة، إذ أنّ الدستور قائم على التوافق، وإذا لم يتوافر التوافق يتعطّل البلد. لا يمكن الاستمرار بمنطق التوافق على كل شيء، ويدفع المواطنون الثمن الأكبر”.

وتابع: “في كل دول العالم يحكم الرئيس، أما في لبنان لا رئيس جمهورية ولا رئيس حكومة ولا رئيس مجلس نواب باستطاعتهم الحكم، والحكومة تتطلب معجزة التوافق على التشكيل. أنه نظام مركّب لارضاء الطوائف ولم يأخذ في الاعتبار أنّ إرضاء الطوائف لا يتقاطع مع سير عمل المؤسسات”، متسائلاً: “في حال استمرينا بالتخوّف من التعديلات الدستورية، على من سيطبق الدستور في السنوات المقبلة في ظل الهجرة المخيفة التي يشهدها البلد (400 ألف مهاجر سنوياً)؟ ماذا ننتظر؟ المزيد من الهجرة؟ إنه العقم في التفكير عند بعض السياسيين والأحزاب، وعدم فتح الموضوع ومعالجته”.

وأضاف: “التجربة أثبتت أنّ نظامنا يمكن أن يطبق عندما تكون هناك وصاية لأنه يتطلب حَكماً بين الجميع والحَكم هو رئيس الجمهورية. في لبنان، على الجميع أن يكونوا راضين لتسير الأمور. إضافة إلى أزمة النظام، ثمة أزمة سلاح الحزب في الداخل والخارج. والموقف السعودي والخليجي من لبنان الذي ندفع ثمنه اليوم ليس بإرادة اللبنانيين. في الوقت عينه نسأل: هل بإمكان اللبنانيين حل قضية سلاح الحزب؟ كلا”.

وأشار إلى أنّ “نتائج التعطيل بشكل دائم من الـ2005 إلى اليوم أدّت إلى الانهيار الذي نشهده. ولو ربطنا هذا التعطيل بالأثمان الاقتصادية فتكون النتيجة أنّ 55 في المئة من وقت البلد بلا مؤسسات، والـ45 في المئة من معظم الوقت حين يكون هناك مؤسسات تكون شبه معطلة، لأنه تحت ستار الميثاقية يمكن تعطيل مجلس الوزراء. لا يمكن الاستمرار في منطق التعطيل بحجة مطلب من هنا وآخر من هناك”.

ورأى حبيش أنّ “الانتخابات النيابية لن تغير أي واقع، لذلك علينا الاقتناع أننا بحاجة إلى مؤتمر دولي يجد حلاً جدياً لثغر النظام بشكل يمنع تعطيل انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة”، معتبراً أنّ أي مبادرة تأتي اليوم من هنا أو هناك يمكن أن تؤدي إلى خرق إيجابي طفيف، إلا أنّ الحل الحقيقي في مكان آخر”.

شارك المقال